مهمة “إشهارية” لمديرية الأدوية ومختبرات!

تكلف بها 13 نائبا واستغرق عملها ثلاثة أشهر وكتب تقريرها على عجل دون إجابة عن الإشكاليات تمخض الجبل فولد ورقة "دعائية مجانية" لمديرية الأدوية التابعة لوزارة الصحة ومختبرات وشركات للأدوية في المغرب، تكلف بها فريق "كبير" من البرلمانيين، صرفت لهم تعويضات وأهدروا وقتا ثمينا من زمن التشريع والمراقبة في زيارات لطرح "أسئلة"، وتلقي أجوبة عنها، ثم تحرير كل ذلك في كتاب ضخم من 224 صفحة.غابت الملاحظات الجوهرية وغابت خبايا الصفقات العمومية بملايين الدراهم التي أشرفت عليها المديرية العامة وتخللتها خروقات وتجاوزات بشهادة الوزير نفسه الذي عزل، قبل أيام، مسؤولين كبيرين في المديرية نفسها، كما غاب المتضررون من عمليات "تفصيل" دفاتر التحملات التي كانت صفقاتها ترسو على شركات بعينها، وغابت مقارعة الحجة بالحجة، إذ ترك المسؤولون بالوزارة يتحدثون كما شاؤوا، ثم تدوين كل ذلك في عشرات الصفحات، مع بعض الملاحظات والتوصيات السطحية جدا، وكفى المؤمنين شر القتال. إعداد: يوسف الساكت بنية التقرير والمنهجية منذ الأسطر الأولى، وحتى آخر سطر في آخر توصية في الصفحة 224، تشعر أن تقريرا بهذه الأهمية يتناول واحدة من أهم مديريات وزارة الصحة وعلاقتها بالمختبرات وشركات صناعة الأدوية، وبالتالي الأمن الدوائي للمغاربة، كتب على عجل، حتى أن من كلف بتحريره يشكو من أعطاب كبيرة في الأسلوب والتركيب واختيار الجمل المناسبة. وغلب طابع نقل الوقائع وتصريحات المسؤولين بالوزارة والمختبرات بحذافيرها على معدي التقرير الذي جاء أشبه بمقال تركيبي لصحافي مبتدئ حضر ندوة صحافية، إذ لا يعرف القارئ أين تنتهي المعطيات التي وفرتها المديرية ومسؤولي الأقسام التابعة لها وأطر المختبرات والشركات، وأين يبدأ عمل أعضاء اللجنة في التمحيص والتحليل وإبداء الملاحظات الوجيهة التي تظهر أنهم ملمين بموضوع دقيق، يتدخل فيه الجانب الطبي والعلمي الصرف، مع التدبير التقني والإداري والمالي وإعداد الصفقات العمومية والعلاقة مع الشركاء. الحشو في الوثائق والبيانات توصل أعضاء لجنة الاستطلاع حول مديرية الأدوية وعلاقتها بالشركات المصنعة، بكم هائل من الوثائق والجداول والبيانات المرقمة سواء من قبل المديرية، او من قبل المختبرات، دون أن يحسن استعمالها، أو يفهم قارئ التقرير سياقها وعلاقتها بالمعطيات المضمنة فيه. ومرة أخرى، تشعر أن معدي التقرير وجدوا أمامهم كما هائلا من الوثائق، توصلوا بها، ربما، بشكل متأخر، فقاموا بحشرها وسط فقرات دون أي رابط موضوعي، بل إن صفحات تضمنت سيلا من الجداول والأرقام غير المقروءة حول صفقات وميزانيات وضعت وسط التقرير بعد نسخها، ودون إرفاقها بأي تعليق يبين أهميتها في مهمة الاستطلاع والغاية من الحصول عليها من المديرية المعنية. تغييب المتضررين استمع أعضاء لجنة الاستطلاع إلى طرف واحد في المعادلة، هو مديرية الأدوية المانحة للتراخيص والمعدة لدفاتر التحملات والمنظمة للقطاع، بينما غيبت الأطراف التي ظلت تشكو دائما من تجاوزات واختلالات في تدبير الملفات والعلاقة مع الشركاء. واكتفت لجنة الاستطلاع البرلمانية بوجهة نظر واحدة فقط، بل قدمت خدمة جليلة إلى المديرية عبر التعريف بأنشطتها وبرامجها وطريقة عملها، بل إن محرر التقرير لم يكلف نفسه أي مجهود، حين وضع النص الكامل لعرض المديرية وسط الصفقات من ألفه إلى يائه. "غير سامعين" كشف المعطيات المضمنة في التقرير والطريقة التي كتبت بها أن أعضاء اللجنة، رغم وجود برلمانيين "ولاد الضومين"، أنهم لا يتوفرون على الحجج الكافية بخصوص ملفات بعينها، وبدا أنهم اكتفوا بما نشر في الصحافة، أو كتب على مواقع التواصل الاجتماعي. ومثال ذلك، التلاعب في المستلزمات الطبية، أو المواد المتعلقة بالتجميل، والمكملات الغذائية، إذ رغم أهمية الموضوع ووجود متضررين فيه من شركات وأشخاص ومواطنين، لم يبد الأعضاء أي رد فعل، مكتفين بتلقي "أجوبة" من المديرية، وتضمينها في التقرير. ومن الأمثلة أيضا، الشركة الأمريكية التي استفادت من رخص لاستيراد أدوية لداء الفيروس الكبدي، إذ لم يقدم التقرير أي معطيات ذات قيمة في موضوع بكل هذه الحساسية، واكتفى بملاحظة فقط، تلتها خلاصة تحمل كثيرا من أحكام القيمة، من قبيل أن مثل هذه "السلوك" يرجح فرضية تفضيل شركات أجنبية على الشركات الوطنية! معلومات غير مفيدة ضيع أعضاء لجنة الاستطلاع البرلمانية 80 في المائة من التقرير (224 صفحة) في تقديم أوراق تعريف مستفيضة حول مهام المديرية والأقسام التابعة لها والاختصاصات الموكولة لها، وهي معلومات يمكن الوصول إليها بسهولة بجولة في موضوع الوزارة. وغرق أعضاء اللجنة، خلال زيارات استطلاعية انطلقت من مارس 2021 وانتهت في يونيو الماضي، في ذكر طبيعة العمل التي تقوم به مختبرات وشركات للأدوية، في شكل أوراق دعائية لهذه المؤسسات الخاصة، أشبه بما يوجد في مواقعها الخاصة على الأنترنيت، أو الزيارات الموجهة التي تقوم بها، بين الحين والآخر، للصحافيين. في بعض الأحيان، لجأ معدو التقرير إلى نسخ أوراق تعريف من مواقع لمختبرات، وتصديرها بعناوين، من قبيل لمحة عن مختبر كذا، أو نبذة عن شركة كذا، بشكل يفقد المهمة أي معنى في الوصول إلى جزء من حقيقة ما يجري بهذا القطاع، وتقديم ذلك أمام ممثلي الأمة لترتيب قرارات بشأنه. وبعد قراءة صفقات طويلة عن "بروفايلات" مختبرات وشركات للأدوية لا تستطيع أن تخرج بأية خلاصة عن الهدف من هذا العمل برمته، وما علاقة هذه المؤسسات بالوزارة، وأين "المشكل" التي تجشم أعضاء اللجنة عناء الاستطلاع الميداني حوله؟ "سعاة بريد" تقمص أعضاء لجنة الاستطلاع دور "سعاة بريد" حملوا المطالب المقلقة" للمختبرات والشركات الخاصة للأدوية إلى الوزارة، من أجل إيجاد حلول لها. وقالت اللجنة إن أعضاءها عادوا في 17 يونيو الماضي، بعد الانتهاء من الزيارات الميدانية لهذه المختبرات والشركات، إلى الوزارة، وعقدوا اجتماعا مع مسؤوليها للتداول في عدد من الملاحظات، وسماع رأي رسمي بخصوصها. ومن بين هذه المشاكل، التأخر في الحصول على الإذن بالعرض في السوق وتفتيش المواقع بالخارج قبل استيراد الأدوية، كما طلب الأعضاء من الوزارة تقديم أجوبة حول الإجراءات التي تتخذها بعد تعطل النظام المعلوماتي (نظام الكومبيوتر حسب التقرير). ونقل أعضاء اللجنة إلى مديرية الأدوية شكايات المختبرات من عدم التواصل معها، كما اشتكت المختبرات من غياب التواصل أيضا مع الصيدليات، مع التذكير بقلق أصحاب هذه المؤسسات الخاصة من التأخر في تحديد أسعار الأدوية، وكذا إمكانية الدعم المالي لهذه المختبرات من أجل التصنيع المحلي وتصدير اللقاحات، إضافة إلى موضوع تخفيض أسعار الأدوية المنخفضة السعر، واستفادة الأدوية المستوردة من هامش 10 في المائة. وقدمت الوزارة، في عدد من الصفحات، أجوبة شفوية عن كل هذه الأسئلة، كما يفعل أي مسؤول حين يطرح عليه صحافي أسئلة مشابهة، دون أن يلمس قارئ التقرير أي إضافة. 10 توصيات مكررة لم تبدع لجنة الاستطلاع في صياغة توصيات جديدة، بل اكتفت بما هو متداول في تقارير ممثالة، أو مداخلات برلمانيين، أو ندوات متخصصة، بل ثمنت توصيات صادرة في 2015. ومن بين التوصيات التي أعطتها اللجنة أهمية خاصة، رغم أنها ليست "جديدة"، إحداث وكالة وطنية للأدوية والمنتجات الصحية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري لتحل محل مديرية الأدوية والصيدلة التابعة لوزارة الصحة. وأوضح التقرير أن مطلب حل مديرية الأدوية "يأتي بالنظر إلى العديد من الإكراهات والصعوبات والنواقص التي تعانيها، وتجعلها غير قادرة على الاضطلاع بمهامها الكبيرة، ومواكبة التحولات التي يعيشها المغرب، والتحديات المطروحة بالنسبة إلى السياسة الدوائية". وأشار التقرير إلى أن العديد من الدول اختارت اللجوء إلى وكالات متخصصة في كل الإجراءات الإدارية والتقنية المتعلقة بالأدوية وجميع المنتجات الصحية، ومنها أمريكا وأوربا وكوريا والسعودية وفرنسا والجزائر، بدل أقسام ومديريات على علاقة مباشرة مع الوزارة . التسيير الإداري يرى التقرير أن التسيير الإداري لوكالة الأدوية والمنتجات الصحية يتميز بالسرعة في التفاعل لمواجهة الإشكاليات التقنية، مضيفا أنه "في المغرب، أصبح يطرح بانتظام نقاش عمومي حول إحداث وكالة الأدوية والمنتجات الصحية لتحل محل مديرية الأدوية والصيدلة، وكانت هذه التوصية موضوع العديد من تقارير الهيآت والمؤسسات الدستورية (المجلس الأعلى للحسابات، البرلمان من خلال اللقاءات والاجتماعات مع الوزير، وطرح الأسئلة، وكذا تقييم مقترحات قوانين تقضي بإحداث هذه الوكالة، ومجلس المنافسة…)". وشدد التقرير على أن التغيير "لا يجب أن يقتصر فقط على تغيير الاسم من مديرية إلى وكالة، بل يجب أن يكون إصلاحا حقيقيا"، داعيا إلى ضرورة أن تتوفر الوكالة على مجلس إداري له صلاحيات اتخاذ القرارات الملائمة. ومن أجل ضمان الاستقلال والسيادة الدوائية، وتكريس الأمن الصحي، وتيسير ولوج المواطنات والمواطنين إلى الدواء والعلاج، أوصت اللجنة البرلمانية بتطبيق صارم للقانون المتعلق بالترخيص لفتح المؤسسات الصيدلانية المصنعة للأدوية، بما يضمن قدرتها على تخزين الأدوية وتصنيعها ومراقبتها. تراخيص التسويق طالبت اللجنة بـ"مراجعة حالة تراخيص التسويق الممنوحة للأدوية المستوردة أثناء التجديد (خمس سنوات)، مع إعطاء الأولوية للمنتجات المصنعة محليا"، إضافة إلى "إعمال مبدأ الأفضلية الوطنية، سواء على مستوى تسجيل الأدوية أو على مستوى المناقصات العامة (وزارة الصحة، المستشفيات الجامعية)". ودعا التقرير إلى تقوية الترسانة القانونية المؤطرة لقطاع الدواء من خلال المراجعة الشاملة للقانون 17.04، وتحيين مجموعة من المقتضيات التي أصبحت متجاوزة، خاصة ما يتعلق بمجال التفتيش بالنسبة إلى الأدوية المستوردة من الخارج، والإسراع في استكمال إخراج كل المراسيم التطبيقية المرتبطة بهذا القانون، والعمل على ضمان حسن تطبيقه. وشدد المصدر ذاته على ضرورة سن قوانين خاصة بـ"تحديد أسعار المكملات الغذائية والمستلزمات الطبية التي أرهقت كاهل المغاربة ومراقبة نقط بيع حليب الأطفال لما يشكله من خطر على صحة الأطفال المغاربة".

مهمة “إشهارية” لمديرية الأدوية ومختبرات!

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خمسينية تلقي بطفل من سطح منزل

الجعفري يقود أكلموس إلى الصعود

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات