جيش التحرير كان فكرة الشهيد الزرقطوني

المقاوم الحسين برادة يكشف في حوار مع الصباح ملابسات التأسيس وتفاصيل الحل قال المقاوم الحسين برادة إن فكرة تأسيس جيش التحرير راودت عناصر المقاومة السرية المسلحة بالدار البيضاء على رأسهم الشهيد محمد الزرقطوني، وتم تنفيذ الفكرة وإخراجها إلى الوجود أشهرا قليلة قبيل الاستقلال الذي اعتبره برادة نتيجة حتمية للعمليات التي قامت بها عناصر المقاومة وأعضاء جيش التحرير. كما تحدث أحد مؤسسي جيش التحرير بالشمال، وعن الظروف والملابسات التي تأسس فيها جيش التحرير والكيفية التي تم بها ضمه إلى الجيش الملكي بعد الاستقلال، ثم انتقال عمليات إلى الجنوب وأشياء أخرى. في ما يلي نص الحوار: هل يمكن أن تحدثنا عن ظروف وملابسات تأسيس جيش التحرير بالشمال وما هي طبيعة العمليات التي نفذها ضد المستعمر؟ مما لا يخفى على الجميع أن فكرة تأسيس جيش التحرير، انبثقت لدى العناصر المؤسسة للخلية الأولى للمقاومة المسلحة السرية بالدار البيضاء، خاصة الشهيد محمد الزرقطوني الذي كثيرا ما طرح هذه الفكرة وكان يمنّي النفس بتحقيقها وفعلا شرع في ربط الاتصالات مع مجموعة من الأطراف التي يمكن أن تساعد في بلورة هذه الفكرة، قبل أن تمتد إليه يد المنون في الظروف التي يعرفها الجميع أي لحظة استشهاده يوم 18 يونيو 1954، فاضطر رفاقه إلى الاختفاء عن الأنظار بالمنطقة الشمالية كما ظلت فكرة "جيش التحرير" متداولة بينهم إلى أن تم الاتصال بالإخوة الجزائريين فبدأ التنسيق لتنفيذ الفكرة عن طريق "جلب السلاح" عبر دفعات، وكذلك ربط الاتصال مع أطراف أخرى لإحداث مراكز للجيش بالشمال. (مقاطعا) لماذا وقع الاختيار على منطقة الشمال في البداية؟ أولا بحكم أن معظم المؤسسين الذين ينتمون إلى الخلية السرية للمقاومة المسلحة فروا إلى الشمال بعد استشهاد الزرقطوني، وثانيا لأن هذه المنطقة التي كانت تسمى "الخليفية" وخاضعة للاستعمار الإسباني، أتاحت لهم التحرك بحرية للتنسيق في ما بينهم، ومع الإخوة الجزائريين وعلى رأسهم الراحل محمد بوضياف، فتم الاتفاق على جلب السلاح على متن باخرة باسم "دينا" على أساس أن يتم اقتسام حمولتها من السلاح بثلثين للجزائريين وثلث للمغاربة، وهو الذي مكّن من تأسيس النواة الأولى لجيش التحرير بالشمال. الذي أقول بالمناسبة إنه السبب المباشر لاستقلال المغرب وليس عن طريق مفاوضات "إيكس ليبان". كم استغرقت عمليات "جيش التحرير"؟استغرق الإعداد لها حوالي تسعة أشهر، وبدأت الانطلاقة الحقيقية لعمليات جيش التحرير شهر أكتوبر 1955، خاصة بعد توافد باخرتين أخريين هما "النصر" و"آطوس" على أساس أن التنسيق مع الإخوة الجزائريين ينص على تحرير "المغرب العربي الكبير" وهو ما تضمنه أول منشور لجيش التحرير. لكن كيف تم نقل عمليات جيش التحرير من شمال المغرب إلى جنوبه؟ كان ذلك نتيجة مؤامرة سياسية، مباشرة بعد الاستقلال، ذهب أولا ضحيتها عباس المساعدي، كما اتخذ القرار بضم جيش التحرير إلى الجيش الملكي وهي فكرة اقترحها الملك محمد الخامس والدكتور عبد الكريم الخطيب وتقضي بتأسيس جيش للتحرير خاص بمنطقة الجنوب، يضم أيضا عناصر من جيش التحرير بالشمال وهم الذين شكلوا نواة الجيش الثاني. ما علاقة قضية عباس المساعدي بالموضوع؟ بعد اختفاء عباس المساعدي، علم الجميع بذلك، فاستدعانا ولي العهد الحسن الثاني، وذهبنا إليه بالرباط رفقة الفقيه البصري وسعيد بونعيلات ومحمد الفكيكي، فاجتمعنا بمكتب ولي العهد بباب القيادة العليا بالمشور السعيد، فأخبرنا أنه مبعوث من طرف الملك محمد الخامس ليعرض علينا ضم جيش التحرير إلى الجيش الملكي لأنه لا يُعقل، بحسبه، بعد استقلال المغرب أن تكون هناك دولة داخل الدولة وجيش ثاني إلى جانب الجيش الرسمي، فوافقنا على المقترح واستمهلنا سموه بعض الوقت ليخبر والده بقرار موافقتنا ثم عاد إلينا بعد حوالي نصف ساعة رفقة الكمندار إدريس بنعمر والقبطان النميشي والقبطان الغرباوي (كان حارسا شخصيا لمحمد الخامس)، فأصدر الأمير الحسن الثاني أوامره لكل من إدريس بنعمر والنميشي للذهاب إلى فاس، ثم سألني عن الدكتور الخطيب فأخبرته أنه موجود بالقاهرة فكلفني الاتصال به واستقدامه لكي نلحق به بفاس ب"دار السلاح".وفعلا حلّ الخطيب بعد اتصالي به إذ عثرت عليه في مدريد، بعد أن سألت عنه، وفي اليوم الموالي قدم إلى الرباط، والتقينا بمنزل المحجوب أحرضان، قبل أن نتوجه إلى فاس، ثم إلى تاونات حيث أقام الأمير الحسن الثاني مركزا قياديا له، فتوجهنا، أنا والدكتور الخطيب هناك إلى المنطقة التي يتحدر منها محمد كريم حجاج، وهو أحد قادة جيش التحرير، فلم نجده هناك وإنما وجدنا نائبه محمد الغزالي ومساعدين آخرين، فألقى فيهم الدكتور الخطيب كلمة أبلغهم فيها تعليمات الملك محمد الخامس بانضمامهم إلى صفوف جيش التحرير، وفي طريق عودتنا بلغنا خبر إلقاء القبض على متهمين بقتل عباس المساعدي وهما امبارك المرزوقي وأحمد منير بن بوشعيب، اللذين اعترفا بعد استنطاقهما وتعذيب أحدهما بمكان جثة المساعدي، الذي نقلناه إلى فاس حيث أعيد دفنه.كما واصل ولي العهد تحركاته في يونيو 1956 بالمناطق الريفية حيث تتمركز قوات وفيالق جيش التحرير، ووجه هناك خطابا أصدر فيه أوامره بالاندماج في الجيش الملكي، ولاقت تعليماته الاستجابة المطلوبة وكان ذلك بحضور الدكتور عبد الكريم الخطيب وإدريس المحمدي وعبد ربه، ولدى وصولنا إلى الناظور وجدنا المقاوم عبد الله الصنهاجي في انتظارنا، فقدمت فرقة من جيش التحرير التحية لولي العهد، فأصدر تعليماته إلى كل الفرق للالتحاق بالرباط من أجل الالتحاق بالجيش الملكي، وهكذا بدأت جموع المسؤولين على فرق جيش التحرير تتوافد على الرباط فوضعت الترتيبات لاستقبالهم وإدماجهم بصفوف الجيش الملكي بالقوات الاحتياطية والأمن الوطني وأسلاك وزارة الداخلية وإدارة السجون والمياه والغابات والجمارك. كيف جاء نقل نشاط جيش التحرير من الشمال إلى الجنوب؟ جاء ذلك بعد التحاقه بالجيش الملكي وإحداث ما سمي "جيش تحرير الجنوب" وأنا أقول عن هذا الجيش إنه كان جيشا نظاميا لأنه كان يتلقى تمويلا رسميا من الدولة، إذ كان ضباط الجيش الملكي هم من يتولون تدريب الملتحقين بجيش تحرير الجنوب، وليس كما كان الأمر بالنسبة إلى جيش التحرير بالشمال. إذن ما هي العلاقة بين جيش تحرير الشمال ونظيره بالجنوب؟كانت علاقة اسمية فقط، كما أن القيادة التي كانت تشرف على جيش تحرير الجنوب، ضمت عنصرين فقط من الجيش الأول وهما حسن صفي الدين وسعيد بونعيلات التابعان للقيادة بالدار البيضاء والتي كانت تعدّ لعمليات الجنوب، التي انطلقت من سيدي إفني وآيت باعمران ابتداء من 1957 إلى 1959. لكن ما دامت عمليات جيش تحرير الجنوب كانت ناجحة لماذا اتخذ القرار بتوقيفها؟كانت بفعل ضغط القوات الفرنسية والإسبانية التي وجدت نفسها مضطرة إلى التفاوض من جديد، بعد العمليات الناجحة لجيش التحرير بصيغته الثانية، والذي كان يروم تحرير الصحراء المغربية الممتدة إلى حدود "تومبوكتو"، كما كان مرسوما لها، لكن الحلم أجهض لأسباب سياسية محضة. هل كانت هناك إمكانية لتفادي حل جيش تحرير الجنوب؟لا أعتقد، فالضغط السياسي الخارجي على المغربي، مضافا إليه الضغط الداخلي خاصة على مستوى وزارة الخارجية التي كان يشرف عليها أحمد بلافريج، جعلا المفاوضات لا تسير في صالح المغرب، كما لم يتم إشراك قادة جيش التحرير في المفاوضات، إذ أشرف عليها "السياسيون"، وكانت النتيجة أننا فقدنا موريتانيا وجزءا من صحرائنا. هل يمكن أن تحدد لنا، من موقعك شاهدا على تلك المرحلة طبيعة الأخطاء التاريخية التي ارتكبت؟هناك أولا موافقة جيش تحرير الجنوب على تسييره من قبل الجيش المنظم، والمسألة الثانية أنه لو كانت لهذا الجيش سلطة القرار الحقيقية لكان على رأس المفاوضين في قضية وقف العمليات التي باشرها بالجنوب. ضم جيش التحرير إلى الجيش الملكي لكن هناك من يقول إن فكرة ضم جيش التحرير إلى الجيش الملكي كانت جزءا من الاتفاقات التي تم تسطيرها في مفاوضات "إيكس ليبان"؟ لا هذا غير صحيح، لأن هذه المفاوضات انطلقت أشهرا قبل انطلاق عمليات جيش التحرير الذي كان حينها في طور التأسيس، وفعلا اشترطت فيها فرنسا أن تتمتع الأحزاب المتفاوضة معها بثقة حركة المقاومة وجيش التحرير، وهذا ما جعل الراحل المهدي بنبركة يلتحق بالمنطقة الشمالية بتطوان، ويقضي معنا ساعات طويلة لإقناعنا بالتنسيق معه، قبل مفاوضات "إيكس ليبان"، فتمسكنا بموقفنا المرتكز على شرطين أساسيين هما عودة الملك الشرعي محمد بن يوسف واستقلال البلاد، وأننا لسنا على استعداد لتفويض حزب الاستقلال حق الحديث باسم المقاومين، كما أنه إذا قبلت فرنسا بشرطينا، فنحن على استعداد لوقف عمليات المقاومة، فعاد بنبركة دون أن يبلغ مراده، فبقوا هم في مفاوضاتهم، وبقينا نحن في عملياتنا إلى حين استقلال البلاد. أجرى الحوار: عزيز المجدوب

جيش التحرير كان فكرة الشهيد الزرقطوني

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الاستمرارية سر نجاح الكوكب

سجال حول الوداد والرجاء ينتهي بجريمة قتل

مقالات ذات صلة