إفران…ملاذ عشاق السياحة الجبلية

هدوء المدينة ومؤهلاتها ومهرجاناتها تزيد الإقبال عليها إلى درجة تسجيلها أرقاما قياسية كل صيف إفران مدينة تعيش دائما ربيعها وسط كل الفصول. تتحدى قساوة الطبيعة لتبتهج بكل ألوان زرقة السماء.. بياض الثلوج، رماديات الشتاء وبرودة الصيف.. ألوان لا تحصى، في مدينة وديعة وهادئة بقلب الأطلس المتوسط، سموها "سويسرا المغرب" و"تورتيت" أي "الحديقة الدائمة الاخضرار"، عربون طبيعة أخاذة بجمالها تستقطب الزوار المغاربة والأجانب خاصة في الصيف. عين زائر إفران، تجد لها متعة التباهي وحسا جماليا يرقى بالروح إلى ذوق سام ومعنى في هذه المدينة التي لها جذور تاريخية تتغذى من غابات الأرز وجبالها الشامخة، وشلالات وينابيع، ومهرجانات ثقافية أضحت وسيلة لتنشيط يزيد من قوة الإقبال، بعدما استلهمت أصالتها من الطبيعة والتاريخ ولون الكلمة، لمنح المتلقي، حرية التمتع ببصمة تعبيرية راقية. ما أحلى إفران.. وما أحلى جمالولم يخطئ المطرب المغربي إبراهيم العلمي، لما شذا بصوته الطروب، أغنيته المشهورة "ما أحلى إفران وما أحلى جمالو"، التي أبرز فيها مكانة هذه المدينة الخضراء التي اكتشفها المقيم العام الفرنسي إيريك لابون في سنة 1928، في قلوب المغاربة، وما تزخر به من طقس وثروات طبيعية ومؤهلات سياحية تجعل منها قبلة السياح المغاربة والأجانب في الصيف والشتاء.جمال مدينة إفران التي يحلو للبعض نعتها ب"المدينة الملكية" أو "مدينة الملتقيات والقرارات التاريخية"، وغناها بعينات بيولوجية مهمة ساهمت في تطوير وتنوع الصخور الأم من عصور جيولوجية مختلفة، وموقعها ومميزاتها وطقسها الجبلي ومناخها المتوسطي ذي الصيف الرطب، أكبر مشجع للوافدين عليها ممن تستهويهم تلك الأجواء، ويفضلونها على البحر وشواطئه. كل الطرق تؤدي إلى هذه المدينة التي أولاها الملك الراحل الحسن الثاني، اهتماما كبيرا منذ أصبحت مقر للعمالة بظهير ملكي صادر في 18 شتنبر 1979، بعد 5 عقود من تدشينها من قبل الاستعمار الفرنسي بمرسوم وزاري في 16 شتنبر 1929، قبل أن تتم ترقيتها إلى السلم البلدي في يوم 14 يناير 1947، قبل نحو 8 سنوات من استقلال المغرب.كانت الطريق إلى إفران التي كانت دوما المدينة المفضلة للملك الراحل للاستجمام والراحة واستقبال الضيوف ما جعله يولي اهتماما كبيرا وخاصا تواصل قبل 14 سنة مع عهد الملك محمد السادس، انطلاقا من فاس، غاصة بالعربات، نهاية الأسبوع الماضي، يلخص حجم الإقبال عليها الذي يمكن معاينته من أي نظرة وإطلالة عليها انطلاقا من جامعة الأخوين بمدخلها. وما أهلها لاستقطاب هذا العدد الهائل من الزوار، توفرها على عدة مناطق متميزة بغنى مؤهلاتها السياحية، خاصة رأس الماء وخرزوزة وعين فيتال والبحيرة الاصطناعية وميشلفين وضاية عوا وأزرو وواد إفران وعين اللوح وبنصميم وتيزكيت، التي تشكل عناوين جذب في كل الفصول، ومصدر إنعاش مدخول سكانها المعتمدين في حياتهم على الفلاحة والسياحة. قبلة سياحية لا بديل عنهايجد زائر إفران ما يمتع نظره في كل بقعة بها، خاصة في زاوية واد إفران وقريتها وشلالاتها، ومدينة عين اللوح الجبلية ومهرجانها الوطني في فن أحيدوس الأمازيغي، المتميز دوليا والمنظم الأسبوع الماضي، وتصوف زواياها لإعلاء سمو الروح خاصة بسيدي المخفي وسيدي عبد السلام، وما تزخر به من كهوف جاذبة للزوار خاصة في منطقة تزكيت.بينابيعها المختلفة في بنصميم وضايات أمغاس وحشلاف ويفرح ويفر وعوا، وبأسدها القابع وسط هذه المدينة الجميلة، ومحطة التزحلق على الثلج التي تعتبر أول محطة من نوعها بالمغرب، وعيونها وبحيراتها وغاباتها، تقف إفران شامخة بسمعتها السياحية المهمة التي جعلت منها قبلة لا بديل عنها في الصيف والشتاء. وتعتبر زاوية وادي إفران الواقعة على الطريق الرابطة بين جماعة وادي إفران ومدينة مريرت على بعد نحو 20 كيلومترا من وادي إفران، من أهم المواقع السياحية. ويتميز هذا الموقع الذي يعاني ضعف تسويقه سياحيا، باحتضانه أكبر شلال مائي بإفران، وتحدر قاطنيه من الشرفاء العلويين، وما يتخلل مصب النهر من مواقع جبلية وغابوية جميلة، وتوفره على سمك "التروتة". وتنال ضايات أحشلاف وإيفر وإيفراح حصة الأسد من زيارات الميسورين ومحدودي الدخل، رغم أنها مجرد نقطة عبور في اتجاه إفران، حيث وادي تيزكيت وعين فيتال وشلال العذراء وموقع الأسد، أهم المزارات التي تسجل أرقاما قياسية خلال الصيف، فيما تعتبر منطقة ميشلفين من أهم مواقع التزحلق الممتد نشاطها ليشمل تسلق أشجار الأرز خاصة في مهرجان تورتيت.وتعتبر منطقة مودمام من المناطق الداخلة في إطار المنتزه الوطني بإفران، وتحظى بدورها باهتمام زوار المنطقة لمعاينة القردة المتجمعة ولاحتضانه دار الأرز التي ستكون على شكل متحف للتنوع البيولوجي والطبيعي بمنطقة الأطلس المتوسط، بالنظر إلى موقعها المهم عند مفترق الطرق بين الطريق الرئيسية رقم 13 والطريق الثانوية المؤدية إلى ضاية أفنور عبر ممر الأرزنة. أسد شامخ وأرقام زيارة قياسيةتمتاز عين كحلا بتوفر كمية هائلة من أشجار الأرز والاستغلاليات الغابوية، شأنها شأن شجرة كورو حيث يحبذ البعض زيارتها لتفقد حال هذه الشجرة والاستماع بلحظات مع القردة، وعين أجعبون البعيدة بخمسة كيلومترات عن منطقة عين اللوح، والموجود بها منتجع سياحي، فيما تشكل المخيمات نقطة جذب خاصة في مناطق بنصميم ورأس الماء وخرزوزة.وتلعب هذه المخيمات وتلك للأعمال الاجتماعية لمختلف القطاعات الحكومية، دورا سياحيا مهما وأساسيا زاد من شهرة إفران الحاضنة لبحيرات مهمة بينها بحيرة ويوان الموجودة في قعر جبل ويقصدها المصطافون من المنطقة وخارجها، وتعرف بدورها بصيد السمك والصيد البري. وتعتبر من المزارات المحبذة لدى الميسورين، شأنها شأن "قيساريت" على الطريق إليها. يكاد تمثال الأسد القابع في شموخ بقلب إفران، أن يحظى بأكبر اهتمام من قبل زوار هذه المدينة الخضراء. ملايين الزوار أخذوا صورا تذكارية بالقرب من هذا التمثال منذ إحداثه قبل أكثر من سبعة عقود خلت، بل" ما من أحد زار المدينة، ولم يأخذ صورة تذكارية بجانبه تأرخ لرحلته"، إلى حد يجعله أهلا لدخول صفحات كتاب غينيس للأرقام القياسية من بابه الواسع ومن دون استئذان.ويجثم "أسد الأطلس" وسط حديقة بمركز المدينة وهو صخرة منحوتة كان من ورائها هنري جان مورو مدرس الفنون التشكيلية بالرباط الذي أنجزه سنة 1930 بمساعدة مجموعة من المساجين الألمان، قبل أن يستهوي تمثاله وزئيره الخافت، زوار المدينة على غرار تلهفهم لاكتشاف ما تزخر به من مناظر خلابة تستحق التفقد والزيارة، خاصة في عين فيتال والغابات النادرة.وتجعل غابات الأرز والصنوبر والعديد من الأشجار النادرة الوجود التي تعتبر من أهم الخصوصيات البيئية للمدينة، من إفران "جنة" خضراء لا تذبل على مدار الفصول والأزمنة، فيما تشكل المآثر وباقي المواقع السياحية، قبلة للزوار من مختلف ربوع الوطن ومن خارج حدوده، بينما يبقى تمثال الأسد معلمة "لا يفوت أي زائر فرصة زيارته لإفران، دون تفقدها وأخذ صور للذكرى". 17 فندقا بطاقة 1290 سريرا تشير أرقام المندوبية الإقليمية للسياحة بإفران، إلى وجود 17 فندقا مصنفا بطاقة استيعابية تقدر بـ 1290 سريرا، مقابل عدد مماثل من الفنادق غير المصنفة بطاقة 377 سريرا. وأكدت أن شهر غشت، أكثر أشهر السنة، تسجيلا لليالي المبيت، بنحو 11364 ليلة، مقابل 8437 ليلة مسجلة خلال شهر يناير، متحدثة عن 66509 ليلة مسجلة خلال سنة واحدة. تلك الأرقام لا تميز بين الموجه منها إلى السياحة الجبلية وغيرها، وبين نسب الزيارة في كل موقع على حدة، أو بين طبقات السياح الوافدين الذين يرتفع عددهم بشكل صاروخي خلال نهاية الأسبوع، إلى درجة استحالة العثور على مأوى في كثير الأحيان، خاصة خلال انعقاد المهرجان الدولي تورتيت، المولود الثقافي المراهن عليه للمزيد من تسويق الصورة السياحية للإقليم. هذه المعطيات إن استغلت بالشكل الأكمل، ستجعل من إقليم إفران، يضاهي أكبر المناطق العالمية المهمة في مجال السياحية الجبلية والبيئية من قبيل هولندا وسويسرا وكندا وتركيا واليونان، خاصة بالنظر إلى تنوع المؤهلات والطاقات السياحية والمنتوجات المحلية التي تساهم في تثمين الموروث الثقافي المحلي، من قبيل إنتاج خيمة الأطلس المتوسط. هدوء "لوزان المغرب" هدوء "لوزان المغرب" كما يحلو للبعض نعتها، يستهوي الكثير من المغاربة والأجانب، إذ يضرب الإقبال عليها أرقاما قياسية خاصة في يوليوز وغشت، فيما تتفاوت حظوظ بعض المزارات، بشكل يفرز صنفين من الزوار، بعضهم أغنياء يبحثون عن مواقع خاصة جدا، وآخرون لا حول لهم غير الانصهار مع بقية الناس البسطاء الذين يكترون منازل مفروشة بأثمنة ترتفع صيفا.ويلاحظ تطور مهم في مجال المآوي، وتطور البنية التحتية مع تطبيق مشروع "بلادي"، وبناء أكاديمية محمد السادس لألعاب القوى ووجود جامعة الأخوين، فيما يتوفر إقليم إفران على مؤهلات يمكن أن تجعل منه "قطبا سياحيا" خاصة في مجال السياحة الجبلية والبيئية. محطة وتنشيط ثقافي لإقلاع سياحي يعتبر مشروع محطة إفران السياحية المندمجة، أحد أهم ثماني محطات سياحية ضمن مخطط "بلادي". ويروم توفير عرض إيوائي ملائم لحاجيات الأسر المغربية بطاقة استيعاب إجمالية تقدر بـ 5764 سريرا، منها 352 سريرا في تسع إقامات فندقية عمودية وعدد مماثل من الأسرة في 15 إقامة فندقية أفقية و1068 سريرا في 14 إقامة سياحية و4 آلاف سرير في مخيم دولي. وتشكل المخيمات 51 بالمائة من مجموع الأسرة التي يوفرها، مقابل 30 في المائة للشقق السياحية و19 في المائة للإيواء الفندقي. ولم يغفل المشروع الذي يعتبر أول مشروع سياحي من مخطط "بلادي" والمقام على مساحة 40 هكتارا و67 آرا في أرض سلالية بمنطقة آيت الطالب سعيد، إقامة مجمع ومحلات تجارية وقاعات للسينما ومطاعم ومرافق خدماتية وأخرى ترفيهية مميزة. ويتيح المشروع المنجز بغلاف مالي يقدر بـ358 مليون سنتيم في إطار الاتفاقية المبرمة بين الحكومة المغربية والشركة المغربية الكويتية للتنمية في 18 أبريل 2008، إنجاز أول ناد مغلق للتزلج على الجليد في القارة الإفريقية، وصالة لممارسة رياضة البولنغ، وملاعب متعددة لممارسة رياضات التنس وكرة اليد ومرافق رياضية أخرى، ومسابح مغطاة ومكشوفة. وسعى القائمون على تسيير دواليب المدينة إلى توفير تنشيط ثقافي وفني مهم للزيادة في الإقبال عليها، بتنظيم أكثر من 14 مهرجانا تتميز بتنوعها، بينها مهرجانات تورتيت والفيلم العربي القصير، وإيتكل والألعاب التقليدية، ما كان له دور أساسي في تشجيع السياحة بإفران بالنظر إلى أهمية هذه التظاهرات في تحقيق الرواج التجاري والسياحي الضروريين.وتروم تلك المهرجانات المحدثة لهذا الغرض، التي تحول الإقليم طيلة يوليوز وغشت إلى قبلة ثقافية وفنية بامتياز، إلى التعريف بنفائس المدينة، وما تنتجه من خيم ومنتوجات تقليدية ومواد عطرية وللتجميل خاصة في بنصميم وعين اللوح. لكن هذا التنشيط ومؤهلات الإقليم السياحية، ما زالت في حاجة إلى مزيد من التسويق خاصة على المستوى الدولي.

إفران…ملاذ عشاق السياحة الجبلية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

دراسة في القانون : من يحمي مهنة العدالة وكرامة العدول

"كوكتيل" قفشات وأغان بدوية في "ريحة الدوار"

مقالات ذات صلة