ميكو: 90 % من الأنشطة الإنتاجية غير مهيكلة

نجيب ميكو الخبير في الدراسات الإستراتيجية يوصي بمقاربة ثلاثية الأطراف لحل إشكالية التمويل اعتبر نجيب ميكو، الخبير في الدراسات الإستراتيجية والاقتصاد التضامني، أن الجائحة أبانت الأهمية الحيوية لتطوير هذا الصنف من الأنشطة الإنتاجية، إذ كشفت، من خلال عدد الأسر التي استفادت من الدعم العمومي، عن حجم الهشاشة التي تعانيها شرائح واسعة من المجتمع، ما يفرض إعادة النظر في المقاربة المعتمدة بشأن الاقتصاد التضامني، واقترح مجموعة من الإجراءات التي يتعين اعتمادها لتطوير القطاع. في ما يلي نص الحوار: > كنت من بين السباقين للدفاع عن أهمية الاقتصاد التضامني في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كيف تقيم الوضع الحالي ؟ > لم تزد التطورات الأخيرة إلا التأكيد على أهمية الاقتصاد التضامني إلا راهنية وتأكيدا، إذ أن الآثار الاجتماعية والاقتصادية الكارثية لجائحة كورونا على بلدنا، كشفت حجم هشاشتنا الاجتماعية، بالنظر إلى عدد الأسر المستفيدة من الدعم المالي العمومي. كما أبانت الجائحة أن اقتصادنا التضامني، رغم كل مؤهلاته الغزيرة والمتنوعة وكفاءاته العالية، ما زال بعيدا عن أن يشكل حزام الكرامة والأمان الفعليين لملايين المواطنين المعنيين به، فبالأحرى أن يشكل إحدى الرافعات التي يمكن المراهنة عليها للدفع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلدنا نحو المستوى الواجب. فبقدر ما أصبح اعتبار الاقتصاد التضامني محركا من بين محركات الدفع لقاطرة اقتصادنا الوطني مسلما به، بقدر ما يتضح أن طريق تنزيل هذه القناعة الجماعية، ما زال طويلا، في غياب تبلور رؤية مبتكرة وطموحة ونوعية تنقل هذا الاقتصاد من المنطق الحسابي الكمي التراكمي البطيء، ذي الهدف المعيشي، إلى المنطق الهندسي الكيفي ذي الوثبات السريعة والأثر الاقتصادي الكبير، لكي يضطلع بدوره كاملا في ضخ الجرعة المضافة المطلوبة القمينة بجعله مخصبا لنسبة النمو الاقتصادي الضعيفة في بلدنا وسلما للارتقاء الاجتماعي والاقتصادي لشرائح واسعة من المواطنين. > ما وزن أنشطة الاقتصاد التضامني في النسيج الاقتصادي الوطني؟ > لكي نستطيع تقييم وزن الاقتصاد التضامني، يجب أن نعرف مكوناته أولا، ثم مؤهلاته وثقله البشري والاجتماعي. فالاقتصاد التضامني حاضر في البادية عبر منتوجات الفلاحة المعيشية والمجالية، ومختلف إنتاجات الصناعة التقليدية المرتبطة بالمنتوج القروي. كما أنه حاضر في المدينة عبر الصناعة التقليدية الحضرية والمهن المعيشية، التي تدخل في خانة التشغيل الذاتي أو المقاولة النووية أو الصغيرة جدا. أما من حيث مؤهلاته، فهي لا تقل تنوعا، إذ يزخر القطاع بملايين الأطنان من الخضر، والفواكه المعيشية، وزيت الأركان، والزيتون، وزيت الزيتون، والتين، والحبوب، والأعشاب، وزيوتها، والصبار ومشتقاته، والتمور، والزعفران، واللوز، والعسل، والحليب، والصوف، والطين، والغاسول، والنحاس والفضة والخشب، وما إلى ذلك من منتوجات. ولا تضاهي هذا الغنى إلا كفاءة واحترافية ملايين النساء والرجال المغاربة على حد سواء، عبر كل الجهات، الذين توارثوا عبر الأجيال والقرون، معرفة وطنية راسخة ومتجذرة وقدرة على خلق القيمة المضافة بوسائل تقليدية بسيطة، ولكن بكثير من الذوق والتميز والإبداع. > ماهو حجم هذه الأنشطة في الناتج الداخلي؟ > لن أكون مجازفا إن قلت إن ما يناهز 90 % من كل هذه المؤهلات والأنشطة والطاقات تشتغل في إطار غير مهيكل، ما يجعل من الصعب تحديد نسبة ما تمثله في الدخل الوطني الخام، أو نسبة ما تشغله من يد عاملة، إلا أن استقراء منطقيا لواقع الاقتصاد، الذي لامسته عن قرب كبير عبر مجموع الجهات وعلى مدى سنوات، يجعلني أؤكد أنه يتجاوز 20 % من الدخل الوطني الخام، ويشغل ما يناهز 10 ملايين مواطن ومواطنة ويشكل مورد رزق أكثر من ثلاث ملايين أسرة. ويمكن التأكيد على أنه اقتصاد حيوي واستراتيجي بكل المقاييس، اقتصاد الذهب البني (نسبة للأرض) المتجدد والقابل للتكاثر عبر توسيع فضاءات الإنتاج و تحسين وسائله، إنه يمثل خزان حقيقيا لا ينضب بفرص شغل وقدرة على إنتاج دخل قار مستمر. > ما الدور الذي يمكن أن تعلبه البنوك في تنمية القطاع؟ > إن تمويل الفاعلين القطاع يعد، حاليا، مخاطرة لا يتحمل نصيبا منها إلا بنك القرض الفلاحي، باعتباره بنكا عموميا وبعض من ممولي القروض الصغيرة جدا. ويرجع السبب الرئيس في ذلك إلى عدم قدرة نسبة كبيرة من المستفيدين على أداء الدين، على الأقل في موعد استحقاقه، نتيجة عدم قدرتهم على تسويق منتجاتهم كشرط واجب الوجود لذلك. ومن تم، فإن التحول البنيوي المطلوب بإلحاح، هو العمل على تجاوز هاته الإكراهات، وانفتاح البنوك الوطنية على هذا الاقتصاد الضخم. ويتعين بلورة رؤية مبتكرة في مجال تمويل حاجيات الاقتصاد التضامني، تواكب الرؤية الاقتصادية المأمولة وتقوم على منطق جديد يكمن في تحويل معادلة التمويل الحالية محدودة الفعالية، من منطق العلاقة الثنائية بين الفلاح الصغير أو التعاونية أو المجموعة ذات النفع الاقتصادي، من جهة، والبنك أو مؤسسات تمويل القروض الصغرى جدا من جهة أخرى، إلى منطق علاقة ثلاثية الأطراف، تتشكل من المنتج والورشة، التي سيتم فيها تثمين وتعبئة المنتوجات، ومن طرف ثان متمثل في شركة التعاضد والتسويق، التي تضطلع بتعاضد مشتريات مستلزمات الإنتاج وبتسويق المنتوج وتحصيل مداخيل البيع، و طرف ثالث يتمثل في البنوك ومؤسسات التمويل. > ماهي آثار المقاربة الثلاثية على نشاط التعاونيات؟ > بفضل هذه المقاربة ثلاثية الأطراف تتغير كل المعادلة وتتلاشى كل المخاطر، سواء المتعلقة بالتسويق أو تلك التي تتعلق بسداد الدين لمستحقيه، ما سيسمح باستفادة متساوية لكل الأطراف المتدخلة في الاقتصاد التضامني، ذلك أن التعاونية سيتم تزويدها عبر تعاضد المشتريات، بوسائل إنتاج ذات جودة عالية وبأسعار معقولة.كما سيتم أداء مشترياتها من وسائل الإنتاج مباشرة من طرف شركة التعاضد والتسويق، قبل أن تتوصل بالنتيجة التجارية لبيع منتوجاتها، مثلما أن شركات التعاضد والتسويق ستكون مطمئنة على برامج الإنتاج، التي ستسوقها من خلال ضمان تسليم التعاونية لإنتاجها للورشة التي هي منخرطة فيها. وأخيرا ستضمن البنوك ومؤسسات التمويل المختلفة استرداد مستحقاتها عبر ضمانة الشركات التعاضدية والتجارية. دعم مرحلي يتعين على الدولة والجهات، من خلال ميزانيتها وصناديق استثمارية وطنية وجهوية متخصصة، الاضطلاع، في مرحلة أولى، بتمويل استثمارات البنيات التحتية من بنايات وتجهيزات لأوراش التثمين والتعبئة، على أن يتكفل الفاعلون في الاقتصاد التضامني، في مرحلة لاحقة، بتمويل استثماراتهم المستقبلية، التي تدخل في إطار توسعة الاوراش أو تنويع ورفع القدرة الإنتاجية للتجهيزات. وفي كل الأحوال فإن البنوك ستجد دون أدنى شك ضالتها في الاقتصاد التضامني حين يتحول إلى قطاعات اقتصادية مؤهلة وتتضح فيها الأدوار وتستجيب لشروط المبادرة الحرة والفعالية الاقتصادية والربحية والحكامة الجيدة. في سطور: - حاصل على الإجازة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس (الأول في دفعته) - دبلوم السلك الثالث في علم الاجتماع من جامعة "Aix Marseille III"بفرنسا - دبلوم سلك الدراسات العليا من المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات - ماستر في "الإستراتيجية والدراسات الاستشرافية والتدبير" من مدرسة "Essel" - مدير عام سابق لمكتب "مغرب التسويق" - خبير في السياسات الإستراتيجية أجرى الحوار: عبد الواحد كنفاوي

ميكو: 90 % من الأنشطة الإنتاجية غير مهيكلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الباطرونا" تطلق قطار التعاون مع إسرائيل

خنيفرة يتعاقد مع ماليتين وتنزانية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات