ناشيد: الظلاميون يحاربون الحريات

الباحث أكد أن المغرب يعيش هشاشة حقوقية بفعل ضغط القوى المحافظة أكد الباحث سعيد ناشيد أن الإسلام السياسي يرفض العلمانية لأنها بكل بساطة تحرمه من مطلب السلطة. وأوضح الباحث المتخصص في الحركات الدينية أن الحرب القذرة التي تخوضها الجماعات الدينية على الحريات الشخصية تناقض روح الإسلام. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار : برحو بوزياني احتدم الصدام بين الحداثيين والاتجاهات المحافظة في عدد من القضايا. ما هي مبررات هجوم الإسلام السياسي على العلمانية؟ يرفض الإسلام السياسي العلمانية، لأنها بكل بساطة تحرمه من مطلب السلطة، غير أن المبررات التي يعلنها تنقسم إلى ادعاءين كاذبين: أولا، ادعاء أن مجال صلاحيات العلمانية ينحصر في الغرب المسيحي. ثانيا، ادعاء أن العلمانية تهدد إمارة المؤمنين. والحال أن الادعاءين كاذبان، إذ لا يخلو المغرب من أقليات دينية سواء أصلية كاليهود أو مستوطنة مثل المسيحيين، ناهيك عن أنه لا ينعدم وجود أقليات مذهبية تعلن عن وجودها بالقدر الذي يسمح به المناخ العام، مثل الشيعة والبهائيين على سبيل المثال. كما أن المنطق الديني نفسه يعتبر اللادينيين واللاأدريين والقرآنيين أقليات دينية. إن الفرد في مواجهة الطابع الجماعاتي للخطاب الديني يصبح أقلية دينية، والمرأة في مواجهة الطابع الذكوري للخطاب الديني تصبح بدورها أقلية. لكن رفض العلمانية يكرس في الواقع وصاية دينية تهدد الحرية. كيف ترد على هذه المخاطر؟ إذا كانت وظيفة العلمانية باعتبارها فعلا تنويريا هي تمكين الإنسان من الاستعمال الحر لعقله في مواجهة الحجر الذي تفرضه سلطة الوصاية الدينية، فإن وظيفتها في الإسلام هي تحرير العقل من وصاية سلطة النص، وسلطة تفسير النص، وسلطة التكفير باسم النص، وهي الأسلحة الأشد فتكا ضد التفكير الحر. لقد روج إسلاميو العدالة والتنمية مقولة إن العلمانية ستقود إلى إلغاء إمارة المؤمنين، ومن ثمة، فإنها خطر يتهدد مستقبل الملكية بالمغرب، وهذه مجرد مزايدة وافتراء، إذ لا يخفى أن العلمانية في بريطانيا لم تمنع الملك/ الملكة من أن يكون الحاكم الأعلى للكنيسة الأنكليكانية، كما أن العلمانية في النرويج لم تمنع الملك/ الملكة من رئاسة كنيسة النرويج اللوثرية، وكذلك في الدنمارك. إن القليل من الخيال السياسي الخلاق يكفي لتصور ممكنات تفصيلية لغاية تنزيل العلمانية بنحو أكثر حداثة على كافة مناحي الحياة، إذ يصير أمير المؤمنين مؤسسة ضامنة لحرية كافة المؤمنين المغاربة بمختلف أديانهم ومذاهبهم، تحت شعار قرآني نتمنى لو يكتب بالخط العريض على أبواب كل مساجد وكنائس ومعابد المملكة المغربية "لا إكراه في الدين". تشكل الحريات الشخصية إحدى القضايا المثيرة للجدل. ما هي المخاطر التي يمثلها التوجه المتطرف على الديمقراطية؟ إنكار الحريات الفردية، بل إعلان الحرب عليها، قد يبلغ إلى حد اعتبار حرب الجميع على الحياة الخاصة للجميع، كما لو أنها حرب مقدسة، تدخل ضمن ما يعتبره الإسلام السياسي "أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر". إن أنصار الإسلام السياسي لا يقصدون في الغالب مكافحة الجريمة أو المخدرات أو السرقة أو الرشوة أو التهرب الضريبي، ولا المطالبة بتفعيل القانون في هذه المجالات، وإنما مقصودهم إعلان الحرب الغوغائية على أفعال شخصية لا تمثل أي خطر أو ضرر على أي أحد، من قبيل نوعية اللباس، وطريقة المشي، ووسائل التجميل، وتسريحة الشعر، ومايوهات السباحة، وطريقة التنزه والأذواق الموسيقية. إن الحرب القذرة على الحريات الشخصية تناقض روح الإسلام، وتندرج ضمن بقايا المعتقدات البدائية. وبالفعل، ضمن الخصائص النفسية للعشيرة البدائية، ثمة خوف دائم من انتقام الآلهة من العشيرة، كلها بسبب الأفعال الشخصية لفرد واحد أو لبضعة أفراد، في ما يصطلح عليه اليوم باسم العقاب الجماعي. وهذا ما ترفضه العدالة المعاصرة في كل الأحوال، فضلا عن مخالفة قيم الخطاب القرآني أيضا "كل يعمل على شاكلته" (الإسراء 84)، "لكل وجهة هو موليها" (البقرة 148)، "ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى" (الأنعام 164). كيف تنظر إلى مفهوم الأقليات الدينية في دولة تقر في دستورها أنها مسلمة؟ إن الأقلية الدينية مفهوم نظري تبلور في غضون النصف الثاني من القرن العشرين، في سياق حاجة الحضارة المعاصرة إلى مواجهة الأنظمة الشمولية (النازية الألمانية، الفاشية الإيطالية، الستالينية الروسية، إلخ). وفي الواقع، يدل مفهوم الأقليات الدينية على كل المجموعات ذات الصبغة الدينية أو المذهبية أو الطائفية، والتي يمثل مجموع أعضائها أقل من نصف عدد السكان. لكن التوجه الدولي اليوم يقر بأن هذا الشرط نفسه لا يكفي إلا حين يكون الأكثر من النصف الباقون يمثلون أكثرية دينية. كمثال على ذلك، إذا كانت الديانة "أ" تمثل 40 في المائة، لكن 60 في المائة الباقية تتألف من ثلاث أو أربع ديانات ولا تتعدى أي واحدة منها 20 في المائة مثلا. وفي هذه الحالة، فإن الديانة "أ" رغم أنها تمثل أقــل من نصف السكــان، إلا أنها ليســت أقلية، ما يعنــي أن الأقلية الدينية لا يمكــن تعريفها أقليــة إلا فــي مواجهــة أكثـــرية دينيــة واضحة. وعموما للأقليات الدينية حقوق تكفلها القوانين والمواثيــق الدولية، وعلــى رأسها حرية العبــادة، ورغــم ذلك، ثمــة أسئلــة نظرية عالقـــة ما يزال النقــاش حولها مفتوحا مثلا، الأقليات التي تعتبر ختــان الفتيات واجبا دينيا أو نوعــا من العبادة، فهـل نمنحها هــذا الحق باعتبــاره منــدرجا ضمن حرية العبادة. حرية الفكر مكفولة دستوريا ينص دستور2011 في فصله الخامس والعشرين على أن "حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة"، ويلاحظ أنه ينص على حرية الفكر دون الإشارة إلى كلمة "الضمير أو الدين"، رغم أن بعض المسودات تضمنتها، إلا أنه تم حذفها من الدستور، بسبب ضغوط مورست من بعض الأحزاب والجهات التي تدين بدين معين. فعلا ثمة ضغوط مارسها الإسلام السياسي من خلال حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوي حركة التوحيد والإصلاح قصد التراجع عن مستوى الحريات الدينية، كما ظهر في أولى مسودات الدستور. وعموما، فإن المغرب يعيش حالة من الهشاشة الحقوقية بفعل الضغط الدائم الذي تمارسه القوى المحافظة. في سطور > من مواليد 1969 > باحث متخصص في الشؤون الدينية > الإجازة في الفلسفة من كلية الآداب بالرباط سنة 1992 > صدرت له العديد من المؤلفات: < الاختيار العلماني وأسطورة النموذج، دار الطليعة، بيروت، 2010. < قلق في العقيدة، دار الطليعة، بيروت 2011. < الحداثة والقرآن، دار التنوير، بيروت، الطبعة الأولى 2015. < دليل التدين العاقل، دار التنوير، بيروت 2017.

ناشيد: الظلاميون يحاربون الحريات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رسالة من الملك إلى جورج ويا

ماغي تتغنى بجمال المغرب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات