أمي حليمة: عذبوا ابني وقتلوه

نساء كسرن جدار الصمت الحلقة الأخيرة تسلمت جثته رافضة تصديق الرواية الرسمية لوفاته (2/2) خمس نساء كشفن، في شهاداتهن لهيأة الإنصاف والمصالحة، عن العنف المباشر الذي طالهن والتهجير والإقصاء من الحياة والمعاناة والتعذيب وسوء المعاملة، باعتبارهن زوجات ومن عائلات خصوم الدولة. نساء كسرن جدار الصمت، حسب ما أكده المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في كتاب "نساء كسرن جدار الصمت.. مرويات نساء سنوات الرصاص"، أصدره، بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، ليكشفن عملية احتجازهن واستجوابهن وتعذيبهن ومضايقتهن وإذلالهن... إعداد:إيمان رضيف بدأت معاناة أمي حليمة في الوقت الذي اكتشفت فيه أن ابنها له علاقة بالسياسة، وأنه يلتقي بأشخاص من أجل مواضيع بعيدة عن مجال عمله. فمنذ ذلك الوقت وهي تنتظر الأسوأ، إلى أن اعتقل أول مرة، ووضع في إحدى زنازين المعتقل السري درب مولاي شريف، قبل أن يرمى به بسجن القنيطرة. تقول أمي حليمة أنها، وبعدما تأكدت أن ابنها تعرض لشتى أنواع التعذيب، وبصورة وحشية، بدأت تشارك في الاحتجاجات وغيرها من أشكال التعبئة، من قبيل المسيرات والمظاهرات جنبا إلى جنب مع سائر الأمهات اللواتي تعرض أبناؤهن للاعتقال بصورة غير قانونية. "علمت بعد ذلك، أنه صار بإمكان أسر السجناء زيارة أبنائها، إلا أنني لم أحصل على إذن بزيارته في السجن إلا بصعوبة بالغة. وفي لقائي الأول معه، أصبت بصدمة عميقة"، تقول أمي حليمة، قبل أن تضيف أن جسد ابنها ووجهه كانا منتفخين، كانت تبدو عليه علامات المرض، فأخبرني أنه تعرض لتعذيب وحشي وعزل في زنزانة انفرادية، مشيرة إلى أنه كان يتحدث ويتحرك بصعوبة بالغة بسبب التعذيب وظروف الاعتقال السيئة. وفي رحلة العودة إلى الماضي الأليم قالت أمي حليمة " بعد محاكمة طويلة عشنا أطوارها بتطلع كبير، صدر الحكم على ابني بالسجن لمدة 32 سنة. كما أدين رفاقه بمدد تراوحت ما بين 10 سنوات والمؤبد. دأبت على زيارة ابني مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع، بشغف كبير. أصبحت أعيش لأجل تلك الزيارات، لم يكن ثمة شيء آخر يهمني، ولم أكن أغادر المنزل إلا للذهاب لرؤية ابني أو للالتقاء بأسر السجناء". واسترسلت " عانى أطفالي الآخرون معاناة كثيرة خلال تلك السنوات. شاهدوني أبكي ليل نهار. والأكثر من ذلك، تعرض أحد أبنائي بدوره للاعتقال والاحتجاز بطريقة غير مشروعة وعمره لا يتجاوز السابعة عشرة من عمره. فقد جاء أفراد الشرطة للقبض عليه في الساعة 5 صباحا واقتادوه بعيدا في سيارة "جيب". احتجزوه لمدة أسبوع كامل تعرض خلاله للتعذيب والترهيب. كان يُصعق بالكهرباء ويعلق من رجليه في السقف (الطيارة.) وبعد أن أطلق سراحه، كانت الشرطة تأتي كل يوم، طيلة شهر، لمقابلته في البيت ونقله إلى مركز الشرطة للاستجواب. بل إنهم ساوموا حريته مقابل أن يصبح مخبرا لصالحهم إذا رغب في إطلاق سراحه، وكلما قابل طلبهم بالرفض كان جزاؤه الصفع والركل والضرب". معاناة أمي حليمة التي كشفت عنها أمام هيأة الإنصاف والمصالحة، لم تتوقف عند هذا الحد، إذ ظلت مستمرة، رغم الإفراج عن ابنها، مؤكدة أن فرحتها بمغادرة ابنها السجن، لا توصف، لكن للأسف الشديد لم تستمر طويلا "كانت الشرطة تأتي إلى منزلي كل يوم وتطلب التحدث إليه. ظل تحت المراقبة المستمرة، وفي أحد الأيام، اختطف واحتجز وجرى استجوابه وترهيبه لمدة ثلاثة أيام كاملة، ثم أطلق سراحه في منتصف الليل في حقل مهجور بمراكش. ظل لأكثر من ساعة جالسا هناك، معصوب العينين مرعوبا، لا يعرف أين هو ولا ما سيحدث له، إلى أن اهتدى إلى طريق وصادفه رجلا وأخذه إلى فندق أمضى فيه ليلته. وفي اليوم الموالي، عاد إلى المنزل وأخبرني أنه كان مسافرا، ولم أعرف القصة الحقيقية إلا لاحقا". وبعد مدة، غاب ابنها، مرة أخرى عن المنزل، ومع عدم ورود أي أخبار عنه، بدأ القلق يدب إليها "تلقينا اتصالا هاتفيا من صديق يقول إن طبيبا صديقا له اتصل به فأخبره أنه شاهد جثة ابني في مستشفى". عادت جثة ابن أمي حليمة إلى الأسرة مكفنة داخل تابوت. "حتى وجهه كان مكفنا لم تكن لي الشجاعة لإلقاء نظرة على جثة ابني، وعشت في شك دائم من ألا يكون هو المسجى في ذلك التابوت. شيعت الجنازة بحضور مئات الأشخاص، من ضمنهم عدد كبير من رفاقه وزملائه"، تقول أمي حليمة قبل أن تضيف إن الرواية الرسمية تقول إن ابنها كان مسافرا على متن القطار المتجه إلى سيدي قاسم عندما فقد فجأة صوابه وبدأ يطلب المال من الركاب، فتم اعتقاله واقتيد في سيارة إسعاف إلى المستشفى رفقة ممرض وممرضة. وبينما كانوا في طريقهم إلى المستشفى، توقف الممرضان لتناول القهوة في أحد المقاهي على الطريق وتركا ابني داخل سيارة الإسعاف. وادعيا أنه هرب من سيارة الإسعاف بينما كانا يحتسيان قهوتهما فصدمته حافلة، وأخذاه إلى مستشفى في سلا حيث فارق الحياة. لم يتم أبدا التعرف على الحافلة ولم يتم تحديد مكانها. كما أنه لم يُعثر على أي تقرير للشرطة عن حادث حافلة على تلك الطريق في ذلك الوقت ولم نبلغ قط رسميا بوفاته. وأكدت أمي حليمة أنها لم تصدق الرواية الرسمية عن وفاة ابنها "أعتقد أنه لا معنى لها على الإطلاق، ابني لم يكن مجنونا عندما غادر المنزل. وحتى لو افترضنا أنه جن، فهم الذين تسببوا في جنونه جراء جميع أصناف التعذيب والضرب والمضايقات والترهيب التي تعرض لها".

أمي حليمة: عذبوا ابني وقتلوه

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ضباط في قبضة بارونات ... إغراق مركب لتضليل الأمن

في علاقة "ما بعد الإسلاموية" بالإلحاد

مقالات ذات صلة