سجن بوركايز بفاس على صفيح ساخن

سلفيون أضربوا عن الطعام وسجناء الحق العام اتهموا المدير ورئيس المعقل بتلقي رشاو والإدارة تنفي بحثا عن حقيقة الغليان الذي عاشه سجن بوركايز ضواحي فاس، استغلت «الصباح» فرصة توزيع معدات وشيكات على سجناء مفرج عنهم بعد ساعات من احتجاج عائلات السلفيين، لتنبش في موضوع أسال مدادا كثيرا ولعاب المتلصصين لاكتشاف أوضاع زنازين ونزلاء محشورين فيها، تبقى بعيدة عن أعين الرأي العام ومكوناته التي سارعت إلى طلب التحقيق في هذا الغليان. سجناء الحق العام اتهموا الإدارة وموظفين، بتلقي رشاو شهرية من سجناء ذكروهم بأسمائهم والمبالغ المستلمة، والسلفيون امتعضوا من الحجز على أوانيهم وتعنيفهم وترحيلهم، ولجنة الدفاع عنهم استعملت لغة غليظة في بياناتها. أما الإدارة فاستغلت النفي، سلاحا لرد كل الاتهامات، لتضيع حقيقة الأوضاع بالمؤسسة، ما بين هذه المواقف والآراء المتضاربة. الطريق إلى سجن بوركايزالساعة تشير إلى الرابعة عصر الجمعة الماضي.. حركة غير عادية أمام السجن المحلي بوركايز ضواحي فاس.. عناصر الدرك وحراس مرابطون في بوابته الرئيسية حيث اصطفت سيارات مسؤولين في السلطة والقضاء والأمن، بعد 4 ساعات من وقفة احتجاجية لأسر معتقلين إسلاميين استجابوا لنداء "اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين"، للتضامن مع زملائهم المعتقلين.لم تنفع طرقات خفيفة في فتح باب السجن الكبير والموصد، قبل تكرار العملية بدقات أكبر كانت كافية كي تشرع الباب في وجه الزوار الثلاثة. التأكد من الهوية، إجراء روتيني ضروري، اجتازه هؤلاء الزوار بعد إجراء حراس الأمن الخارجي للمؤسسة، اتصالاتهم الضرورية، التي فتحت في وجههم فرصة الدخول إلى سجن أثير حوله الكثير من الكلام، بعد عصيان بعض نزلائه.المرور عبر الأبواب الداخلية، مشروط بمرافقة حارس أمن خاص، إلى حيث يوجد الوفد الرسمي المشرف على توزيع شيكات ومساعدات على نزلاء سابقين لهذه المؤسسة في إطار مبادرة حسنة أطلقتها مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، بعد مبادرة أولى أشرف عليها سابقا، جلالة الملك محمد السادس في مركز المصاحبة وإعادة الإدماج بحي الدكارات بالمدينة ذاتها. من الساحة الخارجية بين أسوار السجن الشامخة، إلى مركز التكوين، مسافة قصيرة، لكن عبورها ليس بالأمر السهل. كل الأبواب انفتحت بأوامر، في وجه الزوار المرحب بهم، قبل الوصول إلى الساحة المخصصة لمختلف الرياضات المفتوحة في وجه النزلاء ممن لم يظهر لهم أثر إلا بعد الدخول إلى حيث أقسام التكوين المهني المفتخر بتخريج عشرات السجناء منها.طيلة المسافة وقبلها على طول الطريق بين فاس والزليليك حيث يوجد هذا السجن، لم يدر في خلد الزوار، إلا ذكرى وقفة احتجاجية لأسر وعائلات معتقلي السلفية الذين خلقوا الحدث ب"انتفاضتهم ضد الترحيل والتعذيب وضرب المكتسبات والفساد"، الاتهامات التي نفتها الإدارة جملة وتفصيلا، مبررة ترحيل بعض النزلاء بتحريضهم زملائهم على العصيان والاحتجاج. وقفتان ولجنة غاضبة من الترحيلظهر الجمعة الماضي، كانت بوابة هذا السجن، على موعد مع وقفة احتجاجية لأسر معتقلي السلفية، ضدا على ما يعيشونه داخله من "تعسفات تخالف الشعارات التي جاء بها أدعياء العهد الجديد ومغرب الكرامة" بلغة بيان اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، الداعية إلى هذه الوقفة وأخرى مماثلة نظمتها أمام مسجد الزليليك غير بعيد عن الموقع. بعد أن سردت مسارات مغضوب عليها عرفتها إدارة السجون خاصة على عهد مديرها حفيظ بنهاشم المقال عقب فضيحة الإفراج عن إسباني متهم باغتصاب عدة أطفال، بلغة غليظة جدا، تحدثت اللجنة المذكورة، في بيانها عن الوقفتين، عن تجريد معتقلي السلفية الجهادية، من كافة الحقوق المكتسبة وترحيل مجموعة منهم إلى سجون نائية عن أهاليهم القاطنين بفاس ونواحيها. من هذا السجن، رحل النزيل محمد التاقي إلى سجن خريبكة، ومصطفى بنعمارة إلى سجن الأوداية بمراكش، وعبد الوهاب الحمامي إلى سجن ببني ملال، وعبد اللطيف الصالحي إلى سجن عين عائشة الموجود بإقليم تاونات خارج فاس، ومراد لمنور إلى سجن "العاذر" بالجديدة، و"وضعوا جميعا في زنازين للحق العام في ظروف جد سيئة" حسب اللجنة. وقالت إن محمد بن جيلالي المعتقل الإسلام المريض والمقعد البالغ من العمر 62 سنة، رحل بدوره سجن تولال 2 بمكناس إذ "وضع في زنزانة مليئة بمعتقلي الحق العام حيث الضجيج والروائح الكريهة، إضافة إلى تركه دون أي رعاية طبية، رغم دقة وضعه الصحي وعدم استطاعته تحريك أي جزء من جسده إلى درجة أصبح يقضي حاجته في ملابسه.هذا السجين يعاني أمراض مزمنة من قبيل داء السكري وضغط الدم والكوليسترول إضافة إلى معاناته مع شلل نصفي يجعله حبيس الكرسي المتحرك طيلة اليوم، فيما لم تستسغ اللجنة ترحيله ووضع كل المعتقلين الإسلاميين المتبقين بسجن بوركايز، في زنازين خاصة بهم مع إدخال معتقلي الحق العام إلى زنازين أخرى فارغة في الحي نفسه، الموجود فيه السلفيون. إضراب بسبب الحرمان من الفسحة موازاة مع وقفتي فرع فاس للجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين بباحة سجن بوركايز ومسجد حي الزليليك، خاض معتقلو السلفية في هذا السجن، إضرابا إنذاريا عن الطعام لـ24 ساعة، مرفوقا بالامتناع عن الفسحة والزيارة، ضدا على ما أسموه "الحملة الممنهجة والهمجية التي يتعرض لها سجناء السلفية الجهادية بسجن بوركايز ضواحي فاس".النزلاء السلفيون بدوا غاضبين من الحرمان من الفسحة والاستحمام والماء الساخن والتضييق في الزيارة ومعاناتهم من إهانة الزوار، فيما قالت اللجنة إنهم جردوا من بعض الأواني المسموح بها، و"الزيارة الخاصة أصبحت مختلطة مع الحق العام" و"تم إغلاق الفسحة الكبيرة التي تتوفر على ملعب، وأصبح لا يسمح بفتحها إلا مرة واحدة في الأسبوع".ونظرا لـ"تضاعف عدد المعتقلين وضيق الفسحة الصغيرة، فقد أصبح هناك ازدحام وضجيج شديدان" حسب بيان اللجنة المتحدث عن "منع العديد من المواد الغذائية التي كان مسموحا بدخولها"، والمطالب بإرجاع المعتقلين السلفيين المبعدين عن أهاليهم، وتقريبهم من عائلاتهم وإيقاف حملات التضييق والاستفزازات ضدهم، وتمتيعهم بكل حقوقهم في السجن في انتظار تسريحهم". إدارة السجن ترفض التشويش وتحترم القانون "لا نريد التشويش، ونحترم حقوق الإنسان، ونحافظ على كرامة السجين. ونعمل تحت مظلة القانون الذي نحن أول من يخاف منه".. ذاك ما أفصح عنه محمد البوشبتي، مدير سجن بوركايز، في رده على سؤال لجريدة "الصباح" حول الغليان غير المسبوق الذي تعيشه هذه المؤسسة، نافيا وجود أي حالة للإضراب عن الطعام، باستثناء خطوة السلفيين في هذا اليوم. وتحدث عن 13 سجينا رحلوا إلى سجون أخرى، لمحاولتهم تحريض زملائهم على الاحتجاج والعصيان، مشيرا إلى وجود شريحة من النزلاء «في حالة عود، ولا فرصة ممكنة لإصلاحهم»، ناكرا كل الاتهامات المنسوبة إلى موظفيه، ومؤكدا خضوع المؤسسة لعمليات تفتيش دورية ومنتظمة من قبل اللجنة الإقليمية المختلطة، التي دأبت على زيارته وتفقد أحوال سجنائه. المدير يشدد على محاربة تسريب المخدراتزيارة "الصباح" لهذه المؤسسة السجنية، تمت بعد يوم من زيارة قاضي تطبيق العقوبات التفقدية لأحوال النزلاء، بمن فيهم الموضوعون بزنازين التأديب، وفي اليوم ذاته لضبط امرأة بصدد تهريب كمية من "النيبرو" وبطاقة هاتف في حذاء ابنها الصغير، ما انطلق منه مدير السجن لسرد مجموعة من التدابير للحيلولة دون تدفق الممنوعات إليه، بما فيها تغطية الساحة وتشديد الحراسة.وإن كان المدير لا ينكر وجود بعض الموظفين من منعدمي الضمير الذين يمكن أن يتورطوا في تسريب تلك الممنوعات، فقد شدد على محاربة كل أشكال وطرق تهريب المخدرات إلى الداخل وبطرق يبدعها أقارب السجناء، مشيرا إلى جعل حي الرشاد "بدون تدخين"، بعد تجميع السلفيين والطلبة والمسنين وغير المدخنين فيه، والقيام بحملات تحسيسية في صفوف النزلاء. تقرير سجناء يتهم المسؤولين بالارتشاءوعكس ما أوردته الإدارة، توصلت الجريدة بتقرير من بعض سجناء الحق العام ببوركايز، عنونوه بـ"سجن بوركايز بقرة يشرب من حليبها المدير ورئيس المعقل"، سردوا فيه معطيات خطيرة ودقيقة عن مبالغ مالية زعموا تلقي المسؤولين لها شهريا، عبر وسيط ذكروه بالاسم، كما السجناء المحظوظين الذين زعموا تسليمهم تلك الإتاوات إليهما، مع ذكر أرقامهم الهاتفية.هؤلاء السجناء الذين لم يوقعوا تقريرهم، قالوا إنهم ضاقوا ذرعا من سياسة المدير "نرى ونسمع كل أنواع الخروقات، ولا نتكلم"، لكن "أن يبلغ اضطهادنا إلى هذا الحد، فهو أمر لن نقبله"، خاصة أن المسؤولين المذكورين وبعض الموظفين "يشنون حربا ضدنا وكأننا لسنا مغاربة"، لكن كل تلك الادعاءات نفاها المدير الذي اعتبرها رد فعل من سجناء ميؤوس من إصلاحهم. ومبرر الإدارة في نفي المنسوب إليها، تقارير اللجن التي زارت المؤسسة بمن فيها لجنة التصنيف، متحدثة عن توزيعها على النزلاء، دليل إرشاد يخص واجباتهم وحقوقهم، موازاة مع تثبيت لافتة تحسيسية، ووضع طبيبة نفسانية رهن إشارتهم، وتوزيع 140 بذلة رياضية على المعتقلين الأحداث والفقراء من النزلاء، ووضع برامج خاصة للتكوين المهني وإعادة الإدماج. إعانات سجناء حاملي مشاريع حالة الغليان التي عرفها السجن، أعقبت إضرابات جماعية عن الطعام نفتها الإدارة وادعى سجناء خوضها ضد السلوكات الحاطة من كرامتهم والدوس على حقوقهم المكتسبة، مطالبين برأس المدير ورئيس المعقل، ورحيلهما عن المؤسسة، متحدثين عن قطع سجين شريان يده محاولا الانتحار، قبل نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، وتعرضه إلى الضغط لتوقيع تنازل منه.تقارير إعلامية أكدت إيداع عدة نزلاء عراة في الزنازين الانفرادية (الكاشو) لإرغامهم على فك إضرابهم عن الطعام، وتعرض آخرين إلى الضرب والتعنيف، لإجهاض إضرابهم قبل تنقيل بعضهم لسجون أخرى، و"التأثير على الأبحاث التي تباشرها النيابة العامة في الموضوع"، ما قابلته الإدارة بالنفي كما الإضراب عن الطعام، الذي زعم السجناء خوضه جماعة.وأمام هذا التضارب وبعد ساعات قليلة من احتجاج السلفيين، حضر وفد رسمي ترأسه محمد الدردوري، والي فاس ومنسق مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، محارف التكوين المهني بالسجن، وأشرفا على توزيع مواد ومعدات وآليات وشيكات على 28 سجينا سابقا مفرج عنهم، من حاملي المشاريع في مختلف المهن التي تلقوا تكوينات فيها خلال مدة اعتقالهم.تلك المشاريع المدرة للدخل التي استفاد منها السجناء المفرج عنهم بعد إنهائهم العقوبات الحبسية المحكومين بها وحصولهم على ديبلومات في التكوين المهني بالمؤسسة، ممن استفاد 5 منهم من دراجات نارية وهوائية تسهل تنقلهم، تهم الكهرباء والتلحيم والبناء والحلاقة والخياطة التقليدية وبيع المواد الغذائية والترصيص الصحي ونجارة الألمنيوم وتموين الحفلات ومقهى.وعاين الوفد الرسمي الذي تناوب أعضاؤه على تسليم المستفيدين تلك المعدات والشيكات، محارف خاصة بمركز التكوين المهني المفتوحة في وجه نزلاء المؤسسة، وتخص 10 شعب تتعلق بالحلاقة والترصيص الصحي والكهرباء والبناء والإعلاميات والنجارة الخشبية والنقش على الخشب والزليج البلدي والجبص والخياطة التقليدية والمصنوعات الجلدية ومهن أخرى. برامج مكثفة لإعادة إدماج السجناء استفاد نحو 60 سجينا سابقا بفاس، من مثل هذه الإعانات التي تأتي في إطار الرعاية اللاحقة التي يشرف عليها المركز المختص، كلهم من حاملي المشاريع المدرة للدخل، لمساعدتهم على حل مشاكلهم الاجتماعية ما بعد الإفراج عنهم، في إطار مبادرات مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء التي أطلقتها قبل أكثر من عقد، لتمكين السجناء من اكتساب مهارات وكفاءات.وتحدث مسؤول عن التكوين المهني في سجن بوركايز، عن استفادة 240 سجينا كل سنة من تكوينات خاصة في مختلف الحرف والمهن، مشيرا إلى فتح قاعتين لمحاربة الأمية في وجه غير المتمدرسين، مشيرا إلى أن 160 سجينا مسجلون في مختلف الكليات بجامعة المدينة، منوها بالنتائج التي حققوها وزملاؤهم الذين تقدموا السنة الماضية لاجتياز امتحانات الباكلوريا.وأشار إلى حصول 16 سجين بهذه المؤسسة السجنية التي تأوي 1400 نزيل، على هذه الشهادة من أصل 18 تقدموا لاجتياز امتحاناتها، متحدثا عن حصول سجين على 16 على 20 خلالها، ووجود برامج وأنشطة خاصة توجه إلى السجناء وينظم بعضها بتنسيق مع فعاليات مدنية من خارج المؤسسة، بما فيها دوري لكرة القدم المصغرة جار تنظيمه بين نزلاء مختلف الأحياء. وقال منسق مراكز الرعاية اللاحقة، في تصريحات صحافية على هامش هذا الحفل، إن عملية إعادة الإدماج أضحت تحقق للمفرج عنهم كل الظروف التي تشعرهم بمواطنتهم الكاملة، بالنظر إلى أهمية تلك المراكز في تمتين الروابط مع المشغلين والأسر والسلطات ومكونات المجتمع المدني، لتسهيل إدماجهم في المجتمع ومصاحبتهم ما بعد الإفراج عنهم ومغادرتهم السجن. وفي انتظار تعميم مثل هذه المبادرات التي لا تخفى أهميتها، تضيع حقيقة ما يعيشه هذا السجن من غليان، بين ادعاء النزلاء ونفي الإدارة، بعدما انتهت زيارة خاطفة لوفد وإعلاميين لم يعاينوا من أوضاع المؤسسة غير مجريات الحفل بعيدا عن زنازين وحدهم نزلاؤها والموظفون يعلمون حقيقية ما يجري ويدور فيها، من وقائع تبقى بعيدة عن الأعين المتلصصة. إنجاز:حميد الأبيض (فاس)

سجن بوركايز بفاس على صفيح ساخن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

روس يقدم نتائج جولته أمام اللجنة الرابعة

دراسة في القانون: المحاماة في ميثاق إصلاح منظومة العدالة (2/2)

مقالات ذات صلة