المقاومة المسلحة… صفحات مضيئة من تاريخ المغرب

فعاليات تطالب بالاهتمام بهذه الصفحة التاريخية الناصعة ومقاوم يستحضر تفاصيل معارك بطولية تحتاج إلى التوثيق في ثاني أكتوبر من كل سنة، يحتفل المغاربة بانطلاق عمليات جيش التحرير من شمال إقليم تازة ومرموشة في 1955 لتعم أشكال الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني، أرجاء مختلفة من استقلال المغرب. إنها مناسبة احتفالية للوقوف وقفة إجلال واحترام لمن كانوا وراء تحرير أراضي الوطن وإجلاء المستعمر الغاشم بالسلاح والنار في ملحمة وطنية من أجل الاستقلال والحرية، من شهداء المقاومة المسلحة. ذكرى انطلاق عمليات جيش التحرير قبل العودة المظفرة للمرحوم الملك محمد الخامس والأسرة الملكية وزفه خبر وبشرى فجر الحرية والاستقلال إلى شعبه الوفي، دأبت على تخليدها أسرة المقاومة في تازة، في جو احتفالي عادة ما يجمع بين الرمزية التاريخية وتقديم خدمات اجتماعية لأسرة المقاومة، في مناسبة تتوخى تحسيس الشباب الناشئ ببطولات أسلافه ممن ضحوا بحياتهم لأجل استقلال المغرب. برامج احتفالية بذكرى أحوج إلى اهتمام أكبر على غرار السنوات السابقة، خلدت أسرة المقاومة بتازة، الذكرى ببرنامج احتفالي خاص لم يخل من أرشفة حقيقية وتوثيق للذاكرة الوطنية، عبر الاشتغال على الصورة واستحضار الأشرطة التاريخية والأفلام الوثائقية ذات البعد التربوي والثقافي، في انتظار "انفتاح العمل التلفزيوني بالقدر والصبيب الأهم على هذه المساحة المهمة من تاريخ المغرب الغني بالوقائع والرمزيات والدروس والعبر، حتى يحتفظ الجميع بذاكرة تاريخنا وجغرافيته". فعاليات المدينة، بدت غاضبة من عدم استثمار تاريخنا الوطني في السينما، موازاة مع كل مناسبة نترحم فيها على أرواح شهداء التحرير وما انتهى إليه من تحرير وانعتاق للأرض والإنسان، على الأقل ترسيخا لقيم الاعتراف بجميلهم وما ضحوا به لأجل صناعة تاريخ مجيد، عوض الاكتفاء بالقيام بزيارات ميدانية عبر مدار خاص يشمل كل نقط "مثلث الموت" بتازة، الذي يعاني الإهمال، خاصة في أكنول وأجدير وتيزي وسلي وتاينست. تلك الفعاليات دعت إلى تنظيم يوم دراسي يجمع مسؤولي أجهزة المقاومة وممثلي السلطات والمجتمع المدني، لتقديم وجهات نظرها في هذه الصفحة الناصعة من تاريخنا، وتقديم الاقتراحات الضرورية لرد الجميل لمناطق وأشخاص صنعوا جزءا من مراحل استقلال المغرب، المحتاج إلى التوثيق في شريط وثائقي أو سينمائي يلخص درجة الاحترام لمنطقة وإقليم ووطن وزمن وتاريخ، يحتاج إلى "إرادة قوية بعيدا عن منطق الاحتفال من أجل الاحتفال".المقاومون المتبقون على قيد الحياة، يتوقون إلى ما أهو أكبر من الاحتفال برمزية هذه الذكرى والترحم على الشهداء، رغم استحسانهم لبناء المقر الجديد للمندوبية الجهوية للمقاومة الذي "يعتبر ثمرة شراكة وتعاون بينها والجماعة الحضرية الموفرة للعقار الحاوي لأجنحة قادرة على استضافة ندوات علمية وتواصلية، ومكتبة غنية بالمؤلفات والأبحاث المؤرخة للتاريخ الوطني لإقليم تازة وصفحاته الناصعة والمجيدة"، في انتظار التفاتة بحجم أكبر وأوسع. المهتمون بهذا الصفحة التاريخية، دعوا إلى حفظ الذاكرة بعد النزيف الذي طال المقاومين بوفاتهم أو استحضار أسمائهم للتذكر، وإغناء المتحف الإقليمي الخاص بالذاكرة الوطنية بما "ما زال يوجد لدى رجال المقاومة وأسرهم، من وثائق ومعدات قتال وتحف تستحق أن تشكل مادة للعرض بقيمة رمزية مضافة، مع التفكير في جمع معدات ثقيلة اعتمدتها المقاومة أو حصلت عليها غنائم من القوات الفرنسية وغيرها من أشياء توجد في الخلاء تذوب في صمت بفعل التعرية والخراب". صفحات ناصعة من تاريخ لن ينسى يعتبر إقليم تازة والمناطق المجاورة، مواقع حابلة بأحداث تاريخية مؤرخة لانطلاق عمليات جيش التحرير وارتبطت بسنوات مقاومة بطولية حرجة سبقت استقلال المغرب، تستحق التفقد والرعاية والاهتمام الرسمي، خاصة ما يسمى "مثلث الموت" بمواقعه المذكورة سلفا وقبيلة البرانس الشاهدة بدورها على صفحات بطولة من تاريخ زمن الحماية، ومن قبيلة كزناية وكل موقع انطلقت منه شرارة وغضب عمليات جيش التحرير في 2 أكتوبر 1955. يتذكر المقاوم التاوناتي علي الكدار، صفحات مشرقة من مشاركاته في تلك العمليات، خاصة منها بإقليم تاونات على أبواب عيد الأضحى قبل أيام من عودة المرحوم محمد الخامس وأسرته من المنفى، مما لم تذكره كتب التاريخ وظل عالقا بذاكرته، خاصة معارك بطهر السوق وبني وليد وعين مديونة وفاس وتاونات، التي ضمنها في كتاب بخط يده مكتوب بدارجة غير مفهومة توصلت الصباح بنسخة منه. لما جمع ضباط الاستعمار بعض أعيان وشيوخ المنطقة للتنقل إلى الرباط لمبايعة ابن عرفة بمسجد أهل فاس على متن شاحنات وحافلات، كان "المقاومون لهم بالمرصاد"، مستحضرا كيفية إبطال هذا المخطط، من قبل المقاوم علال بن عبد الله، قبل إعلان العصيان، مذكرا ببعض رموز الحركة الوطنية من قبيل محمد القاسم التوزاني ونبيل لحلو وعلال الفاسي وعبد الخالق الطريس وعبد الكريم الخطيب وغيرهم.هذا الرجل الذي سجن ستة أشهر مع الأعمال الشاقة، حمل السلاح في وجه العدو الفرنسي، وأضرم النار في ممتلكات المستعمر والخونة، على خطى والده المرحوم أحمد الكدار قائد الخمسين تحت إمارة محمد بن عبد الكريم الخطابي، أكد أنه كان شخصيا يكتب الرسائل إلى والده، بما يجري بالوطن من بطش الاستعمار، قبل عودته من الحج وتعرضه إلى شتى أنواع التعذيب من قبل سلطة الحماية، مشيرا إلى أحداث رافقت عودة عباس المسعدي من القاهرة.وقال إن مقهى بتارجيست تشهد على انطلاق "العمل الثوري" والتقاء رموز الوطنية وبحثهم عن السلاح لمقاومة المستعمر في الجبال صعبة المسالك والوديان العميقة التي تحصن بها وزملاؤه قبل وصول باخرة "دينا" من مصر إلى ميناء رأس الماء كبدانة شرق الناظور، محملة بالأسلحة وإفراغها من لدن الكولونيل عباس المسعدي ليلا كي لا ينكشف الأمر للسلطات الاستعمارية، قبل نقل السلاح إلى ملوية وجبال مرموشة ببولمان ومراكز تطوان وتارجيست والقلاع المجاهدة بتازة. شهــادة عـلي الكـــدار... يتذكر علي الكدار كيف انطلقت عمليات جيش التحرير في فاتح أكتوبر 1955، مستهدفة مراكز الفرنسيين ومقرات سكنهم في إيموزار مرموشة. حينها انخرط في تلك العمليات إلى جانب المسعدي والمقاومين من فاس، وفي دائرة ورغة العليا الشمالية إلى الناظور والريف وتاونات، إذ تكفل بإيصال السلاح والرصاص والقنابل، قبل مشاركته في عدة معارك تحت إشراف أبي عبيدة وبونافع وطارق بنبوزيد، همت قطع أسلاك الهاتف والأعمدة، وتخريب القناطر والطرق وإضرام النار في دور المعمرين.قاد الرجل أول هجوم على الثكنة العسكرية الاستعمارية بأكنول مرتين، وشارك في ثلاثة هجومات على مركز بورد وأربع عمليات على تيزي وسلي، إضافة إلى حضوره الوازن في خمس عمليات مماثلة على سيدي بوذنيب، ما خلف خسائر مادية ثقيلة في عتاد وتجهيزات وممتلكات المستعمر، مستحضرا مشهدا لم ينسه عن جندي فرنسي، وهو يحتضر بعد إصابته في رجله وكتفه، معلنا استسلامه لبسالة مقاومين لقنوا درسا في الوطنية والتشبث بالأرض والإنسان.حينها اختلف المقاومون حول كيفية التخلص منه، قبل أن يبادر أحدهم بضربه بحجر على رأسه أدى إلى وفاته في معركة "كدية الشوك بلوطة"، محاولا إحصاء عدد الجنود الذين كان سببا في وفاتهم في أجدير وعين عشبور وجبل الأقرع وسكورة وباب بوخفيف وكدية تاوف وبني وليد وثكنتها العسكرية وظهر السوق وبورد و"رأس الدار" وجبلي بوسبايع والرزنية وأولاد أيوب ببوهودة وباب فرجلة وكدية العروسة، في معارك بطولية يفتخر بالمشاركة فيها.كل تلك المعارك وغيرها ما كان لها أن تنجح لولا الخطة المحكمة التي وضعها المقاومون، بعد تدفق الأسلحة عبر ميناء رأس كبدانة بالناظور التي "كانت قلاعا للمجاهدين لتزويدهم بالأسلحة المجلوبة من مليلية، قبل أن تتوسع رقعة المعارك التي عرفتها منطقة الريف وإقليم تازة والحسيمة وتاونات، لتشمل مناطق أخرى شهدت اشتباكات مع القوات الاستعمارية لقطع الطريق عليها وتكبيدها الخسائر في العتاد.هذه الشهادة المؤرخة لجوانب من المقاومة المسلحة للمستعمر، ما زالت عالقة بذاكرة مقاوم وتحتاج إلى اهتمام رسمي وتأريخ بالصوت والصورة، على الأقل لجعلها مفخرة لأشبال الغد من أبناء هذا الوطن الذي ضحى أبناؤه طيلة سنوات الخمسينات وقبلها، بالغالي والنفيس لأجل استقلاله وكرامة أبنائه التي تعرضت إلى التدنيس من قبل مستعمر نهب الثروات وأجهز على أصالة شعب رفض الاستسلام. حميد الأبيض (فاس)

المقاومة المسلحة… صفحات مضيئة من تاريخ المغرب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الاستمرارية سر نجاح الكوكب

سجال حول الوداد والرجاء ينتهي بجريمة قتل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات