ترشيد الاعتقال الاحتياطي… الأكذوبة

غياب الجرأة والخوف من الشبهات وراء المغالاة فيه رغم مناشير ودوريات النيابة العامة أعادت قضية محاكمة الرئيس السابق لفرنسا، في حالة سراح والحكم عليه بالحبس النافذ، إلى دائرة النقاش مسألة تدبير الاعتقال الاحتياطي في المغرب، بين المناشير والدوريات التي تتحدث عن آليات مهمة يمكنها أن تحل المعضلة، سواء في عهد وزارة العدل أو حتى بعد استقلال النيابة العامة عنها، وبين الواقع الذي يعريه الاكتظاظ الذي تعرفه السجون المغربية والذي تحدث عنه تقرير سابق للمندوبية العامة للسجون، وعزا سببه إلى "اللجوء المفرط للاعتقال الاحتياطي، الذي هو استثناء يكاد أن يكون قاعدة عامة، ذلك أن جنحا بسيطة يمكن أن تكون أيضا وراء الاحتفاظ بالمتهم في إطار الاعتقال الاحتياطي، ويتضح ذلك من خلال العدد الكبير للأحكام القاضية بالبراءة والعقوبات بالغرامات أو مع وقف التنفيذ". كل هذا التشخيص لم يستطع أن يغير من عقليات القائمين على اتخاذ قرارات الاعتقال، رغم المناشير المتكررة، مما تطرح معه تساؤلات عدة هل السياسة الجنائية غير قادرة على تدبير هذا الملف؟ وما حجية تلك المناشير أمام عقليات تضع فرضية الإدانة قبل البراءة؟ وهل الأمر يتعلق بأزمة نصوص أم أشخاص؟ وهل للمجتمع والمواطن دور في تكريس سياسة الاعتقال؟ "الصباح" في هذا الملف ارتأت إعادة طرح ملف تدبير الاعتقال الاحتياطي للنقاش مع فاعلين ومحامين، للوقوف على مكامن الخلل في تدبيره. كريمة مصلي الاستثناء الذي صار قاعدة المحامي العبودي : محاضر الشرطة توجه قضاة النيابة العامة نحو الاعتقال رغم أن مصدرها جهة أقل رتبة يميل قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق إلى الاعتقال، ما جعل الأمور تنقلب رأسا على عقب، إذ صار الاعتقال أصلا وتمتيع المتهم بالسراح استثناء، فاختلطت الأمور، وصار تمتيع أي موقوف بالسراح يدخل في خانة الشبهة والفساد. أول ملاحظة توقف عندها مراد العبودي، محام بهيأة الرباط، تأثير محاضر الضابطة القضائية في توجيه قضاة النيابة العامة نحو تفعيل قرار الاعتقال، رغم أنها صادرة عن جهة أقل رتبة، بحكم أن وكلاء الملك والوكلاء العامين للملك ضباط سامون، إضافة إلى أن المرحلة التي يستفيد فيها المتهم من ضمانات أكبر، هي مرحلة الاستنطاق بمقر النيابة العامة، وليس مرحلة البحث التمهيدي، الذي تشرف عليه الضابطة القضائية، بل أكثر من ذلك، يؤكد المحامي، نجد أن محرر المحضر لا يرقى من حيث التكوين ومن حيث الضمان إلى رئيسه وكيل الملك أو الوكيل العام للملك، ورغم ذلك يخضع قضاة النيابة العامة للمحاضر، إذ يأخذون بشكل أوتوماتيكي باعتراف المتهم فيها لإصدار قرار باعتقاله، رغم أن الاعتراف يخضع لسلطتهم التقديرية. وشدد العبودي على أن الاعتقال تشوبه عدة إشكاليات، منها القانونية، إذ أن المشرع لم يخضعه لضوابط محددة، بل تركه عاما ودون وضع رقابة على النيابة العامة وقضاء التحقيق من أجل تدبيره لفائدة المتهم، بل تركه موكولا للسلطة التقديرية، وهنا يصطدم الأمر مع تكوين القضاة والبيئة التي نشؤوا فيها، إذ تكون حاسمة في اعتبار الفعل الجرمي، يكتسي خطورة تستحق الاعتقال أو العكس. إضافة إلى ذلك، يؤكد المحامي، هناك خوف قضاة النيابة العامة والتحقيق من الشبهات، فيميلون إلى الاعتقال مقارنة مع تدابير أخرى، من قبيل وضع الموقوف تحت المراقبة القضائية أو فرض كفالة مالية، إذ غالبا ما يواجهون بتلقي رشاو أو محاباة في حالة تمتيع الموقوف بالسراح، لهذا تعوزهم الجرأة في اتخاذ قرار السراح. وتبقى مسألة أخرى غاية في الأهمية ساهمت في تكريس الاعتقال، حسب العبودي، وهي غياب الجرأة لدى نواب وكيل الملك أثناء استنطاقهم للمتهم، إذ يلاحظ أن أغلبهم يضطرون إلى استشارة وكيل الملك أو الوكيل العام للملك، رغم أنهم تفاعلوا بشكل مباشر مع المتهم واستمعوا لأقواله وعاينوا ردود أفعاله، ما يمكنهم من بناء قناعة حول تورطه في الجريمة من عدمها، مشيرا إلى أن ضرورة العودة إلى وكيل الملك أو الوكيل العام، تطرح إشكالا كبيرا، وهو أن المسؤولين يتفاعلون مع الوثائق والمحاضر وليس مع الشخص المتابع، ما يكون له تأثير كبير على إصدار قرار الاعتقال. والأمر نفسه ينطبق على قاضي التحقيق، إذ يوضح المحامي بهيأة الرباط، أنه عندما تحيل النيابة العامة المتهم عليه، يجد نفسه مقيدا باعتقاله بناء على ملتمساتها، ويتردد كثيرا في تمتيعه بالسراح خوفا من الاتهام بالمحاباة، ولو كانت تتوفر فيه ضمانات حددها القانون. وأكد العبودي أن الاعتقال الاحتياطي يمس بقرينة البراءة، إذ أن الأصل هو براءة المتهم إلى حين إدانته بحكم قطعي بعد مناقشة الأدلة،ولا يمكن اعتقاله إلا في حالات تصنف في خانة المس بالنظام العام أو القيام بأفعال تشكل خطورة على المجتمع، مشددا على أن الاعتقال يكون حين يشكل المتهم خطرا على المجتمع بحكم سوابقه القضائية، أو خطورة الفعل الجرمي المرتكب كالقتل، أو الخوف من التأثير على مجريات الدعوى، من قبيل التأثير على الشهود وإتلاف الأدلة، إلا أنه في الواقع، يوضح المتحدث، نجد ميولا إلى الاعتقال الاحتياطي دون مراعاة هذه الشروط، رغم أن المشرع قدم حلولا لتفادي هذا الإجراء، إذا كانت للمتهم ضمانات الحضور، من قبيل عمل قار أو له أسرة وعنوان داخل نفوذ المحكمة، إلا أنه رغم ذلك، يؤكد العبودي، أصبح الاعتقال هو الأصل. مصطفى لطفي

ترشيد الاعتقال الاحتياطي… الأكذوبة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جدوي: أزمة شخوص

"فيفو إنيرجي" تحارب الهدر المدرسي

مقالات ذات صلة