اليوم صدمة اخرى , الصدمات تكون اكثر قسوة حين تتعلق بطفل برئ ما زال لم يعرف مكر الكبار. هذه الصدمة لن تكون الاخيرة , وهذا استناج مقبول يصعب تفنيده في ظل توالى الجرائم و تعددها , لسبب بسيط ان سياقات انتاج القسوة و الانحراف مازالت قائمة و ربما تنتعش , و تتطور في ظل نظان السوق اللا-اخلاقي . استدراج طقل خرج لشراء الدواء لوالده , اغتصاب و قتل و دفن في الشارع العام و تحت الاضواء الكاشفة يكشف ان المجرم يملك احساسا بطمانينة , من خلال الاعتقاد ان المجتمع الذي انتح ادوما و صوفيا طالوني و روتني اليومي و توت توك و كيم كارديشانات , و شوفي تيفي , اصبح الانحلال و الانحدار القيمي تجارة و ربحا سريعا , قد يتساهل او قد لاينتبه لجريمة قتل من اجل لذة جنسية قاتلة . اليوم , صدمة و حالة انفعال شديد , الاكيد بعد وقت قصير سيصبح الحدث مجرد موضوع للنقاش , و سيلفه الغياب بسبب النسيان , و ربما ظهور صدمة جديدة و قسوة جديدة و عنف جديد . هكذا اصبحنا نعيس في سلسلة من النسيان , ربما ان وجودنا اصبح وجودا من اجل النسيان , ربما النسيان نعمة في زمن المصائب , و قد يفسر كالية نفسية لاشعورية لتجاوز وضع مقلق كما وضحت ذلك نظريات التحليل النفسي. الجريمة الشنعاء , ليس حدثا معزولا , ان نظرنا الى ذلك من هذه الزواية فالامر سيكون تقصيرا بلا شك , الحدث هو نتاج فعل مجتمعي متعدد و متداخل الابعاد , الكل يطالب بالاعدام و بالاخصاء و بالشنق في الساحات العمومية و بانزال اقسى العقوبات للردع . الامر ليس بهذه البساطة , نحن في حاجة الى استيعاب الصدمة اولا و تفكيك بنيتها و استخلاص الاسباب و الدواعي وراء الفعل القاتل. الجريمة بهذه البشاعة يجب التعامل مع وفق مقاربة متعددة الابعاد و عدم الاقتصار على المقاربة الامنية و القانونية العاجزة عن مواجهة حجم الانحراف المتصاعد . اولا : الحاجة الى الردع وظيفة السجون كمؤسسات عقابية , ليس هي اعادة التربية و الاصلاح و لكن هي التطويع و ترسيخ سلوك عقابي ضد كل من انتهك حقوق المجتمع , و كلما كانت العقوبة قاسية كلما كان مفعول الردع قويا و مؤثرا , الوقائع و الشهادات المتتالية تكشف ان السجناء يخرجون اكثر عدوانية, و اكثر عنفا و هو ما يفسر فشل المنظومة العقابية , منطق الاصلاح و اعادة التربية ترتبط بالقاصرين و هو منطق مقبول تربويا و اجتماعيا حيت يصبح السجن مؤسسة بديلة لاعادة تربية هؤلاء القاصرين مادمت مؤسساتهم الاثلية قد عجزت عن فعل ذلك . اما مرتكبو جرائم القتل و الاغتصاب و الجرائم العنيفة من الراشدين فوجودهم يشكل خطرا على المجتمع , و ان الرهان على اعادة الاصلاح و اعادة الادماج فهو تصور ينطلق من فرضيات غير دقيقة , على اعتبار ان اعادة تربية القاصر مثلها مثل اعادة تربية الراشد . و فق هذا المعنى فان مواجهة المجرمين المرتكبين لجرائم خطيرة لا يمكن التساهل معهم و الرهان على اعادة ادماجهم في محيطهم العام , و انما يجب بناء نظام خاص لاعادة ادماجهم عبر انهاك قواهم الجسدية بما يساهم في انتاج كائنات منهكة و ضعيفة غير قادرة على الاعتداء حتى لو كانت تملك نية ذلك . الامر يستدعي تغيير شاملا في القانون الجنائي و تغيير قانون العفو , بحيت تستثنى هذه الفئة من اي عفو , و ان تخضع لنظام عقوبة متفرد مؤسس على الحرمان و التجويع و الاشغال الشاق , بدل منطق الرفاهية الذي يسود الان في السجون المغريية ارضاء لحفنة من الجمعيات التي تقتات من دعم اجنبي سخي , لانه لا يعقل ان تكون تكلفة السجين اغلى باضعاف من تكلفة تمدرس تلميذ . فالمقاربة القانونية ستبقى قاصرة عن ادراك حجم و عمق المشكلة , لانها تعتبر انه لا جريمة بلا نص , و غير ان النص القانوني و القانون الجنائي المغربي يبق غير ملائم و لا يواكب حجم التحولات المجتمعية التي يعيشها المجتمع و هو ما يفرض تغيير القانون بما يلائم و ليس العكس باخضاع الحدث لمقتضيات النص الجنائي القاصر . ثانيا : الحاجة الى السوسيولوجيا حين تغيب السوسيولوجيا , يخيم الضباب , انها علم وظيفي مهمة تشخيص و فهم مشاكل المجتمع و رهاناته , الجريمة تشكل فرصة من اجل قراءة الفعل باعتباره فعلا مجتمعيا و ليس فعلا معزولا. المدخل السوسيولوجي يشكل اداة وظيفية فعالة لكشف البنية التحتية للفعل الاجرامي من اجل منح صناع القرار طبيعة المشكل في افق ايجاد حلول له بما يضمن النظام العام و يحافظ عليه . بهذا المعنى فان الجريمة في المنظور السوسيولوجي تعتبر بأنها شكل من اشكال السلوك الانحرافي غي قيم وقواعد عيش المجتمع و التي تهدف الى افساد النظام الاجتماعي . اميل دوركايم السوسيولوجي الفرنسي في تفسيره لظاهرة الجريمة و الانحراف اعتبر ان ان الجريمة هي تعبير عن حالة عدم الإستقرار النفسي و الاجتماعي أو حالة الاضطراب والقلق نتيجة التفكك الاجتماعي و انهيار المعايير و القيم الاجتماعية و الثقافية و الروحية , فالانوميا الاجتماعية تعني الافتثاد الى عناصر الارتباط بالمجتمع او ما يمكن تسميته بصفر درجة من الارتباط بين المجرم و المجتمع , هنا تنشا علاقة باردة و ربما علاقة عدوانية مؤسسة على الانتقام و الرغبة في التدمير و الاعتداء , فالانموميا هي شكل من اشكال الانتحار , فالمجرم الذي قام بفعل الاغتصاب لم يكن يبحث عن لذة جنسيو وانما كان يبحث عن تفريغ طاقة عدوانية حاقدة على مجتنع لم تعد تربطه به اية علاقة . اظافة الى المدخل الاجتماعي هناك الحاجة الى المدخل النفسي و المدخل الانتربولوجي و المدخل البيولوجي , كلها مداخل تتكامل من اجل ايجاد تفسير لجريمة ينبغي ان لا يلفها النسيان سريعا. الفرفار العياشي: دكتوراه في علم الاجتماع