اليزمي يعري واقع 27 مركزا للأمراض العقلية

المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدق ناقوس الخطر حول الخصاص المهول في الموارد البشرية والتجهيزات أسابيع قليلة بعد اعتراف وزير الصحة، الحسين الوردي، بتردي وضعية مستشفيات الأمراض العقلية، التي لم يتوان في تشبيهها، في ندوة صحفية، عقدها أخيرا بالرباط لتقديم حصيلة عمل وزارته خلال الستة أشهر الأخيرة، بسجن «عكاشة»، بل إن الوزير ذهب إلى الجزم بأن حتى العقلاء والأصحاء إن ساقتهم الأقدار إلى دخول إحدى المصحات الأقرب منها إلى معتقلات لن يخرجوا أصحاء، أصدر المركز الوطني لحقوق الإنسان، تقريرا، يعد الأول من نوعه، خص الصحة العقلية ودق أجراس الإنذار حول وضعية المستشفيات في هذا المجال، بعد أن كانت آخر دراسة وطنية خصصت للموضوع أنجزت سنة 2004. خلص إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، خلال تقديمه للندوة التي نظمها المجلس، أمس (الثلاثاء) بالرباط لتقديم نتائج التقرير الأولي حول "الصحة العقلية وحقوق الإنسان: وضعية المؤسسات الاستشفائية المكلفة بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها"، إلى جملة من الاختلالات تعانيها المؤسسات والمراكز الاستشفائية الخاصة بعلاج المرضى عقليا، لخصها في تقادم الإطار القانوني المنظم للمجال، والحالة المزرية لأغلبية المؤسسات، فضلا عن عدم تكافؤ التوزيع الجغرافي والخصاص "المهول" في الموارد البشرية من أطباء نفسانيين وممرضين وكفاءات طبية وشبه طبية يعتمد عليها علاج هذه الفئة من المرضى، فضلا عن غياب آليات المراقبة التي هي مسؤولية وزارة العدل التي تغيب عن زيارة هذه المؤسسات وتعرض المرضى والمهنيين للوصم والإقصاء.وأكد اليزمي أن التقرير الذي أنجز في غضون ستة أشهر، من 27 مارس إلى 6 يوليوز الماضيين، والذي شمل 20 مؤسسة (برشيد وتيط مليل وبوافي بالدار البيضاء ومصلحة الطب النفسي للأطفال بالمركز الاستشفائي الجامعي بالدار البيضاء ومراكز آسفي وسلا ومراكش "مستشفى ابن النفيس ومستشفى سعادة" وبني ملال وخريبكة ومكناس وفاس وطنجة والدار البيضاء "المركز الاستشفائي الجامعي" ومركز أكدال لليافعين بالرباط وتطوان وإنزكان وتارودانت والعيون والحسيمة وورزازات"، جاء في إطار ممارسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لاختصاصاته في مجال حماية حقوق الإنسان سيما تلك الخاصة "بزيارة المؤسسات الاستشفائية الخاصة بمعالجة الأمراض العقلية والنفسية" واختصاصاته في مجال ملاءمة الإطار التشريعي الوطني مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان خاصة المرتبطة بـ"بحث ودراسة ملاءمة النصوص التشريعية والتظيمية الجاري بها العمل مع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبالقانون الدولي الإنساني التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها وفي ضوء الملاحظات الختامية والتوصيات الصادرة عن أجهزة المعاهدات الأممية".تقرير المجلس يهدف أساسا إلى إبراز الروابط القوية القائمة بين الصحة العقلية وحقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها وعدم قابليتها للتجزيء، فضلا عن أنه، يقول اليزمي، «يثير الانتباه إلى تلازم الصحة العقلية والصحة الجسدية وأهمية الصحة العقلية كمكون أساسي للصحة العامة للأشخاص وكشرط أساسي للعيش الكريم والتحسيس بمستلزمات الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وضمان حقوق المرضى في علاج يحترم كرامتهم ومواطنتهم وتحسيس المجتمع بارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض العقلية وجسامة آثارها السلبية على المصاب والاقتصاد والمجتمع، فضلا عن تسليط الضوء على الوضع القائم بالمؤسسات الاستشفائية وتحديد النقائص والاختلالات التي تعانيها والتأكيد على ضرورة إيلاء أهمية خاصة لفئات من المصابين كالأطفال والمراهقين والنساء والمسنين».تقرير المجلس، تعرض بالتفصيل إلى أبرز الاختلالات التي تعانيها المراكز العلاجية للأمراض العقلية، قبل أن يسطر توصيات، وتدابير أكدت على ضرورة العمل بها بشكل آني للنهوض بالصحة العقلية للمغاربة، الذين يتضح أن عدد من يعاني اضطرابات ذهنية منهم في ارتفاع مستمر، لا يواكبه لا ارتفاع الطاقة الاستيعابية ولا جودة الخدمات المقدمة. قانون منظم يعود إلى 1959 نبه الطبيب الجامعي المختص في الأمراض النفسية والعصبية عمر بطاس، وعضو بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان خلال تقديمه لنتائج التقرير الذي حلل مختلف التشريعات المتصلة بالصحة العقلية، إلى أن الإطار القانوني المنظم لعلاج المصابين باضطرابات عقلية، يعود إلى ظهير 30 أبريل لسنة 1959 المتعلق ب "الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها، مضيفا "هذا القانون وإن كان رائدا على مدى سنوات وشكل تقدما هائلا ومكسبا معياريا لا ينكر، إلا أنه بما أنه بقي على حالته ولم يخضع، منذ صدوره إلى أي تعديل، من الطبيعي أنه أصبح متقادما، بل إنه أصبح يفسح المجال للعديد من التجاوزات".ومن جهته، شدد اليزمي، بهذا الصدد، أنه رغم أن مصالح وزارة الصحة أعدت مسودة قانون بديل، "لكن رغم أهميتها وقيمتها، إلا أن المشروع البديل يجب أن يكون موضوع تشاور مسبق واسع قدر الإمكان ويفتح في شأنه نقاش عمومي، وأن يندرج في سياق سياسة إستراتيجية مستنيرة للصحة العقلية تتجسد من خلالها مبادئ حقوق الإنسان". 172 طبيبا نفسانيا و740 ممرضا أورد تقرير اليزمي أن القطاع العام يضم 172 طبيبا نفسانيا و740 ممرضا في الطب النفسي، فيما يشمل القطاع الخاص 131 طبيبا نفسانيا، إذ أكد الدكتور عمر بطاس بهذا الخصوص، أنه "فضلا عن عدد الأطباء والممرضين فإن الطب النفسي في البلاد يشكو نقصا جليا، يبقى بعيدا عن الاستجابة إلى المعايير المقررة والمعترف بها على الصعيد العالمي في هذا المجال".توزيع الأطباء النفسانيين العاملين بهذا المجال يشكو بدوره خللا كبيرا، يظهر في سوء توزيعهم على الجهات والمؤسسات بكيفية غير متكافئة، ف"54 في المائة منهم يوجدون في محور الدار البيضاء – الرباط، فضلا أن عددا لا يستهان به من المؤسسات لا تتوفر سوى على طبيب نفساني واحد، علما، أيضا، أن بعض الأطباء معينون حيث هم ضدا على إرادتهم أو في إطار إجراءات تأديبية ضمنية".الممرضون بدورهم يعانون من اختلالات، عزاها الدكتور الذي قدم نتائج تقرير المجلس إلى عدم وجود نظام أساسي للمرض في مجال الطب النفسي، وعدم تحديد المهام وغياب التكوين المستمر وافتقاد الأمن والحماية، مذكرا بحادثة الدار البيضاء، ومشيرا في السياق ذاته إلى أن طبيبات وممرضات، يعشن ظروفا سيئة في بعض المؤسسات، منها على الخصوص مستشفى تيط مليل. تدابير آنية خلص مجلس اليزمي، في نهاية التقرير إلى جملة من التدابير، أكد على ضرورة اتخاذها دون تأخر، مؤكدا على جسامة المهمة التي تقع على عاتق وزارة الصحة، إذ أوضى المجلس بضرورة التخلي رسميا وإداريا عن إحداث المستشفيات الجهوية السبعة التي كانت مبرمجة، مع تخصيص الميزانية التي كانت مرصودة لبنائها وتجهيزها بالموارد البشرية التي كان من المتوقع أن تؤطرها للمؤسسات العمومية للطب النفسي الموجودة حاليا، حسب حاجياتها.ودعا المجلس إلى حل مشكل جناح النساء بمستشفى تطوان الذي يمس بكرامة وحرية نزيلاته ووقف مسلسل تدهور البنية، فضلا عن تشكيل لجنة مختلطة خاصة لدراسة حالة مستشفى برشيد في كافة أبعادها وتفعيل عملية ترميم هذه المعلمة التاريخية ورد الاعتبار إليها، بالموازاة مع ترميم الموجودة التي تعرف حالة من التدهور الجلي أو الانهيار الوشيك بكل من مكناس وآسفي وخرييكة تأخذ بعين الاعتبار خصوصية هذا النوع من البنيات.المجلس شدد أيضا على القيام في إطار مسلسل تشاركي واسع بتغيير قانون 30 أبريل 1959 بما ينسجم مع المعايير الدولية ويتكيف مع الأوضاع الجديدة للصحة العقلية في المغرب،علاوة على مراجعة القانون المتعلق بالضمان الاجتماعي والتأمين على المرض بقصد تكييفها مع المتطلبات الخاصة للتكفل بالطب النفسي ومراجعة القانون المتعلق بفتح عيادات خاصة مع مراعاة خصوصية الطب النفسي، مؤكدا من جهة أخرى على وضع سياسة للصحة العقلية وتفعيلها من خلال اتخاذ جودة الخدمة والحياة والحق المتساوي للجميع في الصحة العقلية والبدنية ووضع أهداف جوهرية لجميع سياسات الصحة العقلية وبرامجها، لن تتأتى إلا بوضع ميزانية خاصة بالصحة العقلية تبعا لمتطلباتها الخاصة وتخصيص فصل محدد في الميزانية للصحة العقلية. 1725 سريرا لـ 27 مؤسسة تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان دق ناقوس الخطر وأجراس الإنذار بخصوص حالة الصحة العقلية في المغرب، بعد أن تطرق إلى وضعية البنيات الاستشفائية والتجهيزات والموارد البشرية والخدمات المقدمة، إذ سجل فريق العمل، استنادا إلى معطيات قدمتها وزارة الصحة، أن 27 مؤسسة عمومية لعلاج الأمراض العقلية التي يتوفر عليها المغرب تتوفر مجتمعة على 1725 سريرا فقط، علما أن عدد الأسرة في تناقص مستمر دون أن يتم تعويضه.وميز الدكتور عمر بطاس بين مؤسسات علاج الأمراض العقلية، بين 16 مستشفى عموميا متوفرا على مصلحة للطب النفسي وستة مستشفيات متخصصة في الطب النفسي ، وثلاثة مستشفيات للطب النفسي تابعة إلى المراكز الاستشفائية الجامعية بالرباط ومراكش وفاس، ومصلحة للطب النفسي تابعة إلى المركز الاستشفائي الجامعي بالدار البيضاء ومصلحة الطب النفسي للأطفال تابعة إلى المركز الاستشفائي الجامعي بالدار البيضاء، أغلبيتها تعتمد في نمط تسييرها على نظام مرفق الدولة الخاضع للتسيير المستقل، «الذي لا يتلاءم مع طبيعة مؤسسات الطب النفسي» يقول بطاس، مشيرا، فضلا عن ذلك إلى التوزيع الجغرافي غير المتوازن للمؤسسات وخصاص البنيات المتوفرة بالنظر إلى تواتر الإصابة بالأمراض العقلية.المشكلة، يضيف الدكتور بطاس هي وجود بنيات معطلة رغم أنها حديثة البناء والتجهيز، كما هو عليه الوضع بكل من «تزنيت والناظور والحي المحمدي بالدار البيضاء»، فيما بعض الأجهزة غير ملائمة تماما في كل من آسفي وتطوان ومكناس، وأخرى متخلى عنها تماما، مثل ما يقع بمستشفى برشيد، الذي يعد مثلا صارخا في هذا الشق، قبل أن يخلص التقرير، وفق بطاس إلى أن أغلب البنيات لا تستوفي شروط مراقبة وسلامة ملائمة، فضلا عن قصور في الصيانة والمحافظة في عدد كبير من المؤسسات، قبل أن يستدرك «هناك نماذج يحتذى بها، خاصة جناح النساء بسلا ومصلحة الطب النفسي للأطفال بالدار البيضاء»، لكن ما يمكن تسجيله أن تجهيزات المؤسسات الاستشفائية تكون في حالة مؤسفة عموما، إذ «لا توجد وسائل للسلامة ولا تتوفر المؤسسات على سيارات إسعاف، كما أن الأسرة والأغطية هي في حالة سيئة في معظم المؤسسات، والمرافق الصحية بها في حالة خراب متقدم ومعازل لا إنسانية تفتقر إلى أدنى شروط السلامة. غياب العلاج واكتظاظ خانق نبه تقرير المجلس الوطني للحقوق الإنسان حول واقع الصحة العقلية في المغرب إلى أنه إذ كان الاستقبال يجري على وجه العموم في ظروف عادية، فإن القبول ليس متيسرا في جميع الأحوال، خاصة بسبب الاكتظاظ، مشيرا إلى أن الاستشفاء رهين بطبيعة المؤسسة وما تتوفر عليه من وسائل وموارد وأن العلاجات تبقى عموما في حدود العلاجات الدنيا والتقليدية تقريبا في معظم المؤسسات، ذلك أن "الأجيال الجديدة من الأدوية غير متوفرة وغالبا ما لا يتم احترام المعايير المتعلقة بحفظ الأدوية، فضلا عن أن الوجبات المقدمة إلى المرضى تظل غير كافية على وجه العموم وغير متوازنة، ناهيك عن الاختلالات العديدة المسجلة في مجال النظافة التي تمس بحق المرضى في إيواء يحفظ كرامتهم علما أن جسور إعادة الإدماج شبه منعدمة، ما يحكم أحيانا على مسلسل العلاج بالفشل". إنجاز: هجر المغلي

اليزمي يعري واقع 27 مركزا للأمراض العقلية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وزارة الصحة: وضع كارثي بمؤسسات الصحة العقلية

فضيحة نصب كبرى بالمحكمة التجارية بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات