رموز الغناء العربي قبل ألف عام : ابن سريج.. المغني المقنع

اسمه عبيد بن سريج، وكنيته أبو يحيى، ولقبه «وجه الباب». ولد في زمن خلافة عمر بن الخطاب، وأدرك يزيد بن عبد الملك وناح عليه، وكانت وفاته في خلافة هشام، وقيل إنها كانت في خلافة سليمان أو في آخر خلافة الوليد. وكان عمره لما مات خمسة وثمانين عاما. غنى مرتجلا ووقّع بالقضيب، وضرب، في ما يقال، بالعود، وكان أول من عزف بالعود العربي بعد أن رآه مع البنّائين الفرس الذين كانوا يرممون الكعبة.وتحدث عن شهرة ابن سريج بالغناء، هشام بن مرية أحد أعلام الغناء الذين بلغوا من العمر عتيا بقوله «ما خلق الله بعد داود النبي أحسن صوتا من ابن سريج، ولا صاغ الله عز وجل أحدا أحذق منه بالغناء، ويدلك على ذلك أن معبدا كان إذا أعجبه غناؤه قال أنا اليوم سريجي».وقد أخذ ابن سريج الغناء عن ابن مسجح، ومن أقوال إسحاق ابن إبراهيم الموصلي أن أصل الغناء أربعة: اثنان مكّيان هما ابن سريج وابن محرز، واثنان مدنيّان هما معبد ومالك..وكان المغنون يقدّرون فن ابن سريج، ويعترفون له بعلو كعبه فيه، وإحرازه قصب السبق. حتى إنهم كانوا يصمتون ويجلسون وكأن على رؤوسهم الطير إذا ما دخل مجلسهم. وقد قال فيه بعضهم إنه خُلق من كل قلب بشري، يغنّي لكل إنسان ما تشتهي نفسه.واختلف إسحاق الموصلي وإبراهيم بن المهدي على عدد من الأصوات التي غناها ابن سريج، فزعم الأول أنه غنى ثمانية وستين صوتا، وقال الثاني إن عددها لم يجاوز الثلاثة والستين. وجلسا ينشدان الأشعار التي فيها أصوات ابن سريج فإذا هي ثلاثة وستون شعرا صحيحا. واتفقا عليها، ولما أنشد ابن اسحاق الأصوات الخمسة الباقية قال إبراهيم: أجل هذه الأصوات من غنائه ولكنها مأخوذة من ألحانه في أشعار أخرى غنى بها هو نفسه.كان ابن سريج يغني في بستان ابن عامر في الحج وقت الطواف:لمن نار بأعلى الخيف/ دون البئر ما تخبوأرقت لذكر موقعها/ فحن لذكرها القلبإذا ما أُخمدت أُلقي/ عليها المنديل الرطبفتوقف الناس عن الحج، وحبسوا في مكانهم لجودة الغناء. وما زالوا كذلك حتى جاء ابن سريجَ أحدهم وطلب منه أن يكف عن الغناء ويسرّي عن الحجيج اتقاء الله. فعمل بقول الرجل ومضى في طريقه، فعاد الناس يطوفون كالأول بعد أن حبسهم غناء ابن سريج عن مكانهم.ومن طريف ما يروى عن تأثير غناء ابن سريج في النفوس قصتان، إحداهما جرت له مع عطاء ابن أبي رباح، الفقيه المعروف، وابن جريج، والثانية قصة يزيد بن عبد الملك ومولى حبّابة.أما القصة الأولى فهي أن ابن سريج كان يجلس على شرفة داره عندما مرّ من أمامه عطاء وابن جريج. فأقسم أن يقفا ويستمعا إلى غنائه وإلا فامرأته طالق. وحلف أن يترك الغناء إن هما نهياه عنه، وزجراه فيه بعد سماع صوته. فلم يمانعا، ووقفا للاستماع فغناهما:إخوتي لا تبعدوا أبدا/ وإبلي والله قد بعدوافأخذ ابن عطاء في الرقص، بينما وقع ابن جريج على الأرض مغمى عليه.أما القصة الثانية فمفادها أن يزيد بن عبد الملك سأل يوما المغنية حبّابة إن كانت رأت أشد طربا منه، يفعل فيه الغناء أكثر مما يفعل فيه، فقالت: أجل يا أمير المؤمنين، الرجل الذي اشتريتني منه... فأمر يزيد بإحضار مولاها القديم إلى القصر مقيدا بالسلاسل. ولما جيء بالرجل أدخل إلى المقصورة التي جلس فيها يزيد وهو يستمع إلى غناء جاريتيه المعروفتين حبّابة وسلاّمة. فأمر يزيد سلاّمة أن تغني لحن الغريض في شعر ابن أبي ربيعة الذي يقول فيه:تشطّ غدا دار جيراننا/ وللدار بعد غد أبعدوآية ذلك أن تسمعي/ إذا جئتكم ناشدا ينشدفرحنا سراعا وراح الهوى/ دليلا إليها بنا يقصدفلما دنونا لجرس النباح/ والصوت والحي لم يرقدوابعثنا لها باغيا ناشدا/ وفي الحي بغية من ينشد فاستخف الرجل المقيد الطرب وجعل يتحرك في أصفاده بغية التخلص منها. وأمر يزيد حبابة بأن تغنيه هذا الشعر عينه لكن بلحن ابن سريج. فلم يكن من مولاها إلا أن وثب من مكانه وأخذ يقفز على قدميه الواحدة تلو بعد الأخرى، وهو بادي التأثر والانفعال بسبب الغناء الجيد، ووصل إلى شمعة تحترق فأدنى منها لحيته المسترسلة، فاشتعلت وأكلتها النار، فصاح من الألم، فاستلقى يزيد من شدة الضحك، وأقر بأن هذا الرجل أطرب منه، فمنحه جائزة وسمح له بالعودة إلى أهله وبلده.ويحكى أن ابن سريج لما كان على فراش الموت قال لابنته إنه سيغادر الدنيا وهو مهموم لأنه سيتركها وحدها، ويخاف أن تذلّ بعده فلا تجد من يركن إليها فيعولها. فقالت إنها لا ترى مبررا لغمة أبيها وهي قد حفظت كل الأصوات التي غناها وباستطاعتها أن تكسب منها قوتها، فسرّي عن والدها بعض الشيء، وسألها أن تغنيه ليرى صدقها. فغنت وسرّ عن والدها بذلك، وقال لها: «الآن يمكن أن أموت مرتاح البال».ودعا سعيد بن مسعود الهذلي المغني وزوجه ابنته، وكان سعيد يأخذ عن زوجته كل غناء أبيها، وينتحله حتى نسب أكثر أصوات ابن سريج إليه. إعداد: عزيز المجدوب

رموز الغناء العربي قبل ألف عام : ابن سريج.. المغني المقنع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أطــــر بصيــغة دولــيــــة : عموتة يعيد الاعتبار إلى الإطار المغربي في قطر

شاطىء الوليدية... اكتظاظ في ظل غياب البنيات التحتية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات