دراسة في القانون: التجديد والاستقلالية في انتخاب المجالس الجهوية للموثقين (2/2)

مهنة التوثيق في حاجة إلى هيأة وطنية مسؤولة ومستقلة لقد مر على صدور القانون المنظم لمهنة التوثيق العصري ما يقرب قرنا من الزمن، إذ صدر أول قانون في هذا المجال في 24 ماي 1925، و قد نجمت عن هذا الجمود التشريعي مشاكل وصعوبات أثرت بشكل كبير على الموثقين وعلى مستقبل المهنة. ولذلك فقد طرحت تحديات وإكراهات كثيرة لإصلاح هذا القانون وتجديده بغرض ملاءمة المهنة مع محيطها الاجتماعي والاقتصادي ولتلبية حاجيات طالبي خدمات التوثيق في أفق تحقيق الأمن القانوني، والرفع من شروط تشجيع المبادرة الفردية لكافة المستثمرين والمنعشين الوطنيين والأجانب. فالحكمة في انتخاب أعضاء ورؤساء المجالس الجهوية، لا تقف عند حد التمثيل المهني وإنما تتعدى الى أن هؤلاء الأعضاء، يجب أن يتحملوا المسؤولية التاريخية، للدفع بالمهنة للانخراط في إصلاح منظومة العدالة، الشئ الذي لا يكفيه التمثيل على المستوى الوطني أو الجهوي، إنما الأمر يستدعي الاجماع الوطني لكافة الموثقين، ليس فقط على ضرورة دمقرطة الآليات الانتخابية وإنما أيضا تخليق الجو العام للتوثيق، لأن المهنة في حاجة الى هيأة وطنية مسؤولة ومستقلة لها صلاحيات واسعة وإرادة قوية للتخليق وتوسيع آليات المراقبة.لقد أراد المشرع من انتخاب الهيآت التمثيلية للموثقين أن تكون أولا جهوية، فعلى صعيد كل دائرة محكمة استئناف، يؤسس مجلس جهوي متى كان عدد الموثقين المزاولين في الجهة لا يقل عن 30 موثقا، وعندما لا يبلغ هذا النصاب القانوني، يتم الحاقهم بأقرب جهة )المواد 118 و 119 من قانون رقم 09 ـ 32 المتعلق بمهنة التوثيق(.وأهمية هذا التمثيل الجهوي، يرجع بالأساس أن المشاكل والصعوبات التي تعرقل عمل الموثقين، غالبا ما تكون محلية وناتجة عن سوء فهم بعض النصوص القانونية وعدم التجاوب مع أهداف التوثيق، التي تتجلى أساسا في حماية الصالح العام.وهكذا يتضح مدى جسامة المهام الملقاة على عاتق الموثقين وضرورة العمل على تطوير وترسيخ الثقة لدى المواطن والإدارة معا، من حيث أن دور الموثقين، جزء لا يتجزء من العمل الذي تؤديه الدولة عبر مختلف مؤسساتها.فهذه العملية الانتخابية تشرف عليها وزارة العدل، من خلال لجنة على صعيد كل محكمة استئناف تتشكل من مستشارين اثنين على الأقل ونائبين للوكيل العام للملك وستة موثقين، يتم اختيارهم من بين موثقين غير مترشحين لمنصب رئيس المجلس الجهوي ولا لعضوية هذا المجلس.ويشترط المشرع في المادة 120 من القانون المنظم لمهنة التوثيق والتي أحالت بدورها على المواد 107 و108 من القانون نفسه، على المترشح لعضوية المجالس الجهوية أقدمية خمس سنوات من العمل الفعلي و10 سنوات لعضوية رؤساء المجالس الجهوية، بالإضافة إلى ألا يكون المترشح قد تعرض لعقوبة تأديبية، باستثناء عقوبة الإنذار أو قد صدرت في حقه عقوبة أو متابعة في قضية تمس بالشرف أو المروءة.ولا بد أن نشير إلى مسألة اشتراط أن يكون الموثق، المترشح لعضوية المجلس الجهوي، مارس عمله بشكل فعلي لمدة لا تقل عن خمس سنوات، لا تمس قيمة الموثق المعين حديثا في شيء، كل ما في الأمر، أن المشرع أراد أن ينبه إلى المسؤولية الملقاة على الممثلين للمهنة، إذ تتطلب منهم الوقت الكافي لتدبير أمور التسيير في الوقت الذي يكون فيه الموثق المعين حديثا، منكبا على التسيير اليومي لمكتبه سواء تعلق الأمر بتكوين مساعديه أوتوجيه مستخدميه، لأن مسؤولية العمل تتطلب الحرص والحذر الشديدين من جميع مكونات المكتب، ولذلك على المجالس الجهوية أن تضع أمام أعينها أن هذه الفئة من الموثقين، يجب أن تعنى باهتمام خاص من أجل أن توفر لهم الجو الملائم للممارسة سواء تعلق الأمر بتقديم يد المساعدة والنصيحة والترشيد والتكوين ومنح لهم أدوات العمل خاصة المتعلقة منها ببرامج التسيير وبرمجة العقود التوثيقية والمحاسبة. كما يجب على الممثلين للمهنة، العمل على توفر التسهيلات البنكية لهذه الفئة من الموثقين، تحت الضمانات الفعلية للهيأة الوطنية للموثقين، وذلك بالانخراط في عقود شراكة مع بعض المؤسسات المالية، وخاصة منها صندوق الإيداع والتدبير لتضمن لهم مجانية القروض.فمثل هذه الواجبات وغيرها كثيرة، يجب أن يلتزم بها العضو أو الرئيس في المجلس الجهوي على اعتبار، أن عنصر التآزر والتضامن من أهم ما تنص عليه المواثيق المهنية على الصعيد الدولي، التي تفرض على المهنيين محاربة كل أشكال الاحتكار وكل أساليب المنافسة غير المشروعة وعدم مس كرامة الموثقين وخاصة في الآونة الأخيرة، إذ أصبح يلاحظ ممارسات غير أخلاقية في استعمال أساليب غير مقبولة وغير واضحة في جلب الزبناء. وترجع جل هذه المشاكل إلى عدم تنظيم سوق الخدمات القانونية، بالرغم من وجود ترسانة قانونية محكمة لجل المهن المنظمة، إذ نجد كثيرا من النصوص القانونية والتنظيمية تعرف تعطيلا لها، إما لكثرتها أوعدم تجانسها مع بعضها البعض وإما لعدم مواكبة هذه التشريعات بالنصوص التطبيقية والدوريات التي من شأنها أن تضيئ طريق الممارس القانوني وتوحد العمل والمساطرالمعمول بها.و يعتبر فتح ورش إعادة تنظيم سوق الخدمات القانونية الذي يلتقي فيه المحامي والموثق والمستشار القانوني ومكاتب الوكالاء العقاريين والبنوك والشركات المالبية بمختلف أنواعها، من أهم التحديات التي يجب أن ترفعها الدولة في شخص مؤسساتها. فعلى مستوى مهنة التوثيق على الممثلين للمجالس الجهوية، أن ينكبوا على دراسة هذا المجال الحساس في أفق إخراج مدونة لأخلاقيات المهنة، التي ستوضح مختلف العلاقات التي تربط الموثقين فيما بينهم وبين الموثقين والزبناء، أي مستهلكي الخدمات التوثيقية وبين الموثقين بمختلف الإدارات سواء كانت عمومية أو خاصة، كما يجب أن تتناول هذه المدونة كيفية تمثيل الموثقين أمام الإدارات العمومية والمساطر المتبعة أمام القضاء وإحداث أجهزة المراقبة الداخلية وأجهزة الصلح والتحكيم للدفاع عن المصالح المعنوية للموثقين وتحديد مكانيزمات الانفتاح على مختلف المهن القانونية و القضائية و التقنية لتبادل الخبرات والاستشارات.ولابد أن نشير إلى أن هذه الطموحات وغيرها، تعتبر من أهم نقاط جدول أعمال المجالس الجهوية للموثقين على الصعيد الوطني، لأن تجديد وتحديث المهنة واستقلاليتها كمهنة حرة منظمة ومسؤولة، لا يمكن أن ترقى خدماتها الى المستوى المطلوب دوليا، إن لم نؤسس لمهنة حرة مستقلة تمارس عملها تحت المراقبة الصارمة للسلطة الوصية والوزارة المكلفة بالمالية (المادة 65 من قانون 09 ـ 32) مع الاشتراك الفعلي للمجالس الممثلة للموثقين لأن حماية ممتلكات وأموال المواطنين واستتباب الأمن القانوني والاجتماعي من الأهداف السامية، التي يضمنها أسمى قانون في المملكة المغربية ألا وهو الدستور. بقلم : أحمد بلغربي, موثق وباحث

دراسة في القانون: التجديد والاستقلالية في انتخاب المجالس الجهوية للموثقين (2/2)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سباق البطولة ينطلق من جديد

تطورات جديدة في ملف طبيب سوق السبت

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات