نوال البيضة… من معلمة إلى سيدة أعمال رائدة
تركت القسم وغاصت في عالم السيارات
لم تؤمن نوال البيضة يوما بأنها خلقت لكي تعيش في الظل، لطالما كانت امرأة طموحة حباها الخالق بقدرات ذهنية مميزة، وشخصية قوية مولعة بالقيادة، لكن محدودية الآفاق بالمدينة التي نشأت وترعرعت فيها، جعلتها تختار التعليم بداية لمسارها المهني، ونزولا عند رغبة والدها، الذي أفنى عمره في خدمة هذه المهنة النبيلة.
هكذا إذن، وجدت نوال، المتحدرة من آسفي، نفسها تمارس مهنة لا يتجاوز سقف طموحاتها ترقية من سلم لآخر، أو في أحسن الأحوال، تغيير الإطار بعد تحصيل شهادات عليا. ورغم مثابرتها في المجال الذي تخصصت فيه، لم تستطع أن تتجاهل شعور الأسر الذي انتابها حين جلست تفكر في مجريات الدوام المدرسي، وجمود المقررات التي ألجمت طموحها الذي يتجاوز بكثير، جدران حجرة دراسية للأطفال.
لم تتصور نوال يوما، أن زواجها من مدير شركة متعددة الجنسيات، وانتقالها رفقته إلى السعودية بحكم طبيعة عمله، سيشكلان منعطفا مهما في حياتها، إذ تركت التعليم بعد سنوات من الممارسة، ورزقت بطفلين شاءت الأقدار أن يترعرعا ببلد الحرمين الشريفين، قبل أن يقرر أبواهما العودة إلى المغرب وإنشاء مقاولة خاصة بهما بالبيضاء.
كانت هذه المرة الأولى التي تحقق فيها نوال حلمها بالريادة وإدارة مشروع خاص بالعقارات، فظنت أن الحظ ابتسم لها وأن الدنيا أقبلت عليها بوجهها الجميل، ولكن هيهات هيهات، فقد شاءت الأقدار أن تنفصل عن زوجها وتبدأ حياة جديدة من الصفر، اشتغلت خلالها موظفة بمركز خاص باللياقة البدنية، ثم مندوبة تجارية لشركة خاصة ببيع العقارات.
هناك، اكتشفت مهارتها في البيع والتسويق، رغم عدم تلقيها أي تكوين في هذا المجال، وصار همها الشاغل إنشاء مشروع خاص بها تستطيع من خلاله توظيف مهارتها بشكل مميز، وتحقيق أرباح مالية مستحقة بعد سنوات من المثابرة والعمل، صادفت خلالها أزمات قادرة على كسر شوكة الكثيرين بلا هوادة، لكن تصميمها على النجاح جعلها تتخطاها بعزيمة جبارة من أجل البقاء، وتختار من التخصصات المهنية ما يتردد فيه أعتى الرجال، ألا وهو إنشاء وكالة لكراء السيارات.
في البداية لم يكن الأمر سهلا بالنسبة إليها، فقد كانت المنافسة شديدة في مجال يحتكره الرجال، وينظر فيه للمرأة بتشكيك في قدراتها القيادية والتسويقية، لكنها سرعان ما فرضت مكانتها في السوق، وتمكنت، بفضل حرصها على تجويد خدماتها، من كسب ثقة عدد مهم من الزبناء الأوفياء والمزودين، الذين لا يترددون في التعامل معها بأي شكل من الأشكال، ويعتبرونها “امرأة بمائة رجل”.
“رغم اشتغالي مع العديد من الرجال، فقد كنت من النوع اللي كيوقف على شغلو بيديه… تراني أمضي يومي وسط العجلات وزيوت السيارات، وأقف وقفة رجل مقدام في عمله، لا يهاب المواقف الصعبة والعقبات… حتى أنوثتي، لم أكن أشعر بها إلا حينما أرتدي فستانا لكي أخرج رفقة أصدقائي، أو أكون برفقة ابني وابنتي اللذين تابعا دراستهما في فرنسا …”، هكذا تختصر نوال حديثها عن عملها في الوكالة التي أنشأتها في 2012، بمنطقة المعاريف في البيضاء.
بعد ثماني سنوات من الريادة في مجال كراء السيارات، فرضت جائحة كورونا على نوال إعادة حساباتها في ما يتعلق بطبيعة شغلها الذي لا يخلو من عقبات، فارتأت ضرورة إنشاء مشروع آخر أقل تأثرا بالأزمات وأقرب تخصصا من مجال عملها، فقررت إنشاء مركز للفحص التقني للسيارات والشاحنات، وخوض غمار تجربة أخرى برعت في تسييرها وتفردت بأنها إحدى النساء المغربيات، ممن تخطى عزمهن على النجاح بكثير، خوفهن من الفشل.
يسرى عويفي