fbpx
خاص

بيزنس التاروت … “شوافات موديرن”

عرافون يقدمون قراءات خاصة مدفوعة وزبائن مثقفون يتطلعون لكشف المستور

يبدو أن قراءة الطالع والفأل بأوراق “الكارطة”، لم تعد ممارسة مدرة للأرباح كما هو الحال بالنسبة إلى أوراق “التاروت” أو ما يسمى “التارو”. هذه الوسيلة التي تعد حديثة العهد في المملكة، سرعان ما اكتسبت صيتا واسعا في صفوف المولعين بكشف المستور والتنبؤ بالمستقبل، إذ حظي ممارسوها بآلاف المتابعين والزبناء الأوفياء على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة ممن يرغبون في قراءات خاصة ودقيقة مدفوعة الأجر.
“الصباح” حاولت التواصل مع بعض قارئي “التارو”، كي تطلعكم على تصورهم للممارسة التي يقومون بها، مع عرض شهادات أشخاص مؤمنين بقدرتها على تحديد التوافقات الشخصية للعلاقات العاطفية، والمساعدة في اتخاذ القرارات المتعلقة بفرص العمل وأحوال الصحة وخطط الزواج والطلاق.

إنجاز: يسرى عويفي

ترتكز قراءة “التارو”، حسب ما تحمله بعض الكتب المتخصصة، على تأويل دلالات بطاقات تحمل أرقاما ورموزا مختلفة، غالبا ما يحتاج مفسرها إلى خليط من المعرفة والحدس والقدرة على التبصر، أو إلى مجرد القدرة على التلاعب النفسي وتحليل الشخصية والإقناع، وفقا لما يؤكده عدد من المشككين.

بطاقات وكتيب تعليمات

يقول فؤاد (اسم مستعار)، وهو ثلاثيني مجاز، يعرف نفسه بأنه خبير في قراءة أوراق “التاروت”، إن “هناك دلائل ومراجع رقمية خاصة بتلقين أساسيات القراءة للمبتدئين، منها المجانية والمدفوعة، توفر للمولوعين بقراءة الطالع تفسيرات دقيقة لمختلف مجموعات الأوراق (78 ورقة في كل مجموعة)”، مشيرا إلى أن التميز والاحترافية في القراءة يكمنان في جعلها امتدادا لطاقة القارئ والاتصال بها بشكل وثيق، ناهيك عن بلورة قدرته على التبصر.
وعن بداية قصته مع “التارو”، أخبرنا فؤاد، الذي رفض الكشف عن هويته بحكم طبيعة اشتغاله عرافا له آلاف المتابعين في مجموعة فيسبوكية مغلقة وأخرى للعامة، (أخبرنا) أنها “كانت عند اكتشاف موهبته في قراءة فناجين القهوة وتفكيك الرموز والنقوش الذاتية بجدرانها”، مضيفا “لقد كان أصدقائي يطلبون مني فعل ذلك في كل مرة ألتقيهم داخل مقهى، كما كانوا يثنون على طريقة ربطي للأحداث، وتوظيف حدسي في صياغة قصص وتفسيرات مدققة لها علاقة بحياتهم الخاصة”.
واستطرد محدثنا كلامه قائلا بعد أن تردد كثيرا في كشف “سر مهنته”، لولا اقتناعه بأن هويته لن يتم الإفصاح عنها أو تعريض مصداقيته للخطر، “مع مرور الوقت أصبحت أعمق معرفتي بهذا المجال إلى أن اكتشفت صدفة بعض فيديوهات العرب حول أوراق التاروت، فأعجبت بالفكرة وطلبت من صديق لي مقيم بأمريكا إحضار مجموعة أوراق “رايدر وايت”(أحد أنواع الأوراق) مع كتيب يحوي تعليمات وتفسيرات لمعانيها، وهكذا شرعت، شيئا فشيئا، في نشر فيديوهات أستعرض فيها قراءات عامة غالبا ما تستند على الأبراج  أو أغراض معينة  يتم تخيير المشاهد بينها، قبل عرض نتيجة القراءة بناء على انجذابه لأحدها”، مؤكدا أن جميع المحتويات التي ينشرها في مواقع التواصل الاجتماعي “لا تظهر وجهه أو اسمه، بل فقط يديه وأدوات عمله (أوراق “تارو” وبلورات وأحجار وشموع وبخور وفناجين قهوة…إلخ)”.

حصص مدفوعة وطقوس تطهير

أكد فؤاد أن مقاطع الفيديو التي كان يبثها عبر قناته بـ”اليوتيوب”، لقيت تفاعلا كبيرا في صفوف بعض المغاربة والمشارقة، ما دفعه لإنشاء مجموعة خاصة على الموقع الأزرق (فيسبوك) لطالبي القراءات الخاصة (تشمل الحياة العاطفية والعملية والصحية والأسرية)، ومعظمهن ربات بيوت أو نساء مثقفات يؤمن بتكهنات الأبراج، مع تحديد ثمنها في 200 درهم للحصة الواحدة (حصص عن بعد أو داخل منزله)، واشتراط الدفع عبر إحدى وكالات تحويل الأموال المعروفة بالنسبة إلى الأجانب.
واستدرك الشاب حديثه قائلا “رغم أنني أتعامل مع معظم زبنائي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنني أفضل استضافتهم شخصيا من أجل تمكينهم من خلط أوراق “التارو” بشكل مباشر، ونقل طاقتهم إليها”، مشيرا إلى أنه يقوم بـ” تطهير مجموعة الأوراق التي يستخدمها بعد كل حصة، وذلك عن طريق دفنها في الملح لمدة أربع وعشرين ساعة، أو تمريرها على لهب إحدى الشموع بسرعة، كي يخلصها من أي طاقة سلبية قد تكتسبها فتؤثر على قراءته المقبلة”.
أما عن تشكيلات وأنواع الأوراق، فيعدد محدثنا 78 بطاقة في كل مجموعة أوراق، 56 منها تكشف شؤون الحياة اليومية وتدعى السر الأصغر، فيما تعكس الـ 22 المتبقية الجوانب الروحانية الأعمق من مواقف الحياة، على حد قوله، مبرزا أن “بعض بطاقات السر الأصغر تساعد القارئ في بعض الأحيان على استبيان ما تحكيه الأوراق الأخرى أثناء قراءة التوزيعات، كما ترفع له اللبس عن بعض الأمور الغامضة التي لم يتمكن من فهم تأويلاتها منذ الوهلة الأولى”.

توفير الراحة النفسية 

من جهتها، ترى ملاك، وهي مغربية مقيمة في مصر، لها قناة “يوتيوب” متخصصة في قراءة التاروت، أن “علم التارو يساعد المرء على الحصول على الراحة النفسية والتخلص من القلق والتشويش، مع توضيح رؤيته لبعض المشاكل الشخصية التي قد يعجز عن إيجاد حلول لها، إما بسبب كثرة المشاغل أو زخم الحياة وتعقيداتها”، مؤكدة أن “ما تقوم به لا علاقة له بالسحر والشعوذة، بل مبني عن تجربة، وأن القراءات التي تقدمها للناس قد لا تكون حتمية ونهائية، بل هي مجرد محاولة منها لجرد وقائع من الماضي وفهم الحاضر، ثم التنبؤ بالمستقبل الأقرب للحدوث”.
وكمثال على دلالات الأوراق التي تشتغل بها من نوع “آليستر كراولي تحوت”، تقول محدثتنا في اتصال هاتفي مع “الصباح”، “هناك ورقة في كل نوع من المجموعات، يظهر فيها رجل أبيض طويل الشعر يحمل وردة بيده وعصا بها قفة على أحد كتفيه، تدعى ورقة “الأبله”، وترمز لبراءة الشخص وسذاجته بالإضافة إلى توفر فرص متاحة له عما قريب، ثم ورقة ملكة السيوف، التي تدل على أن الزبون له القدرة على استخدام عقله وحكمه غير المتحيز مع الحفاظ على المرونة والانفتاح على الآخر، أو أنه يميز المواقف دون تأثير العاطفة ودائم البحث عن الحقيقة، أما بطاقة العالم فتشير إلى انفتاح عوالم جديدة وإمكانية سفره قريبا لبلدان أخرى، وغيرها من البطائق ذات التفسيرات العديدة التي تروي قصصا مختلفة لكل شخص”.

خوارق وتلاعبات
أما في ما يتعلق بتصور المولعين والمشككين لمصداقية “التارو”، فتخبرنا أميمة، وهي موظفة بيضاوية تبلغ من العمر 24 سنة، أن “متابعة القراءات الدورية لعرافي التاروت، خاصة تلك التي تستند على الأبراج، تساعدها على التخلص من الضغوطات اليومية والتوتر الذي تعيشه، كما تجعلها تشعر بصفاء ذهن وراحة داخلية لا مثيل لها”، مشددة على أن معظم التأويلات التي يقدمها القراء المحترفون “تكون حقيقية وواقعية لدرجة قد تجعلك تؤمن بقدراتهم الخارقة والاستثنائية على التكهن وتحليل الأشخاص، كما تسمح لها بالتعرف على خبايا شخصيتها والوقوف عند مكامن ضعفها لتقويتها وتجاوز العقبات”.
بالمقابل، يرى عبد الجبار، وهو طالب يدرس بجامعة السويسي بالرباط، أن “ممارسي هذه الموضة الجديدة من “التشوافيت” يكونون على قدر كبير من الفراسة والذكاء، إذ تكون توقعاتهم في معظم الأحيان غامضة بشكل يمكنهم من إسقاطها على أكثر من حالة، كما يبذلون مجهودا كبيرا في تعلم أساسياتها لأنهم يتعاملون مع زبناء لهم درجة معينة من الوعي”.
ويضيف الشاب البالغ من العمر 25 سنة قائلا “إن لعبة التارو قائمة على خليط من التمثيل الجيد والتلاعب النفسي، ففي الوقت الذي يقوم فيه الكثير من قارئي الطالع بالغش وجمع المعلومات عن الأشخاص قبل لقائهم، يركز هذا النوع من القارئين على تقديم معلومات لا تحتاج معرفة مسبقة بالزبون من قبيل : وقوع حادث مؤسف في الطفولة، أو الإصابة بندبة قديمة على الساق أو الركبة، أو إضاعة أحد أقراط أذنه المفضلة، قبل أن يتم ربطها بأمور أخرى كالإصابة بالعين أو السحر وما إلى ذلك”.

الشعباني: اللعب على نقاط الضعف
أما عن دوافع اللجوء للعرافين من أجل قراءة الطالع وحل المشاكل الشخصية، فيقول علي الشعباني، باحث متخصص في علم الاجتماع، إن”المؤمنين بتنبؤات العرافين ومعتقدات المشعوذين والدجالين وقارئي الفناجين والتاروت وغيرهم، هم أشخاص غير قادرين على حل مشاكلهم أو تحقيق أي نجاحات بالاعتماد على أنفسهم وكفاءاتهم العقلية وقدراتهم الخاصة، كما أنهم يفتقدون الثقة في أنفسهم لبلوغ أهداف ما، والشخصية القوية للحسم في أمورهم الحياتية، أو تحقيق الربح أو الحصول على اهتمام وحب شخص ما”.
ويضيف المتحدث ذاته، في اتصال مع “الصباح”، أن “العرافين بصفة عامة يستغلون مكامن الضعف السالف ذكرها من أجل خداع الناس والتلاعب بعقولهم واستغلال سذاجتهم وغبائهم، إذ غالبا ما يعتمدون على سرد العموميات غير الثابتة والخصائص التي قد يعتقد المرء أنها مميزة له دون غيره، ما يدفعه للتفكير في إسقاط تلك الأمور على تفاصيل حياته ومن تم تحليل سلوكات الأشخاص الموجودين في محيطه”، مشيرا إلى أن ضحايا “هؤلاء المحتالين ينبهرون بما يقدمونه لهم من معلومات زائفة ومبنية على الخداع، كما يشرعون في الترويج لهم والدعاية لما يقومون به، بشكل تلقائي، مع مرور الوقت”.

أصل التسمية
اختلفت الروايات حول أصول تسمية “التاروت”، بين من تقول إنها كلمة مركبة من مفردتين هيروغليفيين أساسيين (“تا” و “رو”) معناهما “الطريق الملكي في مصر القديمة”، ومن تدعي أنها مقلوب كلمة توراة (في إشارة إلى كتاب التوراة السماوي).
وذهبت بعض الروايات الأخرى إلى أن أصل الكلمة هندي (تعني باللغة الهندية البطاقات والأوراق) أو لاتيني (مأخوذة من كلمة “روتارو” ومرادفها الدائرة)، كما ذكرت بعض المراجع أنها ترجع لكلمة “تارو” وهو نهر يسير في شمال إيطاليا (من أوائل المناطق التي انطلقت منها أوراق التاروت).

تاريخ النشأة
تباينت الآراء حول الموطن الأصلي لـ”التاروت” حيث قيل بأن أولى مجموعاته ظهرت في الفترة بين 1410 و1430 م بميلان الإيطالية. كما ترجع بعض المراجع أصول “التارو” إلى الحضارة المصرية القديمة، مؤكدة أن كهنة المعابد كانوا يستخدمون أوراقه لتدوين أسرار حضارتهم في شكل رموز، اعتقادا منهم بقرب انتهاء تلك الحضارة، ولكن هذا الاعتقاد استبعد بعد اكتشاف “شامبليون” لحجر “رشيد” وفكه لرموزه.
وفي رواية أخرى ذكر بأن “التاروت” قد انتقل إلى أوربا عبر قبيلة من الغجر قادمة من بلاد الشرق “الهند” عبر بلاد فارس، وقامت بتصدير الشكل الأولي للتاروت، حيث استخدمه الغجر في قراءة الطالع والمستقبل من خلال الصور الموجودة على تلك الأوراق والتي تدعى “أتونس القديمة”.
وفي السياق ذاته، نجد نظرية أخرى تصدق ظهور “التاروت” في عصر التنوير بأوربا، وتحديدا خلال الفترة ما بين القرن الرابع عشر والسابع عشر، وذلك على يد جماعة من “الأرديين” الذين قاموا بتسجيل معتقداتهم على 22 لوحة تشبه بطاقات “التاروت”، وتدعى “الرواق الكبير”، إذ يقول دارسي “الكابالا” بأن الـ 22 رسما لتلك الطائفة الأردية، يعد نظاما متناسقا مع الـ 22 حرفا للأبجدية العبرية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى