بنزاكور: إلغـاء العيـد سيجلـب الإحبـاط

بنزاكور يرى أن قدسية عيد الأضحى ستدفع بعض المغاربة لإحيائه سرا في حال إلغائه أكد محسن بنزاكور، متخصص في علم النفس الاجتماعي، أن لعيد الأضحى قدسية وتمثلا اجتماعيا لدى المغاربة يصعب تجاوزهما، فقد يتقبلون إلغاء عيد الفطر مثلا، لكن ردة فعلهم بالنسبة لهذه المناسبة ستكون أقوى، مشيرا إلى أن عدم حسم الدولة في قرار إلغاء العيد، وتركه أمرا اختياريا، سيجعل معظمهم يحتفلون به، سواء كانت لديهم الإمكانيات المالية أم لا. تفاصيل أكثر في الحوار التالي: < ما هي الدلالة الاجتماعية والرمزية لعيد الأضحى لدى المغاربة ؟ < حينما نتحدث عن الأعياد الدينية لدى المغاربة، بغض النظر عن بعدها العقائدي والديني، فإننا نتحدث عن تمثل اجتماعي للدين وارتباط وثيق بمفهوم الطبقية، يتجلى من خلال الأعداد الكبيرة من الأضاحي التي تباع كل سنة، والمشاكل والتضحيات المرتبطة بهذه المناسبة. والحقيقة أن هناك بعض الحالات الخطيرة التي تصل فيها الأسر إلى الطلاق أو تضطرإلى بيع الأثاث، لمجرد تمثلها لمفهوم الأضحية وتأثير حجمها على مكانة العائلة أمام الجيران والآخر، بالتالي فالارتباط الاجتماعي للأضحية بمكانة الأسرة داخل مجتمع الحي أو غيره، جعل هذه المناسبة تأخذ بعد الاحتفالية والارتباط الوثيق بطقوس خاصة (الذهاب للأسواق والمشتريات والألبسة والحيوية داخل الأسرة)، وليس فقط في ما يتعلق بالبعد الديني الذي هو التقرب إلى الله. إن التمثل الاجتماعي الذي تعكسه المعطيات سالفة الذكر، لا يختلف كثيرا بين الطبقات الاجتماعية، ما عدا الطبقة البورجوازية التي أصبحت تنظر إلى العيد كأنه معاناة إضافية وعبئ، فتراجعت عن إحيائه وأضحت تفضل السفر إلى خارج الوطن، أو قضاء فترته بالاستمتاع داخل الفنادق. < ماذا عن التمثلات الشعبية لهذه الاحتفالية وعواملها؟ < لقد أصبحنا نرى بعض مظاهر المجتمع التي تخرج عن نطاق الأسرة وتتشكل في الأزقة، من قبيل شواء رؤوس الأغنام وجمع أصوافها، والاحتفال بـ"بوجلود"، وغيرها من الطقوس التي تزكي مفهوم الاحتفالية الاجتماعية. أما عن العوامل التي ساهمت في منح عيد الأضحى هذا البعد الاجتماعي، عوض أن يبقى في سياقه الديني المحض، فنجد الفقر الذي يحرم بعض الأسرمن تناول اللحوم طيلة السنة، ما عدا في بعض الظروف المعينة، وأبرزهاالعيد، ثم هناك ثقل العادة المحكمة، الذي يعني أن الأجواء التقليدية لقضاء العيد قد ترسخت بداخل مخيلة الأفراد، وصار لزاما عليهم القيام بها بالطريقة ذاتها، حتى ولو لم تكن هناك ضرورة لذلك، ناهيك عن التقارب الاجتماعي الذي يصحب هذه المناسبة، بالنظر إلى أنمعظم الأصول الاجتماعية للمغاربة تعود إلى القرى، بالتالي فإن الذهاب إلى ما يسمى "البلاد (القرية)" أو زيارة الأحباب للاحتفال، هو ما أعطاها هذا الطابع الاجتماعي. من جهة أخرى، نجد في المقارنة بين الاحتفال بعيد الأضحى في المغرب وغيره من الدول العربية، أن هناك شبه غياب لهذه الطقوس الاحتفالية، يزكي أنها مسألة رهينة بالأصول الفلاحية للمغاربة، وكذا بالتمثل الأسري وحاجتهم للانتماء للحي. < كيف يمكننا الجزم بأن العيد مازال محتفظا بقدسيته لدى الفئات المتوسطة والفقيرة ؟ < لدينا معايير للحسم في أن المغاربة مازالوا يقدسون العيد وشعائره، بل يقومون بذلك بالطريقة التقليدية أيضا، أولها ارتفاع نسبة القروض لشراء الأضاحي (حسب بيانات وتصريحات البنوك ومؤسسات القروض)،واكتظاظ الأسواق والأزقة بالشباب والأطفال خلال هذه المناسبة.كما أن الحكومة تستثمر في هذا المجال من حيث المتابعة الطبية والإعلام والتواصل، لدرجة أنها لجأت إلى ترقيم هذه الحيوانات وتوفير إحصائيات دقيقة لأعدادها، ما يدل على أن هناك عرضايستجيب لقوة الطلب. أما الدليل الآخرعلى ذلك، فإن الأولوية القصوى في قرارات الأسر تصبح لعيد الأضحى، والمؤشر الحاسم في هذه المسألة هو أن غالبية الأسر الفقيرة طالبت بإلغائه بشكل رسمي، درءا للحرج وتداعيات الانتماء الاجتماعي في ظل الظرفية الطارئة،إذ يصل الأمر في بعض الحالات إلى درجة العار والعيب في ما يخص عدم شراء الأضحية، علما أن المطالبة برفعه لا تعني التنازل عنه. < قلتم بأن غالبية الأسر الفقيرة ترغب في إلغاء العيد لكنها لا تتنازل عنه، كيف ذلك ؟ < أعني أن لعيد الأضحى قدسية لديها،فلو توفرت لها الإمكانيات (كتوفير القروض المجانية والمساعدات لها) والظروف المناسبة للاحتفال به، لن تتردد دقيقة في ذلك، والدليل أنه إذا لم تحسم الدولة في قرار رفع العيد وتركته أمرا اختياريا، سنجد أن جل الأسر ستحتفل به، سواء كانت لديها الإمكانية أم لا. ولو كانت الظروف المالية للأسر غير حرجة (معطلة منذ 3 شهور)، وجئنا في ظرفية قرر فيها إلغاء عيدي الأضحى والفطر مثلا، سيكون رد فعلها أقوى في ما يتعلق بعيد الأضحى، لأن المفهوم الديني يقبل أن يصلي الإنسان في منزله تحت ذريعة حفظ النفس، ولكن الأضحية لا علاقة لها بحفظ النفس ولا الخروج، بل هي طقوس وشعائر تقام مرة في السنة، لها مخلفات على مستوى التمثل الاجتماعي والعلاقات والرابط الأسري والعائلي، بل حتى الانتماء القبلي، ولذلك حينما نسمع بعض التصريحات حول إلغائه، فهذا لا يعني أنهم لا يريدونه، بل يدل على تمسكهم به ورغبتهم في نسب المسؤولية للدولة، كي لا يتحملوا حرج عدم توفرهم على الإمكانيات المالية لشراء الأضحية. < في حال صدور قرار إلغاء العيد، ماذا ستكون تأثيراته النفسية والاجتماعية على المغاربة ؟ < سيقع المغربي المتمسك بالعيد في تناقض، إذ سيكون لديه إحساس بالإحباط لأنه لن يقوم بالطقوس، لكنهفي قرارة نفسه سيشعر بالارتياح، لأنه لم يحرج أمام الآخر بأنه لا يملك الإمكانيات للاحتفال بهذه المناسبة. بالمقابل، هناك فئة اجتماعية بسيطة ستصر على الاحتفال(سواء بسرية أو علانية) كيفما كان القرار الذي سيتم اتخاذه،مثلما شهدنا في المرات الثلاث التي ألغي فيها العيد سابقا (في عهد الحسن الثاني)، وهي ذاتها الفئات التي حاولت أن تتحدى الحجر الصحي، إما لأنها ضعيفة أو بدافع الحاجة واضطرارها لأن تخالف القانون، لكن تمثيليتها لن تتجاوز 20 في المائة من المغاربة. ثقافة "الذبيحة" < هل سيؤثر قرار الإلغاء على الفئات التي تؤمن بثقافة "الذبيحة" ورمزية الدم في البناء الاجتماعي ؟ < طبعا، لأن تمثل هذه الفئة من المغاربة للدم، ليس فقط على مستوى الطقوس التقليدية بل من خلال الخرافات التي يؤمنون بها، وهي ليست مسألة بسيطة، لأنهم ينتظرون المناسبات والفرص التي اعتادوا الاحتفال بها عن طريق ذبح الأضاحي بفارغ الصبر والشوق (يؤمنون أنه طقس ضروري للحفاظ على التآخي وصلة الرحم بين أفراد الأسرة)،بالتالي فحينما يحرمون من هذه الفرصة يتكون لديهم إحساس داخلي بالظلم والحرمان في ما يتعلق بعدم إشباع معتقدهم، ما ينتج عنه نفور وردة فعل إيجابية (انسحاب) أو سلبية (عنف). أجرت الحوار : يسرى عويفي

بنزاكور: إلغـاء العيـد سيجلـب الإحبـاط

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرصد الوبائي ليوم الأحد ... تسجيل 138 حالة جديدة

استئناف المطاعم ابتداء من الخميس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات