صفعة السلفيين لـ”بيجيدي”

تعد من أهم أسباب الهزيمة النكراء بعد أن استغلوا مآسيهم سياسيا وانتخابيا لعشر سنوات خسر العدالة والتنمية رهان استحقاقات 8 شتنبر الجاري، هزيمة لم تكن متوقعة حتى من ألد أعدائه، فبعد أن حمل قياديوه في استحقاقات 2011 و2016 على الأكتاف، وحققوا العلامة الكاملة بالبرلمان والجهات والجماعات المحلية، اكتفى هذه المرة بـ13 مقعدا برلمانيا، والقليل من المقاعد بباقي الوحدات الترابية. هزيمة "بيجيدي"، اعتبرت من قبل مختصين سابقة في العالم، إذ لم يسبق لحزب في أي دولة أن فقد 90 في المائة من مقاعده، وبالتالي سقطت أسطورة أن للحزب كتلة ناخبة مستقرة، وأنه يحظى بثقة أغلبية الشعب المغربي. إنجاز: مصطفى لطفي بمجرد الإعلان عن الهزيمة المدوية لإخوان عبد الإله بنكيران، التزم الجميع الصمت حول أسباب هذا الإخفاق، كأنهم يطلبون مهلة للوقوف على ما وقع، إلا أنه بإطلالة على نتائج المدن التي يحظون بشعبية كبيرة فيها، من قبيل البيضاء وطنجة وسلا وأكادير، اتضح بأنهم غادروا الانتخابات بخفي حنين، وتبين أن تيارات إسلامية تخلت عنهم، على رأسها المنتسبون للفكر السلفي، فماذا حدث؟ دروس الانتخابات قبل الخوض في أسباب الهزيمة المدوية للعدالة والتنمية، قرر لملس لملس، معتقل سلفي سابق وباحث في القانون، التوقف حول خلاصات هذه الانتخابات، أولاها أن الدولة كسبت رهان 8 شتنبر رغم الظروف التي صاحبتها والمتمثلة في جائحة كورونا والتدابير الاحترازية، وبالتالي فهي تريد أن ترسل رسالة مفادها أن الانتخابات بشقها الجهوي والمحلي والتشريعي، تعتبر التزاما دستوريا، وهذا من أهم مبادئ دولة الحق والقانون. الخلاصة الثانية، حسب لملس لملس، أن الداخلية نجحت في التزام الحياد التام ومرت المراقبة الانتخابية بسلاسة، إذ بدا أن المغرب من الدول القلائل التي كرست هذه المراقبة دستوريا وقانونيا، حيث سمح لمنظمات وطنية ودولية بمراقبة الانتخابات، وهذا ما أكدته تهنئة السفارة الأمريكية والبريطانية والمنظمات الدولية. كما توقف السلفي السابق، أمام السلوك الانتخابي، إذ حسب قوله، أصبح هناك وعي كبير لدى المواطنين، كرسته نسبة المشاركة التي فاقت 50 في المائة، في حين أن بعض دول الجوار لا تتعدى في انتخابات رئيس دولة والتصويت على الدستور 20 في المائة، وأن العلامة الفارقة هي نسبة مشاركة إخواننا الصحراويين في الأقاليم الجنوبية في هذه الاستحقاقات، والتي فاقت 60 في المائة، بما لا يدع مجالا للشك أنهم مع الثوابت المغربية والمؤسسات الدستورية، وتبقى أهم خلاصة حسب المتحدث، الهزيمة الني مني بها العدالة والتنمية، إذ في نظره، لم يسبق لحزب في العالم أن فقد مقاعده، بـ90 في المائة. وهم الكتلة الناخبة الثابتة كان حزب العدالة والتنمية في السابق، يعطي انطباعا أن لديه كتلة ناخبة قادرة على حسم الانتخابات، إلا أن هذا السقوط، حسب المعتقل السلفي السابق، يعري عن مشاكل داخلية، كانت سببا مباشرا في هذا الإخفاق. وتعود هذه الخلافات الداخلية إلى ترؤس العثماني للحزب والحكومة معا، رغم أنه ليست لديه كاريزما سياسية، إذ مباشرة بعد تقلده هاتين المسؤوليتين، أصبحنا نتحدث عن وجود تيارين داخل "بيجيدي"، تيار عبد الإله بنكيران وتيار الاستوزار. كما دفع الحزب ثمن طلاق جناحه الدعوي، التوحيد والإصلاح، الذي يعد "دينامو" الحزب، لأسباب عديدة منها، تمرير القانون الإطار الذي أثار ضجة في الحزب، والمصادقة على قانون القنب الهندي للاستعمالات الطبية، والتطبيع مع إسرائيل، هذه الأمور جعلت المنتمين للتوحيد والإصلاح، يهاجمون قيادة الحزب، فسقط سقطته الكبيرة. بالإضافة إلى ذلك، هناك القرارات اللا شعبية التي اتخذتها الحكومة، منها الصراع مع وسائل الإعلام، والمواجهة مع الأساتذة المتعاقدين، والأطباء أيضا، وعدم تدبير ملف التقاعد بشكل جيد، إلى جانب ارتفاع نسبة البطالة وانكماش النمو الاقتصادي، وخلاصة القول، يؤكد لملس لملس، أن المواطنين عاقبوا الحزب، لأنه لم يلتزم بالشعارات والوعود التي قطعها على نفسه، وهذا نوع من أنواع ربط المسؤولية بالمحاسبة. تجربة حية مرة للكشف عن عقاب أنصار الفكر السلفي لـ"بيجيدي" في استحقاقات 8 شتنبر، قرر المعتقل السلفي السابق سرد تجربته مع إخوان بنكيران، وطريقة استغلالهم لهذا الملف لأهداف انتخابية. يتذكر لملس التحاقه بالعدالة والتنمية في 1997 أي بعد التأسيس بقليل، باعتباره متعاطفا، إذ كان من الشباب، الذين ساعدوا قيادي الحزب رشيد المدور للفوز بمقعد في دائرة أنفا بالبيضاء، خصوصا أنه كان من طلبة العلامة الراحل عبد الباري الزمزمي. إلا أن لملس سيغادر الحزب، ويعتقل بعدها في ملف السلفية الجهادية في 2003. خاض وباقي المعتقلين، معركة حقوقية داخل السجن، كان أهمها الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، الشيء الذي أدى إلى وفاة المعتقل خالد بوبكري، في هذه الفترة لم يكن لهم نضج ووعي سياسي كبير، ومع ذلك أسسوا جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين، ترأسها القيادي الإسلامي البارز عبد الرحيم مهتاد. يحكي لملس أنهم من خلال الجمعية، كانوا يتواصلون بشكل مباشر مع مؤسسات الدولة، سيما المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في شخص الراحلة آسية الوديع، ووصل الأمر إلى مراحل متقدمة، منها قيامها ومسؤوليه بزيارة للمعتقلين في السجن في 2005، وقدمت لهم وعود بتسوية الملف. وفعلا بعد حوالي ثلاثة أشهر، يؤكد لملس، بدأ مسلسل العفو الملكي في ملف السلفية الجهادية، إلا أنه نتيجة لحالة عود بعض المعتقلين، خصوصا بعد أحداث حي الفرح والقنصلية الأمريكية في 2007، واستغلال الملف من قبل العدالة والتنمية في شخص مصطفى الرميد، بعد تأسيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، خصيصا لهذا الملف في 2006، توقفت المفاوضات مع الدولة لأنها لم تكن تنظر بعين الرضى لتدبير منتدى الكرامة والعدالة والتنمية لهذا الملف، لسبب رئيسي ومهم جدا، هو تشكيك مؤسسيها في أحداث 16 ماي الإرهابية. وهذه الحقيقة سيدركها لملس ورفاقه في السجن، في ما بعد، سيما بعد خوض مجموعة من المبادرات من أجل الإفراج عن معتقلي السلفية، أهمها مبادرة "أنصفونا"، التي تبناها منتدى الكرامة، ولم تلق تفاعلا إيجابيا من قبل الدولة، إذ أن العدالة والتنمية، لم يكن يدافع عن هذا الملف لوجه الله، وإنما لضمان كتلة انتخابية تقدر بالآلاف. نكران الجميل بعد خروج لملس من السجن، شارك في 2018 في الملتقى الثاني للحوار والأديان، الذي انعقد في فاس، وكان بشراكة ما بين وزارة الخارجية المغربية ومنظمة الإيسيسكو، وافتتح برسالة ملكية سامية، وكان من أهم ضيوف الملتقى، مصطفى الرميد، وزير العدل الأسبق، إذ عندما اقترب منه وسلم عليه، لم يعره أي اهتمام، خصوصا عندما علم أنه معتقل سلفي سابق، والشيء نفسه وقع مع لحسن الداودي لما كان وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، إذ قصده للاستفادة من منحة الماستر، فتوهم أنه سيتعاطف معه، فكانت الصدمة، إذ بدأ يصرخ في وجهه أمام الموظفين، ما دفع لملس إلى الاعتذار ومغادرة الوزارة محبطا، لأن ما صدر عن الداودي، ليس سلوك رجال الدولة بل سياسيين "حياحة". وفي المقابل، حظي لملس بشرف لقاء جلالة الملك مرتين، إذ استقبله في المرة الأولى من أجل الاستفادة من المشاريع الصغرى المدرة للدخل التي تشرف عليها مؤسسة محمد الخامس لإدماج السجناء، وفي المرة الثانية سلمه شهادة الماستر في القانون العام. فقه الجماعة سلوك قادة ومناضلي "بيجيدي"، يكشف عن تبنيهم المفهوم الضيق لفقه الجماعة، يؤكد السلفي السابق، وهو ما سبق أن حذر منه الراحلان الدكتور فريد الأنصاري، والشيخ عبد الباري الزمزمي، رحمهما الله، إذ كانا من الأوائل الذين فضحوا العدالة والتنمية، وبينوا أن هؤلاء الناس ينطلقون من المفهوم الضيق للجماعة ولا يتصرفون بمنطق رجال الدولة. حزب العدالة والتنمية بكل اختصار يعتمد في تعامله مع الناس انطلاقا من مفهوم المنتسبين إليه والمتعاطفين مع فكره، ولا يؤمن بمفهوم الدولة والسياسة، اللتين تقتضيان المرونة والتحالف مع باقي الشركاء، والدليل أنه وظف 1600 من مناضليه والمنتسبين إليه في جميع مؤسسات الدولة، والدليل الثاني، الطريقة المهينة التي طرد بها محمد حقيقي من منتدى الكرامة لحقوق الإنسان رغم أنه من مؤسسيه وتقديمه تضحيات جسيمة، لسبب بسيط أنه لا ينتمي إلى العدالة والتنمية، وحل محله القيادي عبد العالي حامي الدين. وعود عسلية للسلفية بعد الاكتساح الذي حققه العدالة والتنمية في الاستحقاقات الانتخابية لـ2011، شاءت الصدفة أن يلتقي ياسين لملس بالقيادي مصطفى الرميد، وعندما قال له بالحرف بخصوص ملف معتقلي السلفية "والله ما نساوكم وأننا سنخرجكم وندافع عنكم"، لكن للأسف، لما عين وزيرا للعدل، أقبر ملف السلفية، في حين أعلنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، مع شركائها عن مبادرة المصالحة، التي توجت بالإفراج عن عدد كبير من معتقلي السلفية. في استحقاقات 2016، تم التصويت على الحزب من قبل أنصار الفكر السلفي، بعد أن أوهم قادة الحزب، وعلى رأسهم عبد الإله بنكيران المغاربة، وعلى رأسهم السلفيون، عبر خطابات شعبوية والتركيز على شعارات المظلومية، أنهم يريدون الإصلاح وأن هناك جهات في الدولة تحاربهم، لكن بعد مرور السنين تبين أن الحزب ظل رهين المظلومية وخطاب المعارضة رغم أنه يترأس الحكومة، الشيء الذي يوضح أنه يفتقر إلى الكفاءات، ولا ينفذ الوعود التي قطعها على نفسه، بل على العكس، كانت كل قراراته لا شعبية، استهدفت على الخصوص الطبقة المتوسطة.

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو

متحف النقل الحضري قريبا بالبيضاء

"بورتنيت": الانتقال الرقمي أضحى ضرورة

مقالات ذات صلة