المـدارس الخاصـة … “التبزنـيس”

أقساط تصل إلى 4000 درهم في الشهر دون مصاريف التأمين والتسجيل وزيادات إضافية تفوق 200 درهم كل سنة يعتبر الحديث عن موضوع التعليم ببلادنا، حديثا ذا شجون. أما المدارس الخاصة والأسعار المبالغ فيها، التي أصبحت تفرضها على المواطنين الراغبين في ضمان تكوين وتعليم أفضل لأبنائهم، فهي المعاناة التي يشترك فيها الجميع، بدون استثناء، وبغض النظر عن الانتماء الاجتماعي والإمكانات المادية. مريم، أم لطفلة في السنة 13 من عمرها. إطار بإحدى الشركات الأجنبية متعددة الجنسية، اختارت لابنتها التعليم الخصوصي، رغم أنها، هي نفسها، نتاج المدرسة العمومية، التي كانت، ذات زمن جميل مضى، تخرّج خيرة ونخبة المجتمع. تقول في لقاء مع "الصباح" حول معاناتها اليومية مع مدرسة ابنتها الخاصة التي توجد بالبيضاء: "ما يقع اليوم في المدارس الخاصة هو نفسه ما يقع في المصحات الخاصة. الإدارة تعتبرنا زبائن وليس أولياء أمور. وأبناؤنا مجرد أرقام بملفات شخصية. لديها خطة عمل بعدد التلاميذ وما ستجنيه من جيوب آبائهم من أموال. لقد تخلت المدرسة عن دورها التربوي ودخلت في التبزنيس". 4 ملايين من أجل "الزاز" و"التفركيس" تؤدي مريم، 10 آلاف درهم كل 3 شهور، بمعدل 4 ملايين سنتيم في السنة، وهو المبلغ الذي تجده مبالغا فيه بالنسبة إلى تلميذة لم تبلغ بعد مستوى الباكالوريا، ومقابل تكوين أقل من عاد ومنهجية دراسية غائبة تماما. "فايتين المدرسة العمومية غير بالزاز والتفركيس. إننا نؤدي مقابل الأمن وزجاج النوافذ غير المكسور والطاولات النظيفة، شي حاجة أخرى الله يجيب". وتضيف "لا يحق لأولياء الأمور الشكوى أو التذمر من كثرة المقررات الدراسية أو من ضعف مستوى الابن أو الابنة في بعض المواد. فإدارة المدرسة دائما على حق. والخطأ فينا وفي أبنائنا. واللي ما عجبو حال، ممكن يمشي فحالو حيت 500 واحد بحالو ينتظرون أمام الباب من أجل تسجيل أبنائهم". 1500 درهم لدروس الدعم وتلقي مريم الضوء على مشكل آخر، هو أن هذه المدارس لا توفر التكوين الذي يسمح للتلاميذ بولوج المعاهد الكبرى، إلا في المواد العلمية. بمعنى أن من له توجهات أو ميولات أدبية، مثل ابنتها، لا تملك أي فرصة مماثلة، وبالتالي فهي تضطر إلى التركيز في مواد مثل الفيزياء والرياضيات لتضمن لها نقاطا جيدة تؤهلها للنجاح والانضمام إلى معهد محترم، مما يعني اللجوء بالضرورة إلى دروس الدعم، التي تكلف مبلغا لا يقل على 1500 درهم شهريا. تشعر مريم، ومثلها الكثير من الأمهات والآباء الذين تحدثت إليهم "الصباح"، بالغبن. تقول غاضبة "آش من قراية غا نقرّي بنتي. الناس كا تمشي فحالها من هاد البلاد. الناس كا تخوي المغرب على قبل التعليم ديال ولادها". مقررات بـ 400 درهم من جهته، لا يفهم ابراهيم، رب أسرة وأب لـ3 أبناء، لا يتجاوز راتبه الشهري 13 ألف درهم، السبب الذي يجعل هذه المدارس الخاصة تفرض زيادات سنوية على تكاليف التسجيل والتأمين والقسط الشهري للدراسة. زيادات تصل إلى 200 درهم كل سنة، على أولياء الأمور دفعها صاغرين، دون أن ينبسوا بكلمة، أو يحاولوا الفهم. أما المقررات، فحدث ولا حرج. يقول إبراهيم إن المقرر يبدأ ثمنه من 200 إلى 400 درهم، وهو ما يجعل الآباء يلجؤون إلى المقررات المستعملة، والتي يكون ثمنها 50 في المائة أقل من المقرر الجديد، والبركة في سوق درب غلف الذي يلجأ إليه الجميع، بمختلف فئاتهم الاجتماعية، أثناء الدخول المدرسي. أما عن جودة التكوين الذي يتلقاه أبناؤه، فيقول إبراهيم "هذه المدارس الخاصة تكوّن جيشا من الأشخاص التافهين. لم نعد نتحدث اليوم عن تلقين القيم والمبادئ. لقد انتهى هذا الدور الذي كانت تلعبه المدرسة في السابق". معلمون "كا يفتيو" إنه الرأي نفسه الذي تشاطره فيه مريم، التي تحدثت في لقائها مع "الصباح"، عن مشكل خطير يتجلى في انعدام التكوين لدى الأساتذة، الذين ينقلون للتلاميذ أفكارا ظلامية عن شيطنة الأجنبي وكراهية المثليين جنسيا... تقول "الأساتذة فهاد المدارس كا يفتيو... نتي كا تعلمي ولادك احترام الحريات وتقديسها، وهوما كا يخونجوهم. لا فرق في ذلك بين تعليم خصوصي أو عمومي". وتحكي مريم واقعة لها مع إدارة مدرسة ابنتها، في السياق نفسه، حين ذهبت تشتكي من معلّم يحث التلميذات، ومنهن ابنتها، على ارتداء ملابس "محتشمة" ويلقنهن أفكارا بدائية عن المرأة، لتجيبها مديرة المدرسة بكل برود، وبنبرة لا تخلو من سخرية، قائلة "إيوا هزي بنتك وهاجري من هاد البلاد، حيت هادشي اللي كا تقلبي عليه ما كاينش عندنا". وهو الكلام الذي اضطرت معه إلى التوقف عن النقاش أو الشكوى للإدارة، بعد أن فهمت لا جدوى ذلك"، ملخصة الموضوع كله في عبارة واحدة "إننا نتكبد عناء تعليم أبنائنا". غياب البديل الشكوى نفسها تتكرر لدى لمياء، التي اختارت لابنتها مدرسة أجنبية من مدارس البعثة الفرنسية، التي تبدأ أسعارها من 4000 درهم للشهر بالنسبة إلى المغاربة، و3000 درهم للمواطنين الفرنسيين، والتي لا تقدم لابنتها شيئا يذكر، حسب قولها. "إنهم يكتفون بالاتصال بك ليقولوا لك إن ابنتك تفقد تركيزها في القسم. أو إنها تحتاج إلى دروس تقوية، وطبعا أغلب المعلمين الذين يقترحونهم من أجل هذه الدروس ينتمون إلى المدرسة نفسها. وأولياء الأمور يجدون أنفسهم مضطرين إلى الخضوع إلى كل هذه الممارسات التي تستغلهم، لعدم وجود أي بديل أمامهم. يستحيل الثقة في التعليم العمومي اليوم، بالنسبة إلى جميع الطبقات والفئات الاجتماعية". مراكمة الثروات اعتبر محمد الهروالي، رئيس مكتب جهة مراكش آسفي للمرصد الوطني لمحاربة الرشوة وحماية المال العام، أن المدارس الخاصة تسعى إلى هدف واحد هو الربح ومراكمة الثروات على حساب منظومة التربية والتعليم، وعلى حساب جيوب آباء وأولياء التلاميذ. وقال، في اتصال مع "الصباح": "مع بداية الدخول المدرسي، لا يخفى، كما يلاحظ كل المتتبعين، الفوضى العارمة التي تعرفها الأسعار في المؤسسات التعليمية الخاصة، والتي تحدد واجبات التمدرس ومصاريف التسجيل، دون الأخذ بعين الاعتبار أنها مؤسسات للتربية والتعليم، كما تعمد إلى تحديد واجبات مختلفة ومتفاوتة، ناهيك عن الفوضى التي يعرفها التوقيت الذي تعتمده، إذ منها من تخضع للتوقيت المستمر، ومنها من لا تعمل به، لتفرض على الآباء والأمهات مبالغ إضافية، من أجل الاحتفاظ بالأبناء داخل المؤسسة خلال أوقات الاستراحة". نورا الفواري

المـدارس الخاصـة … “التبزنـيس”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سوق الكتب والأدوات المدرسية ... عبداتي: الفوضى

أبو شروان... "العود الأبيض"

مقالات ذات صلة