الدولة تحمي المجرم وتهمل فريسته

الحماية تبدأ منذ الإيقاف وتستمر في المحاكمة والسجن وبعده وإهمال مطلق للضحايا "معندكش الحق في الانتصاب طرف مدني"، بهذه العبارة خاطب قاضي الجلسة بالقاعة 6 بمحكمة الاستنئاف بالبيضاء، ضحية في قضية للنصب والاحتيال. تمتم الضحية وهو يحاول إثبات أحقيته في ذلك أمام رئيس هيأة الحكم لكن الأخير قاطعه، "شوف راك منتاصبتيش في المرحلة الابتدائية والملف استأنفاتو النيابة العامة"، ليتم تأخير الملف إلى جلسة مقبلة لعدم حضور المتهم! هذه صورة صغيرة لما يعانية الضحية من هدر لحقوقه في المحكمة، فقد تعرض المشار إليه، إلى عملية نصب من قبل أزيد من ثلاثة أشخاص، وتكبد المعاناة بوضع شكاية لدى أمن الفداء، وأوقف المتهم الأول وأحيل على القضاء، مع حضور الضحية، لكن عند إيقاف الرأس المدبر لعملية النصب، تمت إحالته على المحكمة دون إشعار الضحية. ورغم سوابقه في المجال نفسه، برئ في أول جلسة عقدتها المحكمة، بالاستناد إلى إنكاره، وهي الجلسة التي لم يشعر بها الضحية، ولم يتقدم فيها بمطالبه المدنية، ليجد نفسه محروما من الدفاع عن حقه وإثبات ما تعرض له أمام هيأة المحكمة، أكثر من ذلك فالمتهم لم يحضر منذ متع بالسراح في المحكمة الابتدائية. حقيقة إن المساطر القانونية تفرض ذلك، لكن ظهور الضحية في مرحلة الاستئناف، يفرض أن يتعاطى معه القضاء بنوع من اللين، فما ذنبه وقد أحيل المتهم سرا على النيابة العامة ودون إخبار من يعنيه الأمر، ولماذا لا يطمئنه القاضي، ولو بالإبقاء عليه طرفا، ليس للاستفادة من التعويض المدني الذي حرمته منه المحكمة واقعيا لعدم انتصابه طرفا مدنيا وأدائه الرسم الجزافي، فعلى الأقل يتم الاحتفاظ به ولو على سبيل الاستئناس للإفادة في ما نسب إلى المتهم ذي السوابق، والذي عرف كيف يفلت من العقاب، بل لم يعر للمحكمة أدنى احترام، فهو لم يحضر في المرحلة الابتدائية، وهاهي جلسات الاستئناف تعقد بدونه. المجرم، أو المتهم أو الظنين أو المشتبه فيه، حسب الأحوال، يتمتع بحقوق عديده منذ لحظة الإيقاف، فيتم الإسراع به إلى مقر الأمن أو الدرك، ويوضع رهن الحراسة النظرية، ليس فقط للبحث معه، بل أيضا لحمايته من أقارب وذوي الضحية الذين قد ينتقمون منه، قبل أن يحال على النيابة العامة ويوضع رهن الاعتقال الاحتياطي، حيث يضمن في السجن مكانا للنوم وتغذية تشرف عليها شركات تموين الحفلات، ويمارس رياضته المفضلة، ويمكنه أن يستفيد مما ضاع منه، وهو بين أحضان والديه، إذ هناك برامج للتعليم وأخرى للتكوين، ناهيك عن زيارات يقوم بها فنانون للترفيه عن المعتقلين. بل حتى أثناء محاكمته، إذا تعلق الأمر بارتكابه جناية ولم يعين محاميا يؤازره، فالدولة ملزمة بتوفير محام للدفاع عنه وبالمجان، وهو ما يفرضه قانون المسطرة الجنائية. الضحية في الطرف الآخر، يعيش التشرد والضياع، فمنذ لحطة الاعتداء عليه، يدخل متاهة قد لا تنتهي، بل في حالات أخرى يجد نفسه متهما، ويتساوى مع المجرم في المصير، ليضطر إلى قبول الصلح. ضحايا حوادث الضرب والجرج باستعمال السلاح الأبيض، النموذج المصغر لهذه المتاهة، إذ يظل الضحية في مكانه ينتظر سيارة الإسعاف التي لا تحضر إلا بعد النزيف وتدهور حالته الصحية. وعند نقله إلى المسشفى، يبقى عرضة للضياع، إذا لم يكن معه قريب يؤدي مصاريف التطبيب، فكل خدمة مؤدى عنها. وعدما ينتهي من المستشفى إن كانت الطعنة غير قاتلة، يضطر إلى الأداء قصد الحصول على شهادة الطبيب الشرعي للإدلاء بها للمحكمة، بالإضافة إلى مختلف الأدوية التي توصف له ومصاريف العملية وغيرها، ليبحث بعد الاستماع إليه من قبل الشرطة عن محام، ينبغي أن يؤدي له مستحقاته، ثم يطارد جلسات المحكمة ذهابا وإيابا مؤديا مصاريف النقل وغيرها، عكس المتهم الذي ينقل مجانا من السجن إلى المحكمة، وقد يطرد من عمله، وغير ذلك كثير، مما يشعر معه الضحية أن الدولة تحمي الجانح فعلا، وتهمل الضحية. بل حتى حين مغادرة المتهمين السجن فهناك برامج لإعادة إدماجهم في المجتمع والحياة العملية. المصطفى صفر

الدولة تحمي المجرم وتهمل فريسته

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الجرائم البشعة ... أديب: سجون خمسة نجوم

10 ملايير لتحويل شبكات طرامواي البيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات