رأي: ما العمل بعد إخفاق المشاركة المغربية في الأولمبياد؟

إخفاق المشاركة المغربية في أولمبياد لندن أسال سيلا من المداد وأجّج الحِجَاج حول واقع الرياضة المغربية المتشنّج...لكن ما العمل إذا أردنا أن نُخْرِج الرياضة المغربية من أزمتها البنيوية المزمنة؟أكيد أن الجدال العقيم الذي ألاحظه في أغلبية الأحيان يزيد في الطين بلة ويُعقّد الأمور، ممّا يجعل الحركة الرياضية المغربية تائهة في حلقة مفرغة وكأنها سفينة بدون ربان.فالإنجاز الأولمبي له محددات ومتغيرات أثبتتها عدة دراسات علمية منذ أول دراسة ترجع بالضبط إلى سنة 1948، أي بعد أولمبياد لندن الذي نظمته بريطانيا للمرة الثانية بعد أولمبياد سنة 1908 .ومن خلال جرد لحصيلة الميداليات منذ أول دورة أولمبية لسنة 1896 يتبين أنّ الدول التي احتفظت بترتيبها ضمن العشر الأوائل هي الدول التي تستثمر إمكانيات ووسائل عصرية كبيرة في الميدان الرياضي من بنيات تحتية متطورة وسياسة في تكوين الأطر ومكوني الأطر وتمويل مهم للحركة الرياضية ومنظومة رياضية مدرسية قوية والاستثمار في البحث العلمي الحلقة المفقودة في الرياضة المغربية، بل إن الميزانية القطاعية لوزارة الشبيبة والرياضة منذ فجر الإستقلال، لا تتضمن ولو سنتيما واحدا لهذا الإطار.اللجنة الأولمبية الدولية لا تقوم بنشر الترتيب العام حسب الميداليات طبقا للمادة التاسعة لميثاق الحركة الأولمبية الذي ينص على أن منافسات الألعاب هي بين الرياضيين وليس بين الدول.فأين هي الدولة المغربية من كل هذا، إذا إستثنينا ما يقوم به صا حب الجلالة الملك محمد السادس من مبادرات، وعلى الخصوص في البنيات التحتية التي تعتبر إحدى الخصاصات المهولة التي تعيق الممارسة الرياضية، إذ أن الفضاء الرياضي لا يتعدى أكثر من 1،8 متر مربع لكل مواطن، معدل هزيل بالمقارنة مع دول متقدمة مثل فرنسا (أكثر من 8 أمتار مربع، وألمانيا أكثر من 9 أمتار مربع لكل مواطن على سبيل المقارنة لا الحصر)إنّ نكسة المشاركة الفرنسية في أولمبياد روما سنة 1960 دفعت بالدولة الفرنسية في عهد الجينرال دوغول إلى إعطاء صلاحيات واسعة وإمكانيات كبيرة للجماعات الترابية من أجل مواكبة الحركة الرياضية على جميع المستويات...أما بالمغرب فالجماعات المحلية تشجع المضاربات العقارية على حساب الفضاءات الخضراء والرياضية، بل إننا نجد أنّ هناك مستشارين جماعيين يستغلون نفوذهم داخل الجمعيات الرياضية للاستفادة من المنح بطرق ملتوية مبنية على الزبونية والمحسوبية والحسابات السياسوية، في خرق سافر للفصل 22 من الميثاق الجماعي، وفي غياب مطلق للافتحاص المالي من لدن المجالس الجهوية للحسابات طبقا للمادة 118 من مدونة المحاكم المالية...آن الأوان للقطيعة مع كل الأساليب القديمة، والكرة اليوم في مرمى الدولة التي يجب أن تواكب الحركة الرياضية، بما هو أساسي في البنية التحتية وتكوين الأطر والتمويل والبحث العلمي وعصرنة وتقوية المنظومة الرياضية المدرسية والرفع من عدد الممارسين والممارسات للفئات الصغرى بالدرجة الأولى، لأنّه لا يعقل أن نرى أن عدد الممارسين لا يفوق 300 ألف رخصة لجميع الرياضات.هذا العدد يجب أن نجد ضعفه ثلاث مرات على مستوى كرة القدم فقط، الرياضة الأكثر شعبية بجماهيرها وليس بعدد ممارسيها ومسييريها..!!عندما ستقوم الدولة بدورها وتتحمل مسؤوليتها كما هو منصوص عليه في ظهير التربية البدنية والرياضة، ويتم تفعيل الدستور المغربي الجديد خاصة الفصل 26، وتفعيل الرسالة الملكية السامية حول الرياضة والتوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية الثانية حول الرياضة التي مرت عليها أربع سنوات دون ترجمتها إلى أرض الواقع...إن ربط المسؤلية بالمحاسبة لا يمكن أن نكَرسه وأن نطالب الثلاثي (المسير - المدرب - الممارس) بإلزامية النتائج أمام مسييرين متطوعين بعقلية هاوية وفق نظام جمعوي هاو، وأمام أعضاء حكومة وبرلمانيين يتقاضون أجورا شهرية وعلاوات تأتي من دافعي الضرائب...وكم أثيرت حفيظتي عندما لاحظت أن البعض أقام الدنيا وأقعدها بسبب 13 مليار سنتيم التي خُصصت لإعداد رياضيي الصفوة لأولمبياد لندن بدون نتيجة.إن هذه الميزانية التي خُصّصت لـ 12 رياضة لمدة ثلاث سنوات تعادل ميزانية الوداد الرياضي والرجاء الرياضي لكرة القدم لموسم رياضي واحد!لو كان المال وحده وبواسطته يمكن أن يكون عاملا أساسيا لتهافتت الدول الغنية واشْترت الميداليالت الأولمبية على طريقة البورصة التي تُباع وتُشْترى فيها الأسهم، لكن الألعاب الأولمبية تختلف كثيرا عن صفقات البورصة...نعم لرصد إمكانيات مالية كبيرة، ولكن لا يجب الاكتفاء بالتغذية والأجور الشهرية والمنح وكأننا في مخيم أو دار خيرية، بل استثمارها في تكوين الأطر والمعدات الحديثة والبحث العلمي وجلب الخبراء الأجانب للاستفادة من تجاربهم كل واحد حسب اختصاصه، وهو ما هو معمول به في الدول العظمى.هذا هو الحرص الذي يجب أن نؤسسه للرياضة المغربية إذا كنا نريدها أن تكون مشاركتها مشرفة، وإذا أردنا أن نجعل منها رافعة للتنمية المستدامة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وأن نُحرر الشباب من التيارات المتطرفة والظلامية... كل هذا يجب أجرأته بطريقة تفاعلية بين ماهو مركزي ومحلي وجهوي عن طريق الجمعيات الرياضية المهيكلة والعصب الجهوية واللجن الأولمبية الجهوية التي ننتظر إخراجها إلى حيز الوجود بعد مرور أكثر من عشرين سنة...عوض الاكتفاء بأكاديمية أولمبية وهمية يوجد على رأسها متقاعد لوزارة الشباب والرياضة... يحي سعيدي, باحث في المجال الرياضي ومتخصص في صياغة قوانين الرياضة

رأي: ما العمل بعد إخفاق المشاركة المغربية في الأولمبياد؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الوداد يبحث عن تعزيز رصيده في كأس الكونفدرالية

اللجنة الأولمبية مطالبة باستعادة الشرعية بعد 7 سنوات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات