سن الثلاثين والهدر المدرسي

موضوع التكافؤ نجح في التفوق على موضوع الكفاية الأهم والأعمق قبل انفجار موضوع حصر حق التباري لنيل وظيفة أستاذ بالمدرسة العمومية لمن هم دون سن الثلاثين، مر تصريح لوزير التعليم الجديد قبل بضعة أيام، أكد فيه أن أكثر من نصف تلاميذ الإعدادي انقطعوا عن الدراسة. لم يقل النصف أو ما يقارب النصف، بل قال أكثر من النصف! رغم ذلك، مر الخبر بعد نقله من قبل الصحافة مثلما نقلت للمتتبع نبأ سن الثلاثين ساخنا، إلا أن الجمهور مر عليه مرور الكرام، فلم تثر حوله أي زوبعة من أي حجم، ولو بنصف حجم الزوبعة التي أثارها موضوع الثلاثين سنة، رغم أن ثقل الخبر الأول هو أعلى بكثير من ثقل الخبر اللاحق، والحديث هنا عن ثقل الموضوع من ناحية الحجم والتأثير والخطورة، حيث لا يقصد بهذا القياس لا الإقصاء ولا التنقيص من الأصغر والأخف بين الموضوعين. إن قانون الثلاثين أضر بفئة متعلمة، أما مصيبة الهدر المدرسي، فهي مصيبة الفئات الهشة ومصيبة أبناء الأميين ومصيبة أبناء المناطق النائية، فرغم أن أبعادها وأوزارها تنوء بحملها الجبال، إلا أنها اليوم ليست قضية رأي عام بصناعه وموجهيه، فسبب انخفاض حساسية مجسات الرأي العام ونوابضه، والذي هادن مصائب التعليم والصحة في قطاع يهم العموميين منذ زمن، وإن تعامل مع الأمر فبشكل عاد ومناسباتي لا يناسب حجم الأزمة ولا أثرها، في تمييز ظاهر يرجع بالأساس إلى توفر الفئات المتعلمة وذات الدخل المحترم على البديل الأفضل عند القطاع الخاص في الصحة والتعليم، كما أن التفوق المكتسب من تميز التعليم الخاص، حتى لو كلف ماليا، فإن مردوده لا يقارن بمردود نظيره العمومي، لأن مستقبل أبناء الفئات المتعلمة والقادرة على الدفع، ليس هو مستقبل باقي الفئات التي لا صوت لها، وإن صرخت فإنها تصرخ بسبب قضايا الخبز والماء فقط. فإن ضرب قانون الثلاثين عاما بمبدأ تكافؤ الفرص، فإن إطلاق العنان للتعليم الخاص بامتلاك جميع وسائل وأدوات التفوق على نظيره العمومي، ثم ترك خدمات قطاع الصحة العمومية لعدة سنوات دون المستوى، من قلة الموراد البشرية ومن قلة المراقبة الصارمة والدائمة، يضرب المبدأ نفسه، مبدأ التكافؤ في بعد أعمق بكثير وكثير، سينفي كل دهشة أو استغراب عند حدوث أي تصدع تكتوني قد يفاجئ لحمة المجتمع في أي لحظة ولأي سبب حتى لو كان طائشا. فكيف نجح موضوع التكافؤ في التفوق على موضوع الكفاية الأهم والأعمق؟ علما بأن حجم العرض داخل سوق الشغل لن يغطي لا نصف ولا حتى ربع الطلب، لا اليوم ولا غدا، حتى إن نجح هذا التصدي لمسألة التكافؤ الفرعية، هذا إذا استشف واقع هذه السوق بالمجهر، حيث سيسبق الرهان على الكفاية غيره من الرهانات والمناقشات في الترتيب والأولوية. فهل لو عانت الطبقات المتعلمة من نفس ما تعانيه غيرها في باب الصحة والتعليم، هل كان ليندحر أداء قطاعهما العام إلى هذه المستويات؟ وهل كانت حساسية مجسات ونوابض الرأي العام لتعالج المعضلة بالاهتمام والفاعلية نفسيهما؟ فإن ضمن القطاع الخاص مستقبلا أفضل لمن يستطيع تحمل الكلفة المادية ماليا، والمعنوية بالقدرة على مواكبة الحمولة في ظل كثرة المواد وثقل المحفظة التي حولت العملية التعليمية إلى عملية تعذيب لجميع أطرافها، وما الهدر إلا ناطق باسم عجز أكبر الفئات عن المواكبة، في ظل منهجية تقتل الكثير من الملكات الذاتية وتدفنها، فإن ضمن هذا التحمل المادي والمعنوي مردودية أفضل لأصحابه ولذريتهم، فإن ظروف ومستقبل الفئات الهشة ستفرض عليها إنتاج نسبة ولو ضئيلة جدا من الجانحين ممن فاضت بهم السجون حسب تصريح التامك الأخير، إلا أنها نسبة رغم ضآلتها، فهي تكفي لتنغيص حرية وحياة الآخرين في الشارع وفي الفضاء العام، في الليل والنهار، هذا دون الحديث عن تكلفة ضبط الأمن وباقي تكاليف الإصلاح والتقويم. عبد الرزاق الحجوي

سن الثلاثين والهدر المدرسي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

العالقون يستنفرون الجامعة

حفل لتتويج الأشعري بجائزة "الأركانة"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات