الوجدان الإسلامي المحافظ في أزمة

عصيد قال إن المنظور الديني لطالبان مخالف للطبيعة الإنسانية قال الباحث أحمد عصيد إن الطريقة التي تطبق بها طالبان الشريعة تقتضي إقامة نظام قهري تسلطي يعتمد على ضبط سلوك الأفراد وخنق حرياتهم، وأضاف الناشط الحقوقي والعلماني أن المنظور الديني لطالبان لا يتلاءم مع العصر ومخالف للطبيعة الإنسانية، وكشف عصيد أن الشك بدأ يتسرب إلى الوجدان الإسلامي المحافظ بعد مسلسل الخيبات، في جدوى إقامة الشريعة واسترداد الخلافة، كما تحدث عن انتقال التخوف من الإسلام السياسي من غير المسلمين إلى المسلمين أنفسهم وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي. أجرى الحوار: عزيز المجدوب > كيف يمكن قراءة مشاهد لأفغان، بينهم مسلمون، وهم يحاولون الفرار من أفغانستان بعد استيلاء طالبان عليها مجددا، رغم أنها تحمل شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، ما الذي جعلهم يخافون بذلك الشكل؟ > هو خوف طبيعي يعود إلى أسلوب الغلظة والتعسير الذي اتبعه الطالبان خلال المرحلة الفاصلة بين 1996 و 2001، إذ اعتبروا أن تطبيق الشريعة يقتضي إقامة نظام قهري تسلطي يعتمد على ضبط سلوك الأفراد وخنق حرياتهم، وكذا على مشاهد الرعب اليومي المتمثلة في إقامة الحدود والعقوبات الجسدية أمام الجمهور في الساحة العمومية مثل بتر الأعضاء والرجم والجلد وغيرها من العقوبات الوحشية، ولهذا يفضل كثير من أبناء الشعب الأفغاني الهروب للحفاظ على حرياتهم وسلامتهم الجسدية. من جانب آخر يعود هذا الهروب الكبير إلى ما تعود عليه الأفغان طوال 20 سنة الماضية من الوجود الأمريكي والتي تميزت باليسر والانفتاح، ما جعلهم مرعوبين من العودة إلى الوراء وخاصة الشباب والنساء. ولعل هذا الهروب سيساهم في جعل طالبان يفكرون في مراجعة أسلوبهم التسلطي وعدم تكرار تجربة التسعينات، والمشاركة في تسيير البلد بجانب قوى سياسية أخرى مع التراجع عن منظورهم الديني القاسي الذي لا يتلاءم مع العصر الذي نحن فيه، بل إنه مخالف كليا للطبيعة الإنسانية نفسها. > بماذا يمكن تفسير تفاعل المحافظين إيجابيا مع تولي طالبان مقاليد الحكم في الوقت الذي لا يجرؤ أحد منهم على الانتقال إلى أفغانستان للعيش تحت "ظلال الشريعة" ؟ ـ يمكن تفسير هذه السيكولوجيا بالرغبة في مشاهدة نموذج لانتصار سلفي بعد كل الهزائم التي لحقت بمعسكر المحافظة، فبعد سقوط داعش والقاعدة وجبهة النصرة وأنصار الشريعة والحوثيين وكل المجموعات المحاربة باسم الدين والتي أدت إلى إشاعة خراب كبير بلا جدوى، وكذا فشل الإخوان المسلمين في كل التجارب السياسية التي خاضوها عبر استحقاقات انتخابية، وخاصة في مصر وتونس والمغرب، وفشلهم في السيطرة على الدولة في ليبيا، بعد كل هذه الخيبات صار الوجدان الإسلامي المحافظ في أزمة كبيرة وبدأ الشك يتسرب إلى الكثير من النفوس في جدوى السعي إلى إقامة الشريعة واسترداد الخلافة، وهذا ما يفسر التهليل والتكبير لانتصار الطالبان, مع العلم أن هذا الانتصار العسكري لن يفضي إلى أي نموذج في الحكم يبعث على الافتخار والطمأنينة، ورغم أنهم يعلمون ذلك، إلا أنهم يُعبرون من خلال مواقفهم المساندة لطالبان عن يأسهم من بلوغ هدفهم الذي هو قيام ولو دولة واحدة باسم الشريعة في أي بلد من بلدان المعمور. > هل يمكن القول إنه وقع هناك تحول في مفهوم "الإسلاموفوبيا" من غير المسلمين إلى المسلمين أنفسهم ؟ > الفوبيا من الحركات الإسلامية موجودة دائما عند المسلمين أنفسهم منذ بداية ظهور هذه الحركات، وذلك بسبب تعوّد الناس على مظاهر الحياة الحديثة، وخوفهم من الترهيب الذي يمارسه الإسلاميون عند التحكم حتى ولو هم خارج السلطة، فالطريقة الرهيبة مثلا التي سيطرت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية بالجزائر على الجامعات والأحياء الشعبية والعنف الذي شرع أتباعها في ممارسته على المجتمع حتى قبل الوصول إلى السلطة بمحاولة فرض منظورهم للحياة العامة بالإكراه، وكذا الرعب الذي أشاعته الجماعة الإسلامية بمصر من خلال التفجيرات والاغتيالات وما أقدم عليه الإخوان في السودان من إشاعة لنمط تدين عنيف وغير متسامح ومبني أساسا على كراهية غير المسلم، كل هذه النماذج السيئة خلقت داخل البلدان الإسلامية إسلاموفوبيا من نوع خاص، وهي تعكس خوفا شديدا من الإسلام السياسي وليس من الإسلام الشعبي الذي عاش عليه الناس منذ قرون. > في تقديرك ما هي أسباب نشوء مفهوم "الإسلاموفوبيا" وما مدى مطابقته للواقع ؟ > الإسلاموفوبيا هو الشعور بالخوف الشديد من الإسلام باعتباره مشروعا سياسيا يهدف إلى الاستيلاء على الدولة وفرض نظام عام تسلطي لا يحترم الأفراد ولا يعترف بمكاسب الحياة العصرية ولا بمبادئ الدولة الحديثة، ويعود هذا الشعور بالخوف إلى وجود الإسلام السياسي في المجتمعات الغربية بدرجة أكثر تشددا من المجتمعات الإسلامية نفسها، وذلك بسبب الحريات التي تشيع في الدول الغربية والتي استغلها التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وكذا السلفية الوهابية العالمية ، ليتغلغل بين أوساط الجالية المسلمة ويهيمن عليها بنسبة تكاد تصل في بعض الدول إلى 90 في المائة، ومعلوم أن الإسلام السياسي في السياق الغربي يتركز أساسا في الأحياء المهمشة التي يشعر فيها المسلمون بالتمييز والإقصاء ليعمل أساسا على خلق وعي إسلامي راديكالي ممانع ضد الاندماج وضدّ قبول قيم ومبادئ الدول المضيفة ما أدى إلى خلق جيلين من المسلمين شديدي العداء للدول الغربية التي يعيشون فيها، وقد استعملت المساجد بكثافة وكذا الجمعيات الدينية لبلوغ ذلك، وسرعان ما انفجر الوضع كله لدى الجيل الثالث الحالي الذي اعتنق مباشرة تصورات ومفاهيم التيارات الإرهابية المسلحة بسبب سهولة الاتصال والاستقطاب عبر شبكات التواصل الاجتماعي. هذا كله أشعر الغربيين بالخطر وجعل الخوف من الإسلام يتزايد وكان من نتائج ذلك انتصارات اليمين المتطرف في انتخابات العديد من الدول. وطبعا عندما يحاول المسلمون المعتدلون التمييز بين الإسلام السمح والإسلام الراديكالي لا ينجحون في ذلك، لأن الغربيين لا تهمهم النصوص الدينية ولا اختلاف المذاهب الإسلامية والتيارات الإيديولوجية بل هم ينظرون فقط إلى سلوك أغلبية المسلمين، الذي هو سلوك أبعد ما يكون عن القيم الإنسانية العليا. > لكن هناك من يشكك في هذا المفهوم؟ > في رأيي من يقول إن الإسلاموفوبيا مجرد وهم فقط وصورة مفبركة وغير صحيحة عن الإسلام والمسلمين إنما يمارس نوعا من التغليط، لأن الإسلام سواء في السياق الغربي أو في بلاد المسلمين لا يمكن أن يكون شيئا آخر غير ما يؤمن به المسلمون ويفعلونه عمليا. وإذا كان هناك حل لمشكلة الإسلاموفوبيا فسيأتي من المسلمين أنفسهم بتغيير نمط تدينهم وطريقة فهمهم للدين، على أنه مشروع سياسي ونظام عام وتحكم وهيمنة، ولهذا أتوقع أن ما سيفعله الطالبان في أفغانستان سيزيد من نسبة الإسلاموفوبيا عبر العالم، لأن التجاوزات التي سيرتكبونها باسم الدين واعتمادا على نصوصه ستتحول إلى صور تسافر عبر العالم أجمع وسيكون لها أسوا الأثر على صورة الإسلام والمسلمين بلا شك.

الوجدان الإسلامي المحافظ في أزمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

آسفي يهزم الزمامرة وديا

"ضربة رأسية" تتسبب في مقتل أربعيني

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات