الاعتقال الاحتياطي… هل تنتهي المعاناة؟

ناقش المشاركون في الندوة الجهوية التي نظمت بالبيضاء بعض الإشكالات القانونية، المتعلقة بترشيد الاعتقال الاحتياطي، وهمت المحاكمة عن بعد وإكراهات النصوص القانونية والميزانية المعتمدة لتحقيق المؤشر المتفق عليه مع الاتحاد الأوربي في الشق المتعلق بإصلاح منظومة العدالة. كريمة مصلي المحاكمة عن بعد انعكست سلبا قال أحمد والي علمي، رئيس قطب الدعوى العمومية وتتبع تنفيذ السياسة الجنائية، أنه رغم اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد، تجربة رائدة توازن بين ضمان حق المعتقلين في المحاكمة التواجهية من جهة، وضمان السلامة الصحية من جهة أخرى، فإن انطلاقتها وما واكبها من صعوبات واختلاف في مدى قبول الخضوع لها من عدمه، أديا إلى حدوث بعض التأخير في تصفية قضايا المعتقلين، وبطء في سير إجراءاتها، انعكست التجربة سلبا على أعداد المعتقلين الاحتياطيين، الذين لم يتم البت في قضاياهم، إذ ارتفع عددهم بشكل ملحوظ ليستقر عند نهاية 2020 في حدود 38836 معتقلا احتياطيا (لم يصدر في حقهم حكم حائز لقوة الشيء المقضي به)، من أصل 84990 سجينا في مجموع المؤسسات السجنية الوطنية، أي ما نسبته 45.69%، وهذا رقم قياسي. تغيير القانون ضرورة أثار المفهوم الواسع للاعتقال الاحتياطي المعتمد في المغرب، نقاشات مهمة، على اعتبار أن التعريف القانوني له يتعدى ما هو متعارف عليه دوليا، وهو ما دفع المتدخلين في الندوة إلى المطالبة بتعديل القانون، كما أثار أحمد والي علوي، ذلك بعد أن أكد أن مفهوم الاعتقال الاحتياطي، يرتبط على المستوى الدولي بالفترة السابقة عن المحاكمة، أو على أبعد تقدير إلى حدود صدور حكم ابتدائي بالإدانة، وهذا التوجه الأخير هو المعتمد على مستوى منظمة الأمم المتحدة، إذ يتم تصنيف الدول بحسب نسبة اعتقال الأشخاص غير المحكومين من السجناء، مشيرا إلى أنه على الصعيد الوطني يتجاوز الأمر المفهوم الأممي للاعتقال الاحتياطي، ليشمل كل شخص معتقل، ولو كان محكوما بعقوبة سالبة للحرية سواء بحكم ابتدائي أو قرار استئنافي، بحيث يظل معتقلا احتياطيا إلى حين اكتساب الحكم الصادر في مواجهته قوة الشيء المقضي به، أي غالبا بعد البت في الطعن بالنقض، بالنظر للجوء معظم المعتقلين إلى الطعن تلقائيا في الأحكام الصادرة في مواجهتهم، سواء بالاستئناف أو النقض. وأوضح أحمد والي علمي، أنه إن كان معدل الاعتقال الاحتياطي برسم هذه السنة بلغ أكثر من45 % من مجموع الساكنة السجنية تأسيسا على التعريف التشريعي المعتمد وطنيا، فإن عدد المعتقلين الاحتياطيين الذين لم يصدر في حقهم أي حكم ابتدائي لم يتجاوز 15359 معتقلا في نهاية 2020، أي ما نسبته 18,07 % من مجموع الساكنة السجنية البالغة 84990 سجينا. الموارد البشرية غير كافية أزيد من 71% من المعتقلين الاحتياطيين، متمركزون على مستوى محاكم الاستئناف بما مجموعه 27578 معتقلا، بينما يبلغ عددهم في المحاكم الابتدائية 6621 معتقلا بنسبة 17%، ويوجد على مستوى محكمة النقض حوالي 12% من المعتقلين الاحتياطيين بما مجموعه 4637 معتقلا. ويرجع سبب هذا التمركز إلى تعدد الهيآت والغرف الموجودة بهذه المحاكم، والتي تبت في قضايا المعتقلين، فهي تضم غرفا للتحقيق وغرفا جنحية وغرفا للجنح الاستئنافية، فضلا عن غرف الجنايات الابتدائية والاستئنافية، الأمر الذي يستوجب تدعيم محاكم الاستئناف بالموارد البشرية لحسن تصريف قضايا المعتقلين وترشيد معدلات الاعتقال الاحتياطي، التي تتأثر بوتيرة البت في هذا النوع من القضايا. استنتاجات أساسية أكد أحمد والي علمي، خلال مداخلته حول ترشيد الاعتقال الاحتياطي، أن معدله ارتفع ما بين متم مارس وأبريل بأكثر من نقطتين، إذ انتقل من %37,11 إلى %39,14، رغم أن عدد المعتقلين الاحتياطيين انخفض خلال الفترة نفسها بحوالي 800 معتقل (من 31432 خلال مارس إلى 30630 في متم أبريل). وحسب علمه فذلك يعزى إلى الانخفاض الذي حصل في المجموع العام للمعتقلين بالمؤسسات السجنية بعد العفو الملكي الذي صدر لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، إذ استفاد منه أكثر من 5000 سجين، مما أدى إلى انخفاض الساكنة السجنية، وبالتالي إلى ارتفاع نسبة المعتقلين الاحتياطيين، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن عدد المعتقلين الاحتياطيين ومعه معدلات الاعتقال، كانت ستتجاوز الأرقام المعلن عنها، لولا اعتماد المحاكمة عن بعد، خيارا إستراتيجيا لاستمرار محاكمة المعتقلين، بعدما تقرر منع إخراجهم من السجون، حفاظا على صحتهم. تدبير الجلسات رغم الارتفاع الحاصل في عدد المعتقلين الاحتياطيين الناتج أساسا عن انخفاض وتيرة تصفية القضايا الخاصة بهم، إلا أن الساكنة السجنية في نهاية 2020 كانت تبلغ 84990 سجينا، أي أقل مما سجل في نهاية 2019، إذ بلغت 86384 سجينا، مما يؤكد أن الارتفاع الذي عرفه معدل الاعتقال الاحتياطي لا يعبر عن خلل حقيقي في ترشيده، بقدر ما هو نتيجة وقتية للاضطراب الذي عرفه تدبير جلسات المعتقلين، والذي أفرزته جائحة كورونا، إذ يمكن تخفيضه بمجرد عودة المحاكم إلى إيقاعها الطبيعي في العمل، إذ أن لأمر الذي يستوجب العمل على تفاديه هو الأحكام التي تصدر بالبراءة والقرارات بعدم المتابعة في قضايا المعتقلين. بدائل الاعتقال استفاد من بدائل الاعتقال الاحتياطي خلال 2014، 84802 شخص تم تقديمهم أمام النيابة العامة من بين 215 586 شخصا تم تقديمهم أمام النيابات العامة، وفي 2017 ارتفع مؤشر استعمال تدابير الاعتقال الاحتياطي بنسبة 10 في المائة، بالمقارنة مع 2014 ، وفي 2018 بنسبة 15 في المائة بالمقارنة مع 2014 لبدائل الاعتقال الاحتياطي، وفي 2019 انخفض عدد السجناء الاحتياطيين، بنسبة مهمة, لكنه مع ظهور الجائحة عاود الارتفاع. آليات التتبع في إطار تتبع تنفيذ مؤشرات الاعتقال الاحتياطي، يعمل الاتحاد الأوربي على انتداب خبراء، من أجل تتبع تنفيذ مؤشرات الاعتقال الاحتياطي ويتم إعداد تقارير عن ذلك، بالاعتماد على الإحصائيات الرسمية لإدارة السجون ورئاسة النيابة العامة. إكراهات تحقيق المؤشر قال محمد اخلفا، المحامي العام، إن هناك إكراهات مهمة تقف في وجه تحقيق المؤشر المتفق عليه مع الاتحاد الأوربي، بشأن ترشيد الاعتقال الاحتياطي وتخفيض نسبته، وأن هناك مجموعة من التقارير أنجزت، تضمنت تقييما للوضع ومقترحات بخصوص الإفراج عن الأقساط المرتبطة، والتي مع الأسف لم تكن إيجابية بالنظر إلى السقف العالي للأهداف المسطرة 35% ، بالنظر إلى واقع الظاهرة، حيث نسبة الاعتقال ولمدة تزيد عن عشر سنوات تتغير بنسب ضئيلة، وارتباط المؤشر بالأجندة السياسية والمبادرة التشريعية غير المتحكم في مآلها، خاصة عدم المصادقة على مشروع قانون المسطرة الجنائية والذي تضمن إدراج آليات بديلة كالسوار الإلكتروني. ميزانية ترشيد الاعتقال قال محمد أخلفا، محام عام لدى محكمة النقض، مكلف بالتعاون التقني برئاسة النيابة العامة، إن تنفيذ السياسة الجنائية يضمن آليات لترشيد الاعتقال الاحتياطي ومراعاة قضاة النيابة العامة للمقتضيات الحمائية لحقوق الإنسان واحترام قرينة البراءة، وأن يتم ترشيد الاعتقال الاحتياطي تدريجيا عن طريق إعمال بدائل الاعتقال الاحتياطي. وأشار المتحدث إلى أنه بسبب المكانة التي يحظى بها المغرب، لدى الاتحاد الأوربي والتي جعلته يواكب تنزيل الإصلاح الدستوري المرتبط باستقلال السلطة القضائية، تم رصد غلاف مالي يقدر ب75 مليون أورو، وتم رفعه إلى حدود 77.5 مليون أورو سنة 2017 والتي تمثل 25 في المائة من تكلفة إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، مؤكدا أنه إلى حدود 2018 كانت وزارة العدل هي الجهة الموكول إليها تنفيذ البرامج المشار إليه أعلاه، إلا أن تتبع وتنفيذ مؤشر الاعتقال الاحتياطي، أصبح من اختصاص رئاسة النيابة العامة بخصوص بعض المؤشرات التي تعني حماية الحقوق والحريات، وتقدر الميزانية المخصصة للدعم الميزانياتي المرتبط بإصلاح منظومة العدالة بالمغرب ب 66.5 مليون أورو موزعة على 12 مؤشرا يتمحور حول توطيد استقلال السلطة القضائية، وعقلنة الخريطة القضائية والولوج إلى العدالة، وتعزيز الحقوق والحريات وترشيد الاعتقال الاحتياطي، والنجاعة القضائية. توصيات الندوة خرجت الندوة الجهوية بتوصيات من شأنها في حال التطبيق السليم لها، أن تعمل على فك معضلة الاعتقال الاحتياطي، من خلال عقلنة استعمال سلطة الاعتقال الاحتياطي باستحضار قرينة البراءة والإعمال الدقيق للمقتضيات القانونية المنظمة لشروط الاعتقال، والحرص على البت في قضايا المعتقلين الاحتياطيين في أقرب الآجال وتجهيز الملفات المطعون فيها وإحالتها على المحاكم الأعلى درجة، وترشيد الطعون خاصة الطعن بالنقض في قضايا المعتقلين، والعناية بتدبير الأبحاث الجنائية وعدم المبادرة إلى تحريك الدعوى العمومية في حالة اعتقال إلا بعد توفر وسائل الإثبات الكفاية لتفادي صدور الأحكام بالبراءة في قضايا المعتقلين. وأجمع المتدخلون في الندوة على ضرورة بذل المزيد من الجهد لتفعيل بدائل الاعتقال الاحتياطي المتاحة بموجب قانون المسطرة الجنائية، سواء تعلق الأمر بالكفالة المالية أو بالصلح الزجري، وترشيد الإحالات على قضاء التحقيق مع ملتمسات الإيداع في السجن، والتماس تدابير المراقبة القضائية كلما توفرت شروط ذلك، واقتضته ظروف وملابسات القضية، والعناية بالإشكالات المتصلة بعلاقة الاعتقال الاحتياطي بتنفيذ العقوبات السالبة للحرية، بما فيها حالات تعدد الجرائم وإدماج العقوبات، واحتساب مدة العقوبة عند تعدد الأوامر بالإيداع في السجن في حق الشخص، وفقا لما يقتضيه القانون واستبعاد الدوريات القديمة التي لا تتلاءم مع التشريع الحالي، وضرورة تدعيم الموارد البشرية القضائية، خاصة على مستوى محاكم الاستئناف التي تعرف تمركزا كبيرا للمعتقلين الاحتياطيين.

الاعتقال الاحتياطي… هل تنتهي المعاناة؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تأييد عقوبة جمركيين بوجدة

مغربيات بالإمارات في شوارع "محظورة"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات