هـوة بـين النـص والواقـع

الغلوسي دعا إلى استرجاع الثقة في الفاعل العمومي وتعزيز حكم القانون ومكافحة الفساد شخص تقرير النموذج التنموي، عوائق ضمنها غياب الانسجام بين الرؤى والسياسات، والشعور بضعف الحماية القضائية، وكذا الهوة بين الواقع الاجتماعي والقوانين. وهي نواقص طالما تحدث عنها فاعلون حقوقيون ودقوا ناقوس الخطر بشأنها. ويؤكد محمد الغلوسي، المحامي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن تطرق التقرير سالف الذكر إلى عدم التناسق بين الرؤية والسياسات العمومية، يعني أن هناك خللا ينبغي التصدي له باستعجال، إذ أنه يفضي لا محالة إلى ضرب المخططات والبرامج التنموية. فعدم التناسق بين الرؤية والسياسات العمومية يجعل، كل القطاعات تضع برامج وتصورات في بعض الأحيان تتقاطع مع برامج قطاع آخر أو تتعارض معه، حسب الغلوسي، وهو ما يفسر غياب رؤية شمولية وتصور واضح، يمكن من أجرأة وتنفيذ البرامج العمومية، ويؤدي إلى اعتماد الارتجال في أحيان أخرى. وذهب المتحدث نفسه إلى أن مسؤولية تنفيذ البرامج تخضع في بعض المواقف إلى مزاج المسؤول وتقديراته، بعيدا عن تشخيص واستقراء علمي للواقع، وتكون مبنية على مجرد انطباعات ظرفية وذاتية، وكثيرا ما تتغير هذه التقديرات والانطباعات بتغير الأشخاص المسؤولين، ما يعني انعدام استمرارية الرؤية، وما بناه المسؤول السابق قد يهدمه اللاحق، الشيء الذي يجعل أثر البرامج على الواقع ضعيفا ويساهم في زيادة فقدان الثقة في تلك البرامج والنوايا. أما بالنسبة إلى ضعف الحماية القضائية، فحدد الغلوسي تجلياتها في أمرين اثنين، أولهما يتعلق بعامل الوقت والزمان، إذ أن التدخل القضائي يكون بطيئا، وتطول المسطرة إلى الحد الذي تفقد فيه الحماية أي معني. وتضعف هذه الحماية أكثر، حسب تعبير المتحدث نفسه، عند الوصول إلى مرحلة التنفيذ، أو ما يصطلح عليه بين المهنيين بـ"معضلة تنفيذ الأحكام القضائية"، ذلك أن الحكم القضائي ولو أنه يعطي حماية للحق، إلا أن عدم الحصول على هذا الحق عبر التنفيذ، يجعل المبتغى والهدف الأسمى من الحكم القضائي يتبدد. وخلص الغلوسي إلى أن نشر الطمأنينة في نفوس الناس والإحساس بالأمن والأمان بمعناهما الواسع، لا يتحقق إلا عندما تكون للأحكام القضائية قوتها في التنفيذ. أما التجلي الثاني، فينحصر حسب المحامي بهيأة مراكش، في ما يسمى بالنجاعة القضائية، معتبرا أنها تفقد عندما لا تكون الأحكام رادعة من حيث الدعوى العمومية وفي الوقت نفسه لا تجبر الضرر اللاحق بالشخص ولو نسبيا، في إطار حماية حقوق الضحية، من حيث التعويض ورد الاعتبار. من جهة أخرى، اعتبر الغلوسي أن عدم تطبيق القوانين يفقد قيمة القواعد القانونية، ويجعلها تبدو في نظر البعض، مجرد آلية تسخدم عند الضرورة، ولمصلحة البعض دون الآخر، وهو ما يكرس التمييز في تطبيق القوانين ويجعله يتعارض مع القاعدة الدستورية، التي تؤكد سواسية الناس أمام القانون، ما يفرز الشعور بالظلم و"الحكرة". ويعزو رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، التفاوت الحاصل بين الواقع والقانون، إلى عوامل الفقر والبطالة والهشاشة الاجتماعية، أي أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي، يكون معيقا أمام تنزيل وتطبيق النصوص القانونية من جهة، ومن جهة ثانية فإن بعض النصوص القانونية تكون مستنسخة من تجارب دول أخرى، حصل فيها تقدم ثقافي واقتصادي يتجاوز الواقع الاقتصادي الاجتماعي والثقافي السائد في المغرب، ما ينتج هوة بين النص والواقع، ويجعل الجهات المكلفة بإنفاذ القانون، تجتهد وتؤول تلك النصوص لإخضاعها للواقع. إطلاق سراح المعتقلين يرى محمد الغلوسي، أنه لتجاوز هذه المعيقات ينبغي الاعتماد على تنمية مستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجعل المواطن في صلب البرامج، والرفع من قيمة ومكانة المواطنة في المجتمع، مع تشجيع الابتكار، والبحث العلمي، وإيلاء الأهمية القصوى للتعليم، ليشكل رافعة أساسية في مواجهة كل التحديات. واعتبر الغلوسي أن استرجاع الثقة في الفاعل العمومي، يقتضي تعزيز حكم القانون، في علاقة الأفراد بالمؤسسات، وعلاقة الأفراد في ما بينهم، ومكافحة الفساد والرشوة والإفلات من العقاب، وتعزيز مكانة حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإحداث انفراج سياسي، بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الرأي والاحتجاجات الاجتماعية وتشجيع النخب ذات المصداقية لتولي تدبير الشأن المحلي والعام. كما يجب على المثقفين والفنانين والصحافيين الإسهام في تقدم البلد والانخراط الواعي والمسؤول في النضال الديمقراطي من أجل إصلاحات عميقة. المصطفى صفر

هـوة بـين النـص والواقـع

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رسالة رياضية: "الفار" المغربي

150 مليونا للمولودية

مقالات ذات صلة