ليس هناك قانون ولا منطق يجعلان من العقار المهمل عقارا ناقصا أو معتلا أو بدون مالك له (3/3) من الناحية القانونية، مثل هذا الإجراء قد يعقد مهمة المحافظ ويجعله في حيرة من أمره، هل عليه تقييد هذه المراسلة طبقا للفصول 65 و 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله بالقانون 14 – 07، وهذا إجراء يتناقض كل التناقض مع قانون التحفيظ العقاري، وهل بالإمكان إدماجه ضمن الفصول المذكورة أعلاه ؟ بالفعل لا يمكن ذلك، مما يدل على أن الإجراء الذي قامت به وزارة الداخلية مجرد إخبار المحافظ العقاري الذي يبقى مسؤولا عن تصرفاته ومنها قبول أو عدم قبول أي إجراء أو تصرف في العقار المهمل. وحتى وإن كان مهملا، أين هو المشكل طالما أن مالكه موجود لأنه مقيد كمالك له ولو كان غائبا أو ميتا. فإذا كانت كلمة عقار مهمل تعني بأن العقار لا مالك له، وهنا ينهض قانون التحفيظ العقاري في وجه من يدعي أن العقار المحفظ لا مالك له، لأنه ليس هناك قانون ولا منطق يجعلان من العقار المهمل عقارًا ناقصًا أو معتلا أو بدون مالك له، ذلك أن نظام التحفيظ العقاري لا يقبل مثل هذه التحريات والتأويلات. وحتى لو افترضنا بأن عقارا ما تم وصفه بالمهمل، فالعبرة بالمحافظة العقارية لا بالمعاينة الميدانية،لأن هناك العديد من الفيلات والشقق والقطع الأرضية مهجورة. أين هو الضرر؟ مؤخرا أخبر مالك قطعة أرضية مسيجة بأن عقاره يعتبر مهملا، وبمجرد سماعه الخبر استشاط غضبا وصرخ قائلا: " وهل هناك قانون يرغمني أن أوجد في أرضي العارية؟". يتضح من خلال هذا الجواب بأن هذا الشخص لا يتقبل ما سمعه رغم أن الهدف من الحملة التي تلت الرسالة الملكية السامية هو حماية المالكين الحقيقيين من حرمانهم من ممتلكاتهم إلى حين ظهورهم للدفاع عن عقاراتهم. عموما، إذا اعتبرنا بأن ما قامت به السلطات الترابية، وهي مشكورة طبعا على مع قامت به، لا يرقى إلى قرار أو منع أو قانون، فإن المحافظين العقاريين مدعوون إلى اتخاذ التدابير اللازمة والتصرف في حدود قانون التحفيظ العقاري كلما تبين لهم أن الأمر لا خطورة فيه على مسؤوليتهم، ولا نظن أن المحافظين يعتبرونه أمرا ملزما لهم لأن نظام التحفيظ العقاري يعلو ولا يعلى عليه. ومن باب تحصيل الحاصل، يجب أن لا نعتبر هذا الإجراء تقييدا له أثره المنشئ وقوته الثبوتية التي تغل أيادي مالكي هذه العقارات المهملة، وتشل كذلك أيادي المحافظين. كما لا يمكن تصور رفع اليد عن كلمة عقار مهمل أو التشطيب عليها، لأن التشطيب يقتضي التقييد، أي محو آثار التقييد السابق. وإذا كانت الإشارة لعبارة عقار مهمل في الرسم العقاري الأم وتم تأسيس رسوم عقارية فرعية، فهل كلمة عقار مهمل تنتقل إلى هذه الرسوم العقارية الفرعية في إطار التجزئة أو الملكية المشتركة، أم أنه يتم الاستغناء عن هذا الوصف ومحو كل آثاره من البيانات المعلوماتية؟ هذا من جهة أولى. ومن جهة ثانية، فإذا تم تفويت العقار المهمل أو جرى رهنه أو انصب عليه حجز تحفظي، فهل المحافظ مسؤول عن وضعية العقار المهمل، بعد أن قبل المسؤول بتغير معطيات الرسم العقاري للملك المهمل؟ إن العقار المهمل يبقى رسمه العقاري متمتعا بكل مقوماته ومواصفاته كباقي الرسوم العقارية الأخرى، كما لا يطوله التقادم، وحتى في حالة وفاة مالكه تحتفظ المحافظة العقارية بمالكه إلى حين إيداع رسم إراثة الهالك المقيد. وهذا على خلاف الأمر بالنسبة للعقار غير المحفظ الذي يمكن أن ينتج عن إهماله ضياع حق مالكه الذي غاب عن عقاره واختفى لزمن طويل، لأن العقار غير المحفظ تسري عليه الحيازة الفعلية، ومن الممكن أن يكتسب بالحيازة إذا توفرت شروطها القانونية. وهكذا نستنتج بأن الهدف من جرد العقارات المهملة المحفظة بالخصوص، وكما جاء على لسان وزير العدل آنذاك، ومذكرة المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية هو حرص المحافظين ويقظتهم وتمعنهم ومراقبتهم المشددة كلما كانت بين أيديهم قضايا تتعلق بعقارات مهملة. بمعنى عليهم الزيادة في الاحتراز، ومؤدى ذلك أن هذه الرقابة لا تخرج عن مقتضيات الفصول 72 و74 و96 و97 من ظهير التحفيظ العقاري، لأن المسؤولية واحدة لا تختلف ولن تتغير أبدا، سواء كان العقار مهملا أو غير مهمل، فلا فرق بينهما. اليوم يتخوف المواطنون من شراء عقار مهمل كما لا يمكن رهنه لفائدة المؤسسات البنكية لاعتقادهم بأن العقار لا مالك له أو به مشاكل قانونية، وبالتالي لا يمكن المغامرة في شرائه أو رهنه، الأمر الذي يشكل عرقلة حقيقية للاستثمار العقاري. انعدام إخبار العموم بهذه الإشارة أفضل من معرفة أنهم بصدد التعامل مع عقار مهمل سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة،لأن هذه الطريقة لا تخدم مصلحة أطراف المعاملة العقارية، على اعتبار أن الهدف من هذا التنبيه كما سبق التأكيد على ذلك؛ هو إخبار المحافظين دون إمكانية إيصاله إلى علم العموم مادام أن هذا الإجراء ينحصر نطاقه وتتحدد غايته في تنبيه المحافظين بشكل داخلي وليس علنيا. ويترتب عن علم الناس به إثارة الهلع والاضطراب في النفس، وينتج عنه ضرر لمالكي العقارات المعنية. خاتمة: من الإيجابي والمهم أن يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بمجرد توصله بلائحة جرد العقارات المهملة بوضع إشارة في الرسم العقاري تفيد بأن العقار مهمل، وهي عبارة عن ضوء أحمر لا أقل ولا أكثر، ينبه المحافظ لضرورة الاحتراز أكثر وتوخي الحذر وتكثيف وتدقيق كل عملية تتعلق به دون علم العموم بأن العقار مهمل، بمعنى أنه يجب التأكد من مالكه في حالة ما تم تقديم طلبات تقييد بشأنه. وعلى هذا الأساس، لا تشكل الشارة الواردة في الرسم العقاري أي منع من التصرف أو قيد أو حجز ولا حتى بيان، ولا أثر لها على الرسم العقاري ووجودها كعدمه إلا من حيث دورها التنبيهي والاحترازي. وإذا تم تقديم طلب تقييد بشأن العقار موضوع الشارة المذكورة، فإن المحافظ على الأملاك العقارية يقوم بممارسة صلاحياته التي يستمدها من القانون ولا داعي لانتظار مراسلة وزارة الداخلية لإزالة الإشارة، لأن مهمتها انتهت بمجرد إحالة لائحة الجرد على المحافظة العقارية. ولا يمكن تصور الرجوع إلى الجهة المصدرة للائحة التي لا دخل لها في ما يتخذه المحافظ من قرارات إيجابية أو سلبية بخصوص العقار المهمل. وفي الأخير نتمنى أطراف المعاملات والتصرفات العقارية توحيد منهجية العمل الإداري على مستوى المحافظات العقارية خدمة للصالح العام، وسعيا لرقي وتعزيز المنظومة العقارية وحماية الملكية العقارية على مر العقود، واستتباب الطمأنينة في نفوس المغاربة والأجانب، وأن تضع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية حدا لهذا الجدل والغموض في مفهوم كلمة "عقار مهمل"، والتي اتخذت نطاقا واسعا وتأويلا مجانبا للصواب ومخالفا لمضمون المذكرة الصادرة عن المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية. * محافظ ممتاز سابقا وموثق حاليا