جيش التحرير … مهام لم تكتمل

جيش التحرير حرر أجزاء من الأقاليم الجنوبية قبل أن يتعرض لحملة فرنسية إسبانية عمت حالة من الإحباط وسط أعضاء جيش التحرير، بعيد الإعلان عن استقلال المغرب سنة 1956، معتبرين أن ما تم الإعلان عنه لم يكن إلا استقلالا مبتورا، على اعتبار أنه لم يشمل كل الأجزاء المحتلة، فقرر جزء كبير منهم الاتجاه جنوبا، والاستمرار في الكفاح، رافضين التخلي عن السلاح والالتحاق بالقوات المسلحة الملكية، ليبدؤوا حرب عصابات أجبرت الإسبانيين على مغادرة السمارة، والتراجع إلى مواقع ساحلية. في أواخر سنة 1957، تحركت فصائل جيش التحرير الرافضة للدخول في منظومة الجيش المغربي النظامي، معززة بعناصر من المقاومة الصحراوية، نحو وادي الذهب والساقية الحمراء، وتمكنت من تحريرها من السيطرة الإسبانية، لكن رد القوى الاستعمارية لم يتأخر، إذ ستعمل إسبانيا وفرنسا على إعداد جيش يزيد عدد جنوده عن 14 ألفا، مدججين بأحدث الأسلحة آنذاك، بما في ذلك المدفعية الثقيلة والدبابات والطائرات الحربية من أجل مسح آخر معاقل المقاومة المغربية في إطار عملية حرص الحليفين الاستعماريين على تسميتها "إيكوفيون" التي تعني المكنسة باللغة الإسبانية. قبل ذلك، كانت الاستخبارات الإسبانية رصدت تصميم جيش التحرير بالجنوب على مواصلة الكفاح لتحرير الأرض المغربية بأكملها، كما تأكد لقادة الجيش الإسباني صعوبة المواجهة المرتقبة، لذلك طلبت مدريد دعم باريس، ومنذ الأشهر الأولى من سنة 1957، أي بعد أقل من سنة على إعلان استقلال شمال ووسط المغرب، بدأ الجيشان التفكير بجدية في كيفية القضاء على المقاومة الآخذة في التجذر وسط سكان المنطقة، قبل أن تستقر خططهما، سنة 1958، على توحيد جهودهما في عملية تمشيطية، لم ينج منها إلا من حالفهم الحظ في الهروب إلى الحدود الجزائرية، بعد أن أقفلت في وجههم المسالك المؤدية إلى المناطق المحررة، بسبب حرب المواقع المستعرة آنذاك بين رجالات الدولة المغربية الحديثة. وكانت العملية تهدف إلى تصفية فصائل جيش التحرير التي اختار عناصرها التمركز بالصحراء، ومحاولة تحريرها بقوة السلاح، وهو ما كان يهدد بنسف مخطط الدولة القاضي بالتدرج في إجلاء القوى الاستعمارية عن التراب المغربي بواسطة المفاوضات السياسية، وذلك استكمالا لما نصت عليه اتفاقية "إيكس ليبان" بين أقطاب الحركية الوطنية والسلطات الفرنسية.وتسببت العملية المذكورة في هروب مقاومين بارزين إلى الحدود الجزائرية، أمثال محمد بنسعيد أيت يدر وعبد السلام الجبلي وسعيد بونعيلات، كما أطلقت "إيكوفيون" أولى شرارات النزاع حول الصحراء، ذلك أن العدد الأكبر من الهاربين كان من مقاتلي القبائل الصحراوية، كما هو الشأن بالنسبة إلى محمد ولد حمانة ولد الديوهي، وهو والد محمد علي بيبا، الذي سيحمل في ما بعد حقيبة ما يمسى الوزارة الأولى في بوليساريو، وسالك ولد عبد الصمد، وهو والد محمد سالم ولد السالك القيادي البارز في الجبهة، بالإضافة إلى قياديين سيكون لهم دور هام في تأسيس النواة الأولى للجبهة من أمثال حدا والد سيد أحمد، والصديق ولد البشير، وأحمد ليلي والد محمد لمين مستشار محمد عبد العزيز، والزروالي بريكة عم زكريا جمال ممثل بوليساريو بألمانيا وحسنا الدوية عم محفوظ علي بدية، وامحمد عمر ولد امبارك والد عمر منصور الممثل السابق لبوليساريو بمدريد. كما كان من نتائج "إيكوفيون" هروب أكثر من 40 ألف صحراوي نحو طانطان وكلميم، الذي سيصبحون في ما بعد موضوع خلاف بين المغرب والانفصاليين في ما يتعلق بإعداد لوائح الاستفتاء ، إذ كانت بوليساريو تتمسك دائما بإحصاء إسبانيا لسنة 1974 كأساس لمن له حق الإدلاء بصوت، وهو ما ظل يرفضه المغرب، على اعتبار أن عددا كبيرا من سكان الصحراء فروا من أراضيهم جراء التعذيب والإبادة، التي مورست في حقهم إبان وبعد عملية "إيكوفيون".ويجمع الناجون من جحيم "حرب المكنسة" أن موقف قادة فصائل جيش التحرير، التي اختارت الانضمام إلى القوات المسلحة الملكية، سيكلف المغرب كثيرا في مسار استرداد أقاليمه الجنوبية، وذلك في إشارة إلى المطالب المغربية المشروعة بتسجيل 120 ألف صحراوي سبق للاستعمار أن أبعدهم بمن فيهم زعيم الجبهة محمد عبد العزيز الذي عاش مع والديه وسط المغرب. ياسين قطيب

جيش التحرير … مهام لم تكتمل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الاستمرارية سر نجاح الكوكب

سجال حول الوداد والرجاء ينتهي بجريمة قتل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات