تدبير صناديق التقاعد سبب أزمتها

العربي الحبشي عضو الفيدرالية الديمقراطية للشغل قال إن الحكومة اختزلت الإصلاح في إجراءات تقنية أرجع العربي الحبشي، عضو اللجنة المركزية للفيدرالية الديمقراطية للشغل، الأزمة الحالية لصناديق التقاعد إلى طريقة تسييرها وتدبيرها منذ عقود. وأوضح عضو الفريق الفيدرالي بمجلس المستشارين في حوار مع «الصباح» أن إصلاح نظام التقاعد المغربي سيواجه تحديات كبرى تتعلق بمديونيته وعدم قدرته على الوفاء بالتزاماته تجاه المستفيدين من المعاش الحاليين والمستقبليين، معتبرا أن الحكومة اختزلت الإصلاح في عدد من الإجراءات ذات الطابع الميكانيكي دون إبداع سياسي. كيف تشخصون الوضعية الحالية لصناديق التقاعد؟يواجه نظام التقاعد ببلادنا تحديات كبرى تتعلق بمديونيته و قدرته على الوفاء بالتزاماته تجاه المستفيدين من المعاش الحاليين و المستقبلين، وتشخيص أنظمة التقاعد يعطينا فكرة واضحة عن عناصر اختلاله الكثيرة.على المستوى الهيكلي هناك تعدد الأنظمة و ضعف القاعدة الديمغرافية، واختلال الإطار التنظيمي من حيث الوضع القانوني، نمط التدبير، الموارد وطريقة تقديم الخدمات، بالإضافة إلى تعدد المتخلين على مستوى قطاع التقاعد حيث هناك غياب لوصي حكومي واحد على القطاع، كما أن نسبة المساهمين في الأنظمة جد ضعيفة، حيث تم تسجيل نسبة 27 في المائة من الساكنة النشيطة في سنة 2009، مقابل معدل 60 في المائة في الدول المماثلة من حيث نسبة النمو الاقتصادي ، هذا في الوقت الذي تسجل فيه دول منظمة التعاون و التنمية نسبة تفوق 80 في المائة.من العوامل الهيكلة أيضا هناك انخفاض مؤشر الخصوبة الذي يتجه نحو الانخفاض من 3.2 سنة 1990 ينتظر أن ينخفض إلى 2 بحلول سنة 2050، كما أن هناك ارتفاع معدل الحياة من 60 عاما سنة 1980 إلى 72 عاما حاليا ليصل إلى 75 عاما في أفق 2050، إلى ذلك ينضاف عام لتدهور البنية الديمغرافية، ذلك أن عدد المساهمين ارتفع بنسبة 60 في المائة مقابل ارتفاع عدد المتقاعدين بنسبة 383 في المائة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، دون أن ننسى معضلة هشاشة التوازنات المالية، بفعل مجموعة من العوامل أهمها انعكاسات برنامج التقويم الهيكلي وسوء التسيير الذي طال مؤسسات التقاعد خلال سنوات السبعينات والثمانينات إلى غاية أواسط التسعينات في ظل غياب الرؤية الاستشرافية والتنبؤية للتدبير. هذا النوع من الإكراهات يكاد يوجد في كل أنظمة التقاعد عبر العالم، ماذا عن الاختلالات الخاصة بالتجربة المغربية؟ ما يميز التجربة المغربية هو عدم تحمل الدولة لمسؤولياتها، حيث كانت لا تؤدي مساهماتها بصفتها مشغلا في الصندوق المغربي للتقاعد، و ذلك بداعي الصعوبات المالية التي كانت تعاني منها ميزانية الدولة آنذاك، وحتى في عقد السبعينات في الوقت الذي لم يكن يطرح فيه هاجس التوازنات المالية، تخلفت الدولة عن تحمل التزاماتها رغم أن عدد الموظفين كان كبيرا وعدد المتقاعدين قليلا، حيث كان عدد مناصب الشغل التي تخلقها الدولة يتجاوز 40000، فكان أن ترتبت على ذلك فوائض مالية مهمة لم تكن لها أية مردودية بفعل تقاعس الدولة في مساهماتها من جهة وعدم الاستثمار الأمثل لهذه الأرصدة المالية من جهة أخرى.خصوصية أخرى ميزت التجربة المغربية في المجال، هو الفساد المالي والإداري والبشري الذي كان يعاني منه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لعقود أفرز وضعية مزرية كان ضحيتها الأجراء ، كل ذلك وسط غياب سياسة واضحة وناجعة للتوظيف الاحتياطي، فمثلا بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يقوم إلزاميا بـإيداع موارده لدى صندوق الإيداع والتدبير مقابل نسبة فائدة ضعيفة لم تتعد 4,65 في المائة سنة 2010.كما تجدر الإشارة إلى ضعف المراقبة خاصة على مستوى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق المغربي للتقاعد، حيث أسند دور المراقبة إلى وزارة الاقتصاد والمالية التي تشرف على التدبير المالي والمحاسباتي، لكنه دور إداري محض ومحدود ويهم فقط نفقات المؤسسات العمومية، هذا بالإضافة إلى عملية المغادرة الطوعية في الوظيفة العمومية وما كان لها من انعكاسات سلبية على مالية الصندوق المغربي للتقاعد ما هو تصوركم للإصلاح المطلوب؟في نظرنا يجب أن تتأسس عملية إصلاح صناديق التقاعد على مجموعة من المبادئ يأتي في مقدمتها التأكيد على دور الدولة كمشغل وضابط اجتماعي وراع للمنظومة، مع إعطاء الأهمية لدور الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين في ورش الإصلاح، وذلك في إطار مقاربة تشاركية شاملة تعتمد التفاوض وليس التشاور.ورش يجب أن يعمل في اتجاه الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية للمنخرطين، وإرساء حد أدنى للمعاش يضمن مستوى عيش كريم للمتقاعدين، مع توفير معدل تعويض صاف يحفظ الكرامة عند الإحالة على التقاعد، والأخذ بعين الاعتبار القدرة المساهماتية للأجراء للحفاظ على قدرتهم الشرائية، و كذلك الشأن بالنسبة للقدرة التمويلية للمشغلين من أجل المحافظة على تنافسية المقاولات.كما أن تصورنا للإصلاح يقوم على مبدأ ضمان نجاعة وديمومة المنظومة، والتوزيع العادل والشفاف للمهام و الأدوار في ظل حكامة جيدة وتدبير دقيق وشفاف للمنظومة. كيف استقبلتم عرض رئيس الحكومة بمجلس الحكومة بهذا الخصوص؟ لقد كانت ردود رئيس الحكومة خلال جلسة المساءلة الشهرية ليوم الأربعاء 09 يناير 2013 الماضي صادمة أبانت عن تبني بنكيران للتدبير التقني للسياسة، حيث اكتفى بسرد إجراءات تقنية صرفة من صميم عمل الإدارة هي عبارة عن توصيات للجنة الإستراتيجية التابعة للصندوق المغربي للتقاعد.مداخلة رئيس الحكومة اختزلت إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد في عدد من الإجراءات ذات الطابع الميكانيكي دون إبداع سياسي ودون القراءة السياسية الواعية التي تأخذ بعين الاعتبار الوضع الاجتماعي من خلال الاجتهاد والتقويم والمواكبة بقرارات جريئة في مجالات أخرى تحفظ للمنخرطين والمتقاعدين المستوى الكريم للعيش في جميع جوانبه.ممارسة من هذا القبيل، أبانت في السابق عن قصور في الرؤيا السياسية الشاملة ذلك أن الاستنجاد الأعمى بمقترحات الجهاز الإداري يشكل خطرا على العمل السياسي الذي يتحمل رئيس الحكومة مسؤوليته. ماهو بديلكم على مستوى الاقتراحات؟نحن في الفيدرالية الديمقر اطية للشغل لنا مجموعة من الاقتراحات يمكن إجمالها في خلق منظومة تقاعد من قطبين أحدهما للقطاع العام والآخر للقطاع الخاص مع الاعتماد الأساسي على مبدأ التوزيع وفق نظام التعويضات المحددة وذلك حفاظا على البعد التضامني للمنظومة في إطار دراسة تبين الجدوى من جمع الصناديق في قطبين. كما نقترح وضع قانون إطار لضمان التنسيق بين أنظمة التقاعد، مع دمقرطة الأجهزة التقريرية للصناديق عبر ضمان تمثيلية وازنة للشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، بالإضافة إلى التنظيم القانوني لآليتي اللجنة الوطنية واللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد لأداء مهامهما في التتبع والمواكبة والتقييم والاقتراح، ومراجعة النصوص القانونية المنظمة لمختلف هذه الأنظمة، بالإضافة تقوية المراقبة التقنية والمحاسباتية لتدبير الصناديق. كما نقترح كذلك أن يتم العمل على توسيع التغطية لتشمل كل الساكنة النشيطة أخذا بعين الاعتبار العدالة بين الأجيال ومقاربة النوع، مع اعتماد مبدأ التدرج وإعطاء الأسبقية للقطاعات المنظمة والقيام بكل الدراسات الضرورية لفئة غير الأجراء النشيطين، مع وضع توازن اكتواري ومالي لضمان الحكامة الجيدة، وتقوية الترسانة القانونية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في الجانب المتعلق بالزجر تجاه عدم التصريح بالأجراء مما سيمكن النظام من تحسين مستوى تغطية للقطاع الخاص والمحافظة على حقوق الأجراء.وتتضمن لائحة اقتراحاتنا مراجعة الإطار المؤسساتي المتعلق بتدبير الفوائض المالية لنظام الضمان الاجتماعي بما يضمن تحسين مردوديتها وسلامتها، إقرار سلم متحرك للمعاشات والأسعار، ثم توفير كل الخدمات الاجتماعية والثقافية والترفيهية للمتقاعدين أسوة بالأجراء النشيطين. هل يعني ذلك أن المطلوب هو إصلاح داخلي دون اعتبار للمحيط الذي تعمل فيه صناديق التقاعد ؟لا، طبعا، على اعتبار أننا في الفيدرالية الديمقراطية للشغل نرفض التدبير التجزيئي للمقاربات لما ينطوي عليه من نتائج عكسية تنتج الفقر والهشاشة، ونعتبر أن إشكالية التقاعد إشكالية مجتمعية معقدة تحتاج ليس إلى إجراءات ذات أبعاد تقنية وميكانيكية، بل إلى قرار سياسي يأخذ بعين الاعتبار إكراهات الصناديق والقدرة الشرائية للمنخرطين وتنافسية المقاولة ومتطلبات التنمية الشاملة.إن إصلاح أنظمة التقاعد يجب أن يندرج في إطار منظومة عامة تشمل حزمة إصلاحات تتعلق بالأجور والضرائب والمقاصة والتكوين والتشغيل وذلك لتوسيع الحماية الاجتماعية وتطويرها حفاظا على التوازن المجتمعي للبلاد. إن تدبير القواعد المؤطرة لأية إستراتيجية تضامنية، تقتضي جعل الحماية الاجتماعية في قلب السياسات العمومية بما يضمن ليس فقط تنافسية المقاولة والمجتمع، بل كذلك تنافسية بلادنا لذلك يجب على الحكومة أن تكون لها الشجاعة السياسية في تحمل مسؤولياتها كاملة وذلك بتخصيص نسبة محترمة من الناتج الداخلي للتغطية الاجتماعية، خصوصا أن الحكومة تدعي أنها تبنت خطا ثالثا أي نموذجا اقتصاديا تضامنيا. نحن نعتبر أن أي مقاربة للإصلاح لن يكتب لها النجاح إذا لم يتم تقويتها وتصليبها بخلق شروط السلم الاجتماعي ثلاثي الأطراف يدعم القدرة الشرائية ويطور الحريات النقابية ويساهم في الرفع من إنتاج الثروة الوطنية. أجرى الحوار: ياسين قُطيب

تدبير صناديق التقاعد سبب أزمتها

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لشكر يكتسح مقاعد "برلمان الحزب"

أول عجز للصندوق المغربي للتقاعد ظهر أواخر 2012

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات