هاني … من “ولد الخيرية” إلى مناضل باسم اليتامى

أنشأ جمعية تُعنى بالمتشردين لمنحهم فرصة للاشتغال في ميادين متعددة لبناء حياتهم من جديد ضمن هذه الزاوية، سنحاول تسليط الضوء على عدد من الشباب العصاميين الذين كونوا أنفسهم بأنفسهم وتحدوا الصعاب بأن جمعوا الحجارة التي في طريقهم وجعلوا منها سلما يرتقون به نحو سماء النجاح، وتحقيق أهدافهم حتى أصبحوا منتجين وسط أسرهم ومجتمعهم وأمتهم. "الصباح"، منحتهم الكلمة للتعريف بأنفسهم وبأفكارهم وأعمالهم وبأحلامهم التي جعلتهم ينسجون قصة نجاح في ظل عالم متغير ومتطور. هاني الحراق، شاب يبلغ من العمر 25 سنة، استطاع أن يحول معاناته إلى نجاح يستحق أن يروى للباحثين عن كيفية الخروج من مستنقع التشرد في الشوارع، كما يستحق أن يكون مُلهما لليتامى والأبناء الذين تخلى عنهم آباؤهم في الشارع والخيرية، التي بدورها تلفظهم إلى الشارع بدون رحيم. شاب نشأ وعاش في مؤسسة للرعاية الاجتماعية، باعتبار أنه يتيم الأبوين، إذ عاش في إحدى الخيريات بالبيضاء إلى أن بلغ 18 سنة، ليتم طرده إلى الشارع بلا أي سلاح لمواجهة المجتمع. دروس الشارع كشف الشاب وهو يحكي تفاصيل عن حياة التشرد التي قضاها بعد تخلي "الخيرية" عنه، أنه بمجرد تشريده وجد أمامه الشارع الذي أصبح بيته يقضي فيه حاجته ويقتات منه وينام فيه، كما أنه كان مدرسته التي تلقى فيها دروس فن التعامل مع حياة لا ترحم. وحول كيفية نجاحه في عدم التأثر بالتشرد في الشارع، كشف أنه حاول ألا يقع فريسة للإدمان على استهلاك المخدرات ومادة "السيلسيون»، رغم أنه عاشر جميع الفئات الطبقية والعمرية للمتشردين في الشارع، سواء منهم المتخلى عنهم أو الفارين من بيوتهم أو المتسولين أو المنحرفين، إذ رغم نفسيته المهزوزة جراء قرار طرده من الخيرية لاستيفائه السن القانونية، إلا أنه كان محصنا بأمل مشرق في حياة صعبة، وهو ما حول ألمه إلى أمل أن يصبح إنسانا نافعا يفيد مجتمعه ووطنه، لأنه كان عند استيقاظه كل يوم يقول «اليوم سأحول ألا أبيت في الشارع». نقطة التحول من خلال احتكاك المواطنين بشكل يومي مع فئة المتشردين، يصعب على إنسان تصديق أنه سيأتي يوم ما وينجح أحدهم في الخروج من عنق الزجاجة، إلا أن الشاب هاني استطاع الهروب من الشارع بعد أن قرر الاعتماد على نفسه بالبحث عن فرص لانتشاله من وضعيته المؤزمة، إذ انطلقت خطته الأولى بطرق أبواب أرباب المقاهي والمطاعم والمحلات للاشتغال عندهم مقابل المبيت والأكل.ولأنه لا يؤمن بالمستحيل، لم يستسلم لوضعيته الجديدة، إذ استطاع أن يحصل على ثقة عاملة رق قلبها لحاله، بأن منحته سطح العمارة التي تشتغل فيها، لينام فيه خاصة أنها رأت شكله لم يتأثر بالعيش في الشارع كباقي المتشردين. إكمال الدراسة بعد أن وجد مكانا ينام فيه ويحميه من ظواهر الشارع التي تؤدي إلى الانحراف، قرر هاني إكمال دراسته واجتاز باكلوريا حر، وهو يعيش في سطح عمارة لمدة سنة وبضعة شهور، وفي الوقت نفسه يشتغل في أعمال أخرى ليقتات. وقبل الاشتغال بمراكز نداء، استطاع أن ينجز بطاقته الوطنية ووثائق تثبت هويته بمساعدة بعض المحسنين والفاعلين، ومكنه عمله الجديد من ربح بعض المال، الشيء الذي ساعده على تحسين وضعيته بكراء بيت يستقر فيه، واستمر في طرق الأبواب إلى أن التقى بخالد سفير بعد تعيينه واليا على جهة البيضاء سطات، الذي سهل له عدة مساطر إدارية لمساعدته لتحقيق حلمه. بداية الحكاية مكنت مساعدة خالد سفير، الوالي الأسبق للبيضاء سطات، للشاب اليتيم من الحصول على فرص عمل، أبرزها الاشتغال مسؤولا مكلفا بمهمة بخيرية الحي الحسني، إذ تحولت علاقته بمؤسسة الرعاية الاجتماعية من مستفيد سابق إلى مفيد، "من نزيل يُطبق عليه القانون إلى مكلف بتطبيق القانون ومؤطر لولاد الخيرية الذين يمرون من الظروف نفسها التي مررت منها". يحكي الهاني الحراق. «تجربة الاشتغال بخيرية الحي الحسني مكنتني لأصبح هاني ديال اليوم، الفاعل الجمعوي الذي عرف كيف يتم تدبير أمور مؤسسات الرعاية الاجتماعية ورؤية المسؤولين كيف تكون، وهو ما مكنني من أن أنشئ شخصية جديدة لإنسان عانى ظروفا قاسية حتى أصبح يدافع عن الطفولة المحرومة، وفاعل حقوقي يعنى بمؤسسات الرعاية الاجتماعية ويناضل من أجل ألا يطرد عدد كبير من الشباب في سن 18 سنة إلى الشارع ويلقون مصيري السابق". إدماج النزلاء استطاع الهاني الحراق تأسيس جمعية مبادرة الأمل والإدماج الاجتماعي، "بناء على تجربتي داخل المؤسسة الخيرية اخترت تأسيس جمعية تعنى فقط بإدماج نزلاء المؤسسات الاجتماعية من بعد سن 18، إذ أستقبل الفئات المعنية لإدماجهم بسوق الشغل وانتشالهم من الشارع والبطالة". وكشف هاني الحراق أن الدعامة الأساسية لجمعيته هي الثقة التي يحظى بها من قبل محسنين وأناس وفاعلين ورجال أعمال، إذ يستفيد من دعمهم في تشغيل النزلاء، "عندما يطرق باب الجمعية نزيل سابق بالخيرية أخبره أنني لا أشتغل بالمنطق الإحساني والتصدق، بل من يرغب في الاستفادة من خدمات الجمعية ويحقق ذاته عليه إظهار قدراته في العمل ليجني الأموال ويحصل على استقلاليته المادية والمعنوية". اليوم أصبح هاني الحراق يتوفر على جمعية يقع مقرها بشارع أنفا من أرقى الأحياء بالعاصمة الاقتصادية، ويظل من أكبر شركائه والداعمين له، عدد كبير من المؤسسات الخاصة، التي يؤمن أصحابها بالعمل المواطن، عن طريق توفير فرص شغل لنزلاء سابقين في الخيريات. مناضل حقوقي ومستشار لم يكتف هاني بجمعيته، إذ استطاع أن يصبح مستشارا لعدد من المكاتب والمؤسسات العمومية والخاصة لتحسين وضعيته المادية، حتى يستطيع إفادة النزلاء الآخرين في مشروعه الجمعوي، كما أنه يقوم بدور استشاري لوزارة التضامن عبر القيام بجولات إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية لتحفيز نزلائها على الاجتهاد وتحقيق أحلامهم. ولأنه مر من جحيم المعاناة بعد طرده من الخيرية بمجرد بلوغه 18 سنة، قرر أن يجعل من وضعية النزلاء قضيته الأولى، إذ يناضل بشكل يومي من خلال مشاركته في المنتديات والمؤتمرات واللقاءات الإعلامية التي تعنى بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، من أجل تحسين وضعية "ولاد الخيرية" وتهيئة الظروف والموارد البشرية واللوجستيكية اللازمة لاستقبالهم من الطفولة إلى 18 سنة، واصطحابهم في مرحلة الشباب لمساعدتهم على إكمال مسارهم الدراسي ومد يد المساعدة لهم لضمان مستقبل زاهر، عوض رميهم في الشارع وتركهم يواجهون مصيرا مجهولا محفوفا بمخاطر البلية والذئاب البشرية. محمد بها

هاني … من “ولد الخيرية” إلى مناضل باسم اليتامى

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سماعات "البلوتوت" تسبب الإرهاق والسرطان

الطعن في رئاسة بلدية الناظور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات