العيون تستعيد إيقاعها بعد أحداث الفوضى

آثار الحرائق والدمار بادية على الأحياء المتضررة من الأحداث وعمليات الترميم جارية على قدم وساق بعد مرور قرابة شهرين على الأحداث الدموية التي عرفتها مدينة العيون، إثر ما أصبح يعرف بقضية مخيم "اكديم ازيك"، ما زالت عاصمة الأقاليم الجنوبية للمملكة تعيش على إيقاع التوتر والإحساس بالخوف من "تكهرب" الأجواء مرة أخرى، محاولة استعادة طبيعة حياتها العادية. توتر لم تستطع أن تبدده ثلاث ليال من السمر والسهر عاشها سكان العيون في إطار فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان "روافد أزوان" الذي احتضنته المدينة أخيرا. لا يكاد المرء يطأ بقدميه أرض مطار العيون، حتى يراوده إحساس غريب بالتوتر، يزداد تأكدا على مر أيام زيارته للمدينة التي عرفت أخيرا أحداث شغب وفوضى، إثر تفكيك مخيم "اكديم ازيك" الذي بدأ شكلا من أشكال الاحتجاج وانتهى إلى مجزرة رهيبة ونار أحرقت اليابس في هذه المدينة الصحراوية التي يعتبرها المغرب عاصمة أقاليمه الجنوبية. الأمن يحيط بك من كل جانب، وأينما وليت وجهك داخل الأحياء التي وقعت فيها الأحداث، تقع عيناك على آثار التخريب والحرائق البادية بوضوح على واجهات العمارات والمحلات التجارية والوكالات البنكية. حرائق... وإعادة ترميمفي شارع مزوار، تنتظر عمارات دورها من أجل الهدم بعد أن تعذر تماما إصلاحها، في الوقت الذي بوشرت فيه عمليات ترميم عمارات أخرى لم تنل منها النار كثيرا. واجهات المحلات التجارية الخالية من كل حركة في هذا الحي، كلها تقريبا مهشمة. في حي الفتح، احترقت مقاطعة بأكملها بعد إشعال قوارير البنزين فيها، واضطرت السلطات إلى تحويل مكانها إلى حي آخر.في "راس الخيمة"، أحد الأحياء التي وقعت فيها أحداث العنف، يزاول الخضارون والميكانيكيون وأصحاب الدكاكين الصغيرة مهنهم في أجواء عادية. السكون يخيم على الفضاء، وهدوء ما بعد العاصفة، سيد المكان. واحد من السكان التقته "الصباح"، قال "الحياة مستمرة في الحي رغم كل ما تشاهدونه من آثار الدمار"، وأشار بسبابته نحو إحدى الوكالات البنكية المهشمة تماما، وقال بنبرة أسف "فركعوها"... ثم أضاف "هذه الوكالة نموذج للتخريب الذي تعرضت له أحياء العيون ذلك اليوم". العيون... بيروت أيام الحربفي حي مولاي رشيد، أمام مدخل مقر الإذاعة الجهوية للعيون ومدخل قناة العيون الجهوية التي تعرضت للهجوم أثناء الأحداث الدموية، ترابض 3 دوريات مشكلة من عناصر من القوات المسلحة الملكية وأفراد القوات المساعدة وقوات التدخل السريع (السيمي) بسياراتها الزرقاء المهيبة، ترصدان الداخل والخارج والمار من أمامها. صحافي من قناة العيون الجهوية قال ل"الصباح" إن أجواء الاشتغال عادية جدا داخل المؤسسة، رغم أن قوات الأمن لا تكاد تبارح المكان"، ليضيف "قبل الأحداث، كان رجال الأمن يقفون أمام مقر القناة لكن ليس من أجل حراستها، بل ذريعة لرصد تحركات الانفصاليين من الأحياء المجاورة حيث تكثر المناوشات وترفع الشعارات المضادة للوحدة الترابية"، ثم استطرد ضاحكا "حين هاجم محدثو أفعال الشغب الأخيرة مقر القناة وحرقوا سياراتها ودمروا كل ما صادفوه أمامهم، كنا نسمع زغاريد من نوافذ جيراننا الذين يقطنون قبالة المقر".جميع الأحياء التي عرفت أحداث الفوضى والشغب في ذلك الاثنين الأسود، تعيش على أنقاض ما هدم من عماراتها ودمر من مصالحها. التجول في شارع السمارة مثلا، يعود بك إلى صور مخزنة في الذاكرة من أيام الحرب على بيروت أو كابول... طرقات محفرة... زجاج على الجنبات... سيارات و"تراكسات" محروقة عن آخرها مكومة في "باركينغ" خاص في انتظار التخلص منها... مقاه مدمرة... محلبات و"دروكريات" أقفلت أبوابها من أجل الإصلاح... في حي الأمل، احترقت الدائرة الخامسة للشرطة، وحطم "الشو روم" التابع لشركة "هيونداي" وحرقت جميع سياراته، (أغلبها رباعية الدفع "كات كات")... مرافقنا، وهو واحد من سكان المدينة الذي عايش الأحداث، أكد لنا أن العديد من أصحاب المحلات أعلنوا إفلاسهم، كما أن بعض سكان ما يعرف بالداخل، والذين كانوا مستقرين بالعيون، جمعوا أمتعتهم وغادروا بعد أن فقدوا كل شيء... وأضاف "لقد نهبت الأموال من داخل البيوت. جل البنوك تعرضت إلى التدمير والحرق لكنها لم تسرق، لصعوبة فتح خزاناتها، اللهم بعض الوكالات التي أخذ منها المشاغبون بعض الأموال القليلة. لقد قصدوا منازل بعينها وكأنهم كانوا يعرفون ما تخفيه جدرانها من أموال"... "اكديم ازيك"... الربع الخاليتفصل بين مخيم "اكديم ازيك" والأحياء التي عرفت أحداث الفوضى مسافة تقدر ب 12 كيلومترا قطعها محدثو الفوضى دون كلل أو ملل، ودمروا في طريقهم كل شيء. مروا من أمام الثكنة العسكرية في "الجبيلات" دون أن يرف لهم جفن... وقربها قتلوا وذبحوا من الوريد حتى الوريد. وتحت شمس شتوية حارقة، يطلق عليها الصحراويون "شمس الغدير"، اتخذت السيارة التي كانت تقل "الصباح" وجهتها نحو مدينة السمارة (طريق فوس بوكراع) حيث "اكديم ازيك"، نقطة الانطلاق الأولى لما وقع في ذلك الاثنين الأسود. في الطريق نحو المخيم، وضعت العديد من الحواجز الأمنية. وما إن تجتاز "الباراج" الأول حتى توقفك نقطة تفتيش أخرى على بعد مسافة قصيرة فقط، لتتكرر الأسئلة نفسها والأجوبة نفسها. تقيم قوات الدرك والأمن في تلك الطريق الصحراوية القاحلة، داخل خيام نصبت لاحتواء عناصر الأمن والوحدات المتنقلة في دوريات منتظمة. المخيم الذي كان يفور ويغلي فوق نار الاحتجاجات والاعتصامات، خال من كل أثر للحياة. عادت الأرض خلاء كما كان عليه الحال قبل تفكيك المخيم، وعاد القاطنون بالمنطقة إلى دورهم ورعاية غنمهم، وكأن شيئا لم يكن. وحدها التعزيزات الأمنية المكثفة في المنطقة تذكر العابرين أن عاصفة قوية مرت من هناك.العيون ترقص وتغنيالحياة في العيون عادت إلى طبيعتها رغم الإحساس بالتوتر السائد في هذه المدينة المسيسة بامتياز. السكان يحيون أعراسهم بشكل عاد (صادفنا منها عرسين) والمدينة احتضنت مهرجانها الموسيقي "روافد أزوان" في دورته الثالثة. فضاءات ساحة المشور وأم السعد حيث نظمت السهرات الغنائية، استقبلت العديد من الجماهير وصل عددها إلى 50 ألفا تقريبا في سهرة الاختتام. مسابقات الفروسية و"التبوريدة" استقطبت جمهورها أيضا ومباريات الشعر والزجل الحساني كذلك. أحد الناشطين الصحراويين أكد ل"الصباح" أن أغلبية الجمهور الحاضر من الداخل، والدليل تفاعلهم مع أغنيات الشعبي والراي. أما "الصحراويون الأصليون فما زال الوقت لم يحن بعد بالنسبة إليهم من أجل الفرح"، يقول. ربما لهذا السبب وزعت بعض جمعيات المجتمع المدني بالعيون بيانات قبل يوم من انطلاق المهرجان تدعو إلى مقاطعته معتبرة أن الاحتفال استهتار بمشاعر السكان.ورغم أن حفل الافتتاح كان فاترا ولم تحج جماهير كثيرة إلى الساحة حيث صدح "جيل جيلالة" وعبد الرحيم الصويري بأجمل أغانيهم، فإن الساحة نفسها امتلأت عن آخرها بالجمهور خلال الحفلين الأخيرين، وانتعش بائعو سندويتشات "كفتة" الجمل وبائعو "البابوش" الموجودون بالجوار، ليعيش أهل العيون، الذين يعشقون السهر إلى ساعات متأخرة من الليل، 3 أمسيات على إيقاع "العيطة" المرساوية و"الدبكة" اللبنانية، في محاولة منهم للفرح، بعد الأحداث الدامية التي تركت المدينة فوق صفيح ساخن.

العيون تستعيد إيقاعها بعد أحداث الفوضى

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنكيران: لا أستبعد استقالات أخرى في صفوف الحزب

تقرير أوربي يتهم المغرب بمعاداة الأقليات الدينية

مقالات ذات صلة