حدائق البيضاء … سطو وإهمال

بعضها تعرض للتعرية والتخريب وجزء آخر مغلق أو مشوه بالأشغال تعيش المناطق الخضراء والحدائق عامة بالبيضاء، أحلك أيامها، ففي وقت تدق فيه تقارير ودراسات ناقوس الخطر، حول تراجع المساحات الخضراء بالبيضاء، وتدمير الحدائق، زاد التدبير العشوائي المحلي للمقاطعات والمجالس لهذا الملف الطين بلة، إذ أن جلها إما تعاني الإهمال والتخريب، أو أنها مغلقة منذ سنوات، أومشوهة بالأشغال العمومية، وهو ما حول البيضاء إلى قطعة إسمنتية، وحرم السكان وخاصة الأطفال، من اللعب بهذه الفضاءات، والاستمتاع بالهواء النقي، والهرب من ضجيج العربات وصخب العاصمة الاقتصادية. إنجاز: عصام الناصيري / تصوير (أحمد جرفي) يبدو أن مدبري الشأن المحلي بالبيضاء، لم يستوعبوا بعد أهمية المناطق الخضراء، ولم يستخلصوا الدروس، ليس فقط من الدول المتقدمة التي تولي اهتماما لهذه الفضاءات، لما لها من أهمية، بل أيضا من مدن مغربية، قدمت إشارات إيجابية في هذا المجال، كما هو الحال بالنسبة إلى العاصمة الرباط. سطو في واضحة النهار تحولت المساحات الخضراء بالبيضاء، إلى مشاع يحق للجميع التصرف فيه، فرغم قلة الحدائق بالبيضاء فإن البعض يسطو عليها، ويحولها إلى ملك خاص، في غياب أي نوع من الرقابة، علما أن مجلس البيضاء أطلق ورش الشرطة الإدارية، التي عهد لها بمراقبة الملك العام وتحصينه ضد العابثين به، إلا أن الفوضى ما زالت مستشرية. وفوجئ سكان البيضاء، في الأسابيع الأخيرة، بصاحب مقهى يسطو على حديقة، ويحولها إلى موقف للسيارات، خاص بالزبائن ، ولم يقف عند هذا الحد، بل قام بجريمة بيئية، إذ قطع عشرات الأشجار الموجودة في الحديقة، في غياب تام للسلطات وجمعيات حماية البيضاء، والجماعة الترابية وكل المتدخلين. وعمدت الجهة التي سطت على الحديقة المذكورة، الموجودة في تراب مقاطعة عين الشق، إلى اقتلاع 18 شجرة و43 شجيرة، بطريقة يصعب استيعابها، إذ اصطدمت مقاطعة عين الشق بوابل من الأسئلة من قبل المواطنين، بعد حلولها المتأخر بالمكان، واستدعاء الشرطة الإدارية من أجل تحرير محضر في الموضوع، ومقاضاة الفاعل، إذ يتساءل سكان عين الشق، عن عدم تدخل السلطات والمسؤولين، لما كان هذا الشخص يقتلع الأشجار ويخرب الملك العام. وقال رئيس المقاطعة إن مجلس البيضاء، يتوفر على الصفة المعنوية، من أجل مقاضاة الجهة المعنية بالتخريب، كما أنه من الضروري أن يتحمل المسؤول عن التخريب مصاريف إعادة تشجير الحديقة، غير أن السكان متذمرون مما وصفوه بالعبث، إذ منهم من اعتبر أن هناك شيئا غامضا في هذا الحادث، مستغربين حضور رجال السلطة كلما فكروا في ترميم جزء بسيط من منازلهم، ويستجوبونهم عن الرخص، بينما اقتلع صاحب المقهى عشرات الأشجار ولم «تنتبه» له أي جهة. وهي ليست المرة الأولى التي يسطو فيها الخواص على الملك العام بالبيضاء، إذ قبل أشهر انتشرت صور لحديقة عمومية محتلة من قبل أصحاب الطاكسيات، بشارع محمد السادس، في تناقض صارخ مع الأهداف التي ترفعها الشرطة الإدارية، فرغم احتجاج المواطنين فإن السلطات لم تتحرك، لتحرير هذه الحديقة، وتوفير مكان لائق بأرباب الطاكسيات، الذين يشتكون بدورهم من غياب “باركينغات” لسياراتهم. حدائق ضحايا التخريب كانت حديقة مردوخ الشهيرة، أو الإيسيسكو ثاني متنفس أخضر في مركز البيضاء، بعد حديقة الجامعة العربية، وهي موروث لا يستهان به منذ عهد الحماية، إذ تعتبر خزانا حقيقيا للأوكسيجين، بالنسبة إلى سكان البيضاء الذين يعيشون بجوارها. وتقع هذه الحديقة بين حي الأحباس ومرس السلطان، لكن واقعها اليوم أصبح مأساويا.تكفي وضعية حديقة مردوخ وحدها، سكان هذه المقاطعة، حتى يعاقبوا مدبري الشأن المحلي خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، الذين أهملوا هذا الإرث الطبيعي، الذي تحول إلى منطقة شبه مهجورة، إذ لم يعد السكان يقبلون عليها كثيرا، بالنظر إلى أن كراسيها تعرضت للتخريب، كما أن أرضيتها أصبحت متربة، نتيجة غياب الصيانة وتجديد العشب. ولم يتبق من كراسي مردوخ سوى الدعامات الحديدية، التي أصبحت صدئة بدورها، أما قطع الخشب التي يجلس عليها الزوار، فبعضها أزيل وجزء آخر تم تكسيره، وأصبح الأطفال يلعبون كرة القدم داخل الحديقة، ويدوسون فوق أجزاء صغيرة من العشب المتبقي، كما أن البعض يتمرن داخلها باستعمال الدراجات. ولم تسلم مردوخ من الأزبال، إذ أن الحاويات قليلة، كما أن بعضها أزيل من مكانه، وهو ما يدفع البعض إلى رمي الأزبال داخل الحديقة.ويأسف زائر مردوخ للوضعية التي آلت إليها، بعدما كانت تعتبر ثاني أهم حديقة للبيضاويين. وأما حديقة كريكوان بمقاطعة الفداء مرس السلطان، فإنها أكثر تضررا، فرغم صغر حجمها إلا أنها تشتهر لدى السكان، ويفضلون قضاء أمسياتهم داخلها، لكنها تحولت إلى مرتع للمشردين، وأصبحت "مطرحا" للأزبال، إذ يلاحظ الزائر أكوام الأزبال داخلها، في مشهد مقزز. الأشغال تشوه الحدائق وبما أن الأشغال العمومية تخنق العاصمة الاقتصادية، فإن المساحات الخضراء والحدائق ليست استثناء، ولم ترأف قلوب مدبري الشأن المحلي لحالها، إذ تحولت إلى فضاءات شبيهة بالمدن المنكوبة، إذ أنها "مقلوبة" على آخرها، والعجيب أن هذه الحدائق، تطلق فيها الأشغال ثم تغيب الشركات عن الأنظار، وتترك على حالها، فلا هي بقيت كما كانت ولا أصبحت مهيأة لاستقبال الزوار. ويتعلق الأمر بحديقة المسجد بدرب السلطان، التي عاينت "الصباح"، واقعها المزري، إذ خلفت فيها الأشغال حفرا وأكواما من الأتربة، ومواد البناء والأسلاك، إضافة إلى قطع الحديد والإسمنت التي أزيلت وتركت داخل الحديقة، وكذا أجزاء من طوب الرصيف، وعلى العموم فسكان درب السلطان لم يعد لهم فضاء أخضر يفتخرون به. وينتقل الزائر من مقاطعة إلى أخرى، عسى أن يجد فضاء يسر الناظرين، لكن حال الحدائق ثابت لا يتغير، إذ أن ما ينطبق على حديقة المسجد، ينطبق على حديقة المصلى بعين الشق، التي خربتها أشغال خطوط الطرامواي، ويطول حديقة "صانداي" بحي جميلة 5 بسباتة، إذ أن هذا الفضاء بدوره، شوهته الأشغال ولا يتضح للزائر، أن حاله سيتحسن في المستقبل القريب، لهذا وجب على سكان سباتة الانتظار أشهرا أو أعواما قبل استرداد حديقتهم. أرقام صادمة أشار تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، حول المساحات الخضراء بالبيضاء، إلى أن عددا من مقاطعات العاصمة الاقتصادية، يقل فيها نصيب المواطن عن متر واحد من المساحات الخضراء، بل إنه لا يتجاوز 35 سنتمترا في الحي المحمدي على سبيل المثال، ويتراوح بين 6 أمتار و7 بكاليفورنيا أرقى أحياء البيضاء، في وقت تشدد فيه وزارة السكنى والتعمير على ألا يقل هذا المؤشر عن 10 أمتار، وأما منظمة الصحة العالمية فيصل فيها هذا المؤشر إلى 25 مترا. وسجل التقرير أيضا ضعفا كبيرا على مستوى مؤشر المساحات الخضراء بالمدينة، والذي يحتسب انطلاقا من المساحة الإجمالية للمناطق الخضراء قياسا مع عدد السكان، فإذا كانت مساحة هذه الفضاءات لا تتجاوز 397 هكتارا، وعدد السكان يقارب 3 ملايين و600 ألف شخص، وفق إحصاء 2014، فإن حصة الفرد الواحد لا تتجاوز 1.3 متر مربع، وهو رقم يثير تساؤلات حول سياسة المجلس تجاه هذه المتنفسات الحيوية.

حدائق البيضاء … سطو وإهمال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"بوليساريو" تلعب ورقة خاسرة في نواكشوط

الأكاديمية والفتح ينظمان دوريين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات