المرابط تقارع حجج المحافظين

الباحثة في الشؤون الإسلامية تعيد آيات النساء إلى الإطار المعياري للمساواة اعتبرت أسماء المرابط ، الطبيبة والباحثة المغربية في الشؤون الإسلامية، في بحث شاركت به في مشروع مؤلف جماعي عربي صدر ببيروت، عبارة عن دليل إرشادي حول المسؤولية الاجتماعية الإسلامية، أن إشكالية المساواة بين الرجل والمرأة جوهر التحديات الاجتماعية والسياسية، التي تواجهها معظم الدول الإسلامية، إذ لا تزال هذه الإشكالية ومنذ عصر النهضة رهينة ازدواجية تصور فكري انتزع الآيات ذات البعد الاجتماعي والأخلاقي من الإطار المعياري للعدل والمساواة العامة، وظل خطابا يتأرجح بين رؤية دينية تقليدية ترفض أي إصلاح، ورؤية حداثية تعتبر الدين بمجمله سبب تأخر مجتمعاتنا. إعداد: ياسين قُطيب تفاسير حرفية توقفت المرابط عند ملاحظة مفادها أن الآيات ذات البعد الاجتماعي والأخلاقي انتزعت من الإطار المعياري للعدل والمساواة العامة، اللَّذَين جاءت بهما رؤية القرآن الشمولية، فأُخضِعت الآيات لتفاسير وقراءات حرفيّة وعرفية تمييزية، أسهمت بشكل كبير في الإبقاء على الرؤية السلبية للإسلام، التي تقدمه هذه القراءات، كدِين يظلم النساء، ويَغيب عنه مفهوم العدل والمساواة بشكلٍ شبهِ كامل. إنه لمن غرائب الأمور، أن يؤخذ بخمس آيات أو ستٍّ فقط -من أصل 6236 آية قرآنية كريمة-، في تدعيم جل التفسيرات والخطابات الدينية والفقهية، كإطارٍ مرجعي إسلامي أساسي ووحيد، في كل ما يتعلق بالنساء. المسؤولية الاجتماعية الإسلامية سجلت المرابط أن آيات التعدد والإرث والشهادة والقِوامة، أُخرجت من سياقها، ومن النظرة الشمولية والمقاصدية الكبرى للقرآن الكريم، فستصبح بالفعل حاملة لنوع من التمييز ضد المرأة، خصوصا إن قرنت وفق المقاربة التقليدية الحرفية، لذلك وجبت إعادة قراءة هذه الآيات على ضوء البعد الأخلاقي والإنساني والمساواتي للقرآن ومقاصده الكلية، معتبرة أن القراءة التجزيئية والانتقائية، التي أخرجت هذه الآيات عن سياقها العام، هي التي أدت إلى اختزال موضوع النساء كله في التأويل الحَرفي، لذا، لا يمكننا اليوم تفسيرها وفهم مغزاها، إلا بإرجاعها مرة أخرى إلى دائرة القيم القرآنية الأخلاقية، وقراءتِها قراءة ملائمة، ومرتبطة بشكل متوازٍ مع السياق التاريخي والمعاصر، لأن التفسير التقليدي ارتكز على آيات ذات بعد اجتماعي، فأصبحت هي الإطار المرجعي للرؤية التقليدية في إشكالية «النساء في الخطاب الديني «، ويجري الانطلاق منها لتفسير العلاقة بين النساء والرجال وفَهمها، في حين جرى تهميش باقي الآيات -وهي الأهم، إن جازت المفاضلة-، بحيث تعالِج الأخلاقيات العامة والمفاهيم المحورية للمساواة، وتدعو بوضوح إلى المساواة بين الرجال والنساء، حسب ما سبق شرحه وتبيانه. في سياق متغير أوضحت المرابط أن الفقهاء المسلمين الأوائل قاموا بتفسير تلك الآيات ذات البعد الاجتماعي، على ضوء مقتضيات مجتمعاتهم والعقليات السائدة آنذاك، لكنهم لم يعتبروا قط تفاسيرهم البشرية، معايير فقهية ثابتة ومقدسة لا تقبل النقاش، وهو اعتقاد لم يتفش إلا حديثًا، مع تجمد الفكر الإسلامي وتراجع الحضارة الإسلامية، حين تعطل اجتهاد المفسرين المنطلق من السياق، وقدست تفاسير الأسلاف عبر تهميش المبادئ الأخلاقية الواردة في النصوص الدينية. ومع كلّ الاحترام الذي نُكِنُّه للعمل والجهد الذي بذله سلَفُنا الصالح، فلا يمكننا أن نبقى رهيني رؤيتهم الخاصة، في ظلِّ تطوُّر المعايير الاجتماعية والعالمية والحقوقية، لذلك كان "لا بد من الرجوع إلى الرؤية الشمولية للقرآن، ووضع إشكالية النساء في الخطاب الديني" في إطارها الأصلي، وتفسيرها في ضوء الأخلاقيات الإنسانية، والقيم القرآنية العالمية، والآيات والمفاهيم المحورية للمساواة. ودافعت الباحثة في الشؤون الإسلامية على فكرة مفادها أن تحقيق العدل والإنصاف والمساواة الحقوقية، يجب أن يبقى الغاية الأولى المرجوة من تفسير النصوص الدينية، حتى تكون قابلة للتطبيق في سياق متغير، معتبرة أن هذه الغاية الأولى هي أبدية، وتطبيقها يرتبط بالسياق. أمَّا الأحكام فهي تتغير حسب الزمان، وأنه حان الوقت اليوم، لتجاوز معضلة «وضْع المرأة في الإسلام"، والرجوع إلى المعنى القرآني الأصيل عبر مفهوم الإنسان، بإعادة قراءة الآيات القرآنية، باعتبارها رسالة أخلاقية عالمية، تحمل مبادئ الحرية وإقامة العدل والكرامة والمساواة الإنسانية، التي هي جميعا قيم أبدية، و أن "القراءة والمقاربة الإصلاحية الجديدة للنصوص، ضرورة أولية، حتى نتصدى للتحديات المعاصرة لمجتمعنا". أخلاقيات روحية حقيقية تبقى مسألة الإصلاح الديني وخصوصاً تلك المتعلقة بموضوع النساء مرتبطة،حسب المرابط، بالممارسة الديمقراطية على أرض الواقع، لذلك سيكون من باب الوهم ادعاء قدرتِنا على معالجة موضوع النساء، بمعزل عن المشاكل الأخرى التي تتخبط فيها البلاد العربية، وأنه يصعب بل يستحيل اختزال موضوع العدل في الإسلام برمته في إشكالية «المرأة والمساواة»، لأن هناك قضايا أخرى لا تقل أهمية، يجب تطبيق مبدأَيِ العدل والمساواة عليها، بالصيغة والمقاربة نفسيهما، مثل: العدالة الاجتماعية، ورفض التمييز الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعِرقي والديني، ما يعني أن العمل على الإصلاح المتوازي -على جميع المستويات- السياسي، والتربوي، المسؤولية الاجتماعية الإسلامية للمواطنة والعيش المشترك والتشريعي، والديني، هو الذي سيمكن من الخروج من هذا المأزق التاريخي، مشددة على أنه " حان الوقت اليوم، للعودة إلى رؤية القرآن الشمولية، ومعناها الأصيل الذي يؤسس لأخلاقيات روحية حقيقية، تكرم الرجال والنساء على اختلاف أعراقهم وطبقاتهم ومعتقداتهم». أزمة الخطاب الديني اعتبرت الباحثة أن ما يُسمى اليوم قضية النساء في الإسلام، أصبح يشكل جوهر التحديات الاجتماعية والسياسية، التي تواجهها معظم الدول الإسلامية، إذ لا تزال هذه الإشكالية -ومنذ عصر النهضة- رهينة ازدواجية التصور الفكري، بين رؤية دينية تقليدية ترفض أي إصلاح، ورؤية حداثية تعتبر الدِين بمجمله سبب تأخر مجتمعاتنا، وأهم عائق أمام تحرر النساء والرجال، مشددة على أن هناك رؤية ثالثة، هي التي تتبناها، وهي رؤية الدين كقوة تحريرية، تعطي البَشر الدافع والإيمان لتغيير واقعهم نحو الأفضل، وتحقيق المبادئ العليا، التي على رأسها العدل والقسط، وذلك وفق مقاربة إصلاحية جديدة لقراءة النص، تنطلق من أن الإشكالية لا تكمن في الدين في مفهومه الروحي والنصي، بل في تلك التأويلات البشرية الضخمة، التي تراكمت في التراث والإنتاج الديني وفي العقليات أيضا، والتي همشت -أو تكاد- النصوص الأصلية، وخاصة القرآن الكريم، حتى أصبحت هذه المنظومة التفسيرية والفقهية مقدمَة ومقدسة، في ضوء صراعات سوسيوسياسية، معادية لوجود المرأة في الفضاء الاجتماعي والمعرفي، ما أصبح يحتم تجاوز هذه المنظومة التقليدية وتفكيكها، والتي ترزح تحت هيمنة قراءة ذُكورية مسيسة، و"لا بديل عن اقتراح مقاربة إنسانية إصلاحية، منفتحة على الفكر الإنساني الأخلاقي". الرجال والنساء على حد سواء قدمت المرابط قراءة تعطي للنص القرآني أربعة أبعاد، بعد أخلاقي وبعد إنساني وبعد اجتماعي، بالإضافة إلى البعد المفهومي والمعياري القائم على المساواة، ورغم اعتماد الخطاب القرآني في بعض المواضع صيغة المذكر، إلا أنها تستعمل في الترجمات إلى اللغات الأخرى بصفة محايدة ، وبذلك يظل النص شاملا لآيات فيها مساواة متكاملة في الأمر أو النهي، وفصول تشتمل على ذكر الرجال والنساء على حد سواء، في نوع من التساوي اللغوي والمعنوي، واضعة قيمة العدل ضمن القيم الإنسانية الكَونية، التي تتفق حول ضرورتها جل الديانات السماوية والفلسفات الإنسانية، باعتبارها أهم أهداف التشريعات الإلهية والإنسانية، لأن بدونها لن تقوم قائمة لأي حضارة. واعتبرت صاحبة كتاب "مفهوم العدل بين النص وتفسيراته" أن أهم المواضيع حساسية وتناقضا داخل المجتمعات عموما، والمجتمعات الإسلامية خصوصا، هي تلك التي تتطرق إلى إشكاليتي العدل والمساواة، كعنصرين أساسيين لتحقيق العدالة الاجتماعية. إذ بينما يتفق الكل بشكل عام على أن الإسلام دين عدل ومساواة، تبقى مؤشرات تلك العدالة وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في هذه المجتمعات، ضمن الأضعف عالميا، وغالبا «ما نرى أن مثل هذه المفاهيم تبقى حبرا على ورق، ومجرد شعارات نظرية أفرغت من معانيها في أغلب البلدان المسلمة، بالنظر إلى أن تاريخ هذه المجتمعات وواقعها المعاصر، يبرهنان على نقيض ذلك، ويكاد يكون الظلم الاجتماعي والتمييز والصراعات السياسية والعِرقية المتوالية، قَواعدَ أساسية في تاريخ هذه البلدان، مستغربة كيف أن الجميع اليوم في الدول ذات الأغلبية المسلمة، ينادون بالعدل والمساواة والكرامة، حتى الأنظمة غير الديمقراطية وبشتى توجهاتها الإيديولوجية، تدافع عن هذه القيم. لكن، كل حسب مصلحته، لكن في الحقيقة، لا نرى في كل ذلك أية جدوى على أرض الواقع». المواطنة والعيش معا للوصول إلى درجة المواطنة طرحت المرابط مجموعة أسئلة من قبيل أين الخلل؟ وهل تكمن الأزمة في محتوى هذه المفاهيم نفسها وفي طريقة مقاربتها، أم في تاريخنا السياسي الطويل والمعقد، الذي جعل مفهوم الطاعة المطلَقة لولي الأمر، يهمش جميع هذه القيم لمصلحة السلطة الفردية باسم الدين، وتحت رمزية "سد الذرائع»، والخوف المفرط من الفتنة؟ مستشهدة بمقولة محمد عابد الجابري التي توضح هنا هذا الالتباس التاريخي، إذ ورد فيها: الرغبة في «اتقاء الفتنة» بررت على الدوام قبول العيش باستِكانة تحت الحكم الذي أصله فتنة! فكانت النتيجة قيام الحُكم في الإسلام، وعلى الدوام ، على «وحدانية التسلط». وخلصت الباحثة إلى قيمة العدل في كل أبعادها، خصوصا تلك التي تتعلق بإشكالية «النساء في الخطاب الديني « ، كأحد تمظهرات القيمة المذكورة في المجتمع ، والتي قالت إنها أصبحت رهينة إيديولوجيات شتى، وتمثّل قلب ذلك الصراع القديم بين التقاليد والحداثة في مفهومها الكوني، ما فرض عليها البدء بعملية توضيح لمفهوم المساواة، الذي اعتبرته جزءا لا يتجزأ من منظومة العدل، بمعنى «المعادلة في الحقوق وفي الحرية والكرامة الإنسانية، وليس التشابه أو التساوي على المستوى البيولوجي، على اعتبار أن كل حديث عن المساواة في الحقوق، هو ممر للاختلافات الفِطرية والخِلقية بين الرجال والنساء". في سطور * طبيبة بالمستشفى الجامعي بالرباط منذ 1995 * عملت طبيبة متطوعة بمستشفيات عامة بإسبانيا وأمريكا اللاتينية * تشتغل في موضوع "المرأة في الإسلام" من وجهة نظر تحررية أساسها الانطلاق من المرجعية الإسلامية في تناول القضايا النسائية، من خلال إعادة قراءة النصوص الدينية برؤية اصلاحية. * شاركت في مؤتمرات دولية وقدمت العديد من المحاضرات حول الموضوع. * رئيسة سابقة للمجموعة الدولية في التفكير في قضايا المرأة في الإسلام من 2008 الى 2010 * رئيسة سابقة لمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام بالرابطة المحمدية للعلماء من 2010 إلى مارس 2018 * عضو في المكتب الأكاديمي للشبكة الدولية مساواة * عضو المجلس الإداري لمؤسسة الثقافات الثلاث بمدينة إشبيلية

المرابط تقارع حجج المحافظين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنسليمان تودع "المعلم" إلى الأبد

الرجاء على أعتاب نهائي ثالث

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات