خسائر مالية فادحة في حريق “فندق النجارين” بالبيضاء

أكثر من ملياري سنتيم ضاعت وسط اللهيب وأضرار بالغة في المنازل المجاورة والسكان يبكون حظهم أعطت السلطات الإدارية بجهة الدار البيضاء توجيهاتها بفتح تحقيق في حادث الحريق المهول الذي أتى، في الساعات الأولى من صباح أمس (الخميس)، على أكثر من عشرين مستودعا لبيع الألواح الخشبية ومحلات النجارة والتقطيع الآلي للخشب بوسط المدينة القديمة، أو ما يسمى "الفندق" الكائن بزنقة موحى اوسعيد في زاوية محج الجيش الملكي، الذي يعود بناؤه إلى سنوات الاحتلال الفرنسي. كما خلف الحريق خسائر فادحة في واجهات المحلات السكنية المجاورة، وتسبب في حالة إغماء أصيبت بها مواطنة نقلت، في الحين، إلى قسم الإنعاش بمـــــــستشفى ابن رشد. وحسب مصادر متطابقة من السكان، اندلع حريق "فندق النجارين" في حدود الساعة الثانية إلا ربعا من صباح أمس (الخميس)، بسبب تماس كهربائي بعمودين خشبيين للكهرباء ضمن أعمدة الكهرباء الكثيرة، من هذا النوع، المنتشرة وسط دروب الحي. وقال مالك محل للخشب، مازالت آثار الحمم على وجهه، إن التماس الكهربائي كان يمكن التحكم فيه وإصلاحه، لو قررت مصالح ليدك الاستجابة في الحين إلى نداءات السكان الذين ربطوا الاتصال مع مصالح الشركة الفرنسية في حدود الواحدة بعد منصف الليل، دون جواب.وأضاف القاطن نفسه أن التماس الكهربائي تحول، في لحظة، إلى شرارة قوية، أحرقت العمودين الخشبيين للكهرباء، وتطايرت إلى القطع الخشبية الموضوعة فوق ألواح القصدير التي تشد أسقف مستودعات الخشب ومحلات النجارة والتقطيع، في زاوية صغيرة تضم أربعة محلات، وبسرعة امتدت ألسنة النار إلى داخل المحلات المكتظة بقطع الخشب ومستلزمات النجارة، قبل أن تتحول الشرارات واللهيب المتطاير إلى حريق مهول امتد إلى باقي المحلات الأخرى البالغ عددها أكثر من 20 محلا، ولم ينج من لهيبه غير ثلاثة محلات أو أربعة تقع في الجهة اليمنى من زنقة موحى أوسعيد، عند مدخل محج الجيش الملكي.بالسرعة نفسها، يحكي القاطن نفسه، وصلت ألسنة النيران إلى المنازل المطلة على فندق النجارين من الجهتين، وأغلبها من المنازل الآلية للسقوط بالمدينة القديمة. وعاينت "الصباح" عددا من الشقوق واهتزازات في جدران المنازل المتضررة التي خلعت نوافذها وأبوابها بعد أن احترقت بالكامل، كما وصلت ألسنة النيران إلى داخل البيوت، محدثة أضرارا بليغة في الأثاث والأواني المنزلية وأجهزة التبريد والطبخ والأجهزة الكهربائية.بعد ساعة من بداية الحريق، تصل إلى الحي أول سيارة للإطفاء اضطر سائقها إلى الالتواء عبر الدروب الضيقة للوصول إلى مكان الحريق، قبل أن يعود أدراجه، بعد أن فشل الإطفائيون في العثور على نقطة مركزية للتزود بالماء، في هذه الأثناء كان "جيش" من شباب الحي شمر على سواعده وشرع في إطفاء الحريق بوسائل بدائية معتدمين على دلاء الماء وقطع "الخيش" وملاءات مبللة، معرضين أنفسهم للخطر، إذ أصيب عدد منهم بحروق بدرجات متفاوتة، ورفضوا التوجه إلى المستشفى خوفا من تحقيقات الأمن. بموازاة ذلك، نشط عدد من اللصوص و"الشماكرية"، من أبناء الحي نفسه، الذين اقتحموا محلات النجارة وبعض المنازل المجاورة، مدججين بآلات حادة وأسلحة بيضاء بحثا عن المال أو أشياء صالحة للبيع.وعاب السكان وأصحاب محلات النجارة وصول السلطات الأمنية وسيارات الإطفاء والوقاية المدنية وسيارات الإسعاف متأخرة إلى مكان الحريق بأكثر من ساعتين ونصف ساعة، حسب تصريحات متطابقة لهم، وقال أحدهم إن رجال الإطفاء وجدوا صعوبة في العمل وتمديد خراطيم المياه والاشتغال في ظروف عادية، وسط جموع السكان والمتضررين الذين غص بهم الحي، منذ الساعات الأولى من الصباح، إذ تجمع بالمنطقة أكثر من ألف شخص قدموا من أحياء مختلفة من المدينة القديمة، فور سماعهم خبر الحريق، ضمنهم عدد من ذوي السوابق الذين عاثوا نهبا وسرقة في المكان، ما نبه إليه المتضررون في اتصالات متتالية بالسلطات الأمنية.عكس ذلك، قال مصدر من مصالح الوقاية المدنية إن سيارات الإسعاف وصلت إلى المكان فور توصلها بخبر الحريق، مؤكدا أن سائقي السيارات وجدوا أمامهم عددا من الممرات والأزقة الضيقة التي وضعت وسطها براريك صغيرة تعود إلى ملكية باعة متجولين، وهي البراريك نفسها التي نبثت بالمدينة القديمة بساحة النزالة على الخصوص (أمام مركز للأمن)، منذ اندلاع أحداث الربيع العربي، ووجدت السلطات المحلية صعوبة في اقتلاعها، قبل أن تفعل سيارات الإسعاف، بعد أن تلقى سائقوها أوامر باختراق هذه البراريك للمرور إلى مكان الحريق.وعاينت "الصباح" حجم الدمار الذي خلفه الحريق بعدد من المستودعات ومحلات النجارة التي أحرق بعضها بالكامل، وتحدث بعض أصحاب المحلات، في تصريحات للصباح، عن خسائر مالية وصفوها بالضخمة، تتجاوز ملياري سنتيم، عبارة عن ألواح خشبية مستوردة من الأنواع الراقية باهظة الثمن التي تستعمل، عادة، لتلبية طلبيات خاصة بالفنادق والفيلات والإقامات الفارهة.وقال الحاج سعيد كنون، عم عز الدين كنون، صاحب شركة "كانو بوا"، إن الحريق أتى على حوالي 20 آلة تقطيع للخشب من أنواع مختلفة، يقدر ثمن الواحدة منها 12 مليون سنتيم، كما خلف الحريق خسائر في بضائع الزبناء والحرفيين الذين يتعاملون مع المحل، دون ذكر ضياع عدد من الوثائق الإدارية. من جهته، قال مسير محل سعيد بلال، الذي يقع على مساحة تقدر بـ500 متر مربع، إن الحريق لم يترك أي قطعة خشب يمكن الاستناد عليها، كما أتى على أثاث جاهز لعدد من الزبناء ينتظرون فقط توريده إليهم، كما هو الشأن بالنسبة إلى عدد من الآلات الكهربائية مثل المناشير و"راباطوزات" ومورطيزات" و"توبييات" و"بلاتات" و"راديالات".غير بعيد، كان يقف عبد الكبير الأزهر، المعلم الذي ورث الحرفة عن ولده بمدينة اليوسفية، الذي وصل إلى المكان في الساعة السابعة صباحا، قبل أن يجد أمامه كتلة من السواد والحمم والأدخنة، وقد أتى الحريق على أكثر من 14 مليون سنتيم من البضائع وعدة العمل التي جمعها على مدى سنوات، مؤكدا أن كل همه في هذا المصاب الجلل البحث عن طريق لإرضاء عدد كبير من الزبناء ظل يربط علاقة ثقة وعمل معهم منذ عقدين تقريبا. في الجهة الخلفية من فندق النجارين، وبالضبط بدرب الرماد، كان الضرر أفدح، إذ استفاق سكان المنازل المجاورة من نومهم على رائحة الشياط، وقفزوا من أسرتهم مذعورين إلى الخارج، وبعضهم عاين كيف أحدثت قوة الحريق شقوقا بارزة في جدران منزله وفي جنبات الأدراج المؤدية إلى الطوابق العليا.ويحكي بوشعيب بنقيبال، الذي يقطن بالمنزل 204 الأكثر تضررا من الحريق، كيف تسرب الدخان إلى غرفته، وهو نائم إلى جوار أبنائه الأربعة، وحين هرول خارجا، جذعت أنفه قطعة خشب متطاير، قبل أن يهوى الجدران الخلفي بالكامل، أمام ذهول أبنائه، قبل أن يشرعوا في إطفاء الحريق بواسطة دلاء ماء.وتكرر السيناريو بالدور المجاورة، إذ عاينت "الصباح"، ما يشبه دمارا أسود داخل الغرف والبيوتات الصغيرة التي تبعثر أثاثها وتكسرت أجهزة التلفاز والطبخ والتبريد، وهوت أسقف القصدير على أطفال نيام، واتسع حجم الشقوق ليصل إلى مستويات تهدد بانهيارات وشيكة في أي لحظة.وأعاد حريق فندق النجارين إلى الذاكرة تاريخا طويلا من الحرائق عرفه هذا الحي، يضاف إلى سلسلة من الانهيارات ذهب ضحيتها عشرات السكان في منطقة تعتبر الأخطر الدار البيضاء. ويتذكر السكان، حريق 1982 المهول الذي أتى على محلات الخشب والنجارة، مخلفا عددا من الخسائر، كما يتحدثون عن حريق 1994، ثم حريق 2004 الذي لم يكن بهول حريق أمس (الخميس)، رغم أشكال الدمار التي أحدثها بالمنطقة. يوسف الساكت

خسائر مالية فادحة في حريق “فندق النجارين” بالبيضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النظام الديمقراطي العلاج الوحيد للفساد 1/3

خيرات: سياسة حكومة بنكيران ارتجالية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات