غريب المأزق السياسي الذي تتخبط فيه بقايا النظام السابق وإصرارها على معارضة التيار الشعبي الجارف المطالب بالتغيير الشامل، والذي لم يستسغ أن يطلب منه، باسم مصلحة البلاد وضمانا لاستمرارية الدولة، قبول أكثر من عشرة وزراء من عهد بن علي. لا أحد قادر على إقناع الشعب بالعلاقة بين استمرارية دواليب الدولة وبين قبول وزراء عملوا سنين طويلة تحت إمرة بن علي. فضمن مناورات بقايا النظام البائد الترويج لنظرية الفترة الانتقالية التي تفرض القبول برموز بن علي، وأن من غير الممكن التطهير الشامل للبلاد ممن قال فيهم الشعب كلمته بصوت واحد: ارحلوا عنا. فالجماهير المحتجة في كامل المدن التونسية رفضت إشراك الحزب الحاكم في الحكومة الحالية، لا بمنطق التشفي والإقصاء، بل من منطلق الحذر والاحتراز، فالناس في تونس خبرت مدى دهاء وتملق الغالبية الساحقة في هذا الحزب وقدرتها على ركوب الأحداث والعيش منها، فالحزب الحاكم لا أفكار ولا برامج لديه ما عدا برنامج واحد جند له مئات الآلاف من المنخرطين، ألا وهو بقاء بن علي في السلطة إلى الأبد. فهذا الحزب له قدرة لا مثيل لها في قمع الشعب وتعطيل دواليب ومؤسسات الحرية، ما يجعل الغالبية الساحقة من الجماهير تخشى أن يكون الحزب الحاكم بصدد تغيير جلده، وهو يحتاج إلى هدنة يمتص خلالها غضب الجماهير ليعود من جديد لينقض على الحياة السياسية ليقتلها ويعيد صياغة المشهد وفق مصالحه.الجماهير لا يخيفها الحزب الحاكم ولا يعنيها كحزب سياسي، للإدراك التام أنه مفلس على جميع الأصعدة، فهاهو بن علي وزمرة من أعوانه يطردون من الحزب بعد لحظات من إسقاط النظام، وتم فصلهم من الحزب دون سند قانوني، ما جعل القرار يثير اشمئزاز الناس واستنكارهم لتملق القائمين على هذا الحزب ومحاولتهم ركوب الأحداث، فقبل أيام كانوا يعبدون بن علي ويسبحون بحمده واليوم يطردونه!!! نعم هذه قوة الحزب الحاكم في تونس وهذه أخلاقه، فكيف للجماهير أن تقبل هذه الوجوه وترضخ لها؟؟؟يبقى السجال مفتوحا ومأزق الوزير الأول يتفاقم يوما بعد يوم بعد انسحاب ثلاثة وزراء من حكومته المرتقبة تحت ضغط الشارع واتساع رقعة الرافضين لهذه الحكومة، ما يجعل المخرج لهذه الأزمة يمر حتما عبر احترام إرادة الشعب وإقصاء رموز عهد بن علي وتغييرهم بوزراء تقنوقراط مشهود لهم بالنزاهة والحياد ولم يسبق لهم الانخراط في حكم بن علي... وما أكثرهم في تونس. إسكندر الفقي: (محام تونسي)