في فضاء التيه رسمت أحلامي على مساحة رمال الهوى . فهبت رياح شكوك تمسح كل أثر وجعلت ثواني السعادة في رسمِها ، بقايا ذكرى على قلب يحتضر . تبا للتعاسة يا قدرا على أجنحته تُحمل سهام تقتل في دواخلي كل شيء في صمت وتعمي حتى النظر . أيتها البيضاء ما عدت قادرا على رسمك بأصابعي تبتسمين على مرآتي ، كلما هممت بتنظيم فوضى زغيبات تقف على رأسي في مشهد يذكرني بشحوب وجوه الموتى ، وما عدت قادرا على الغوص في تفاصيلك وجو لقاك في الكلمات يمصمص نخاع قلبي بردا . اليوم أنا هنا جسد بلا روح تلتحفني البرودة من كل الجوانب ، ويقتلني الإهمال على قارعة حلم . شواهد المقابر تنتصب بشموخ في بقاع الهوى ، تغري بإختيار النهاية كسلام أبدي لأرواح معلقة على سواري العوائق ، بينها وبين من تعشق مطبات ، وحواجز بشتى الألوان . أرواح تائهة في بيد الإنتظار تستجدي رشفة ماء من نبع الحنان . تتفيأ الأحلام وتبتهل الغفران ، و عند الغسق تلتحف السماء كأمل وتستمد من النجوم قبسا به تنشر الدفء في ربووع كيانها . أرواح تنتظر شروق شمس الحقيقة لتستيقظ على لحن الإنتظار من جديد . حياة العشاق بصيص أمل والبقية ثلاث نقاط للحذف . التيه ذاك النسيم الذي يحملنا لثغور الجنون بزوارق حلم تأتي عند الغسق ترقب أمانينا . على حواف التعقل تطوف بأشواقنا لتطمئن على سكينة قلوبنا بعد هدوء إنقباضات ألم البعد فيها . وحيدون نحن معشر العشاق نتقن الشكوى أكثر مما نتقن الحب . نكتب أنفسنا في صفحات هي تجسيد لنزيف الروح في القلم ، ففي أرواحنا شقوق لا ترتقها مخايط العالم مهما كانت طبيعتها . نتقن البكاء في حروفنا ، وننسى أن الدمع حمض يتآكل معه ما فينا . بعدما إعترفنا بحبنا ، وهي تضرب كتفي ، تراجعت خطوة للوراء . و قالت : أوتعرف أنني أموت فيك ؟ قلت : كيف للموت يحضر فيّ وأنا الحي ؟ قالت : يوم نظرت في مقلتيك عرفت أن نهايتي قد حلت . قلت : أوتعرفين ، أنني غرقت فيك ذات بسمة وأنت جالسة أمامي تنصتين لكلامي ؟ قالت : حينها لمست أن في نظرتك كلام ، غير ما تقول . قلت : إن عينا لا تقوم مقام اللسان في التعبير عن جنونا لا تستحق أن تستمتع بألوان الحياة . قالت : ماعادت لي حياة خارج هواك ، فأنا فردية ميتة . قلت : لا تموت الفردية إلا في إتحاد العشاق ، أتفق معك أننا ميتان في بعضنا . عودة لعناق الحنان بطعم نسيان الكينونة الفردية ، منذ تلك اللحظة ، ونحن لا نعيش إلا في بعضنا البعض . شعاع وبصيص أمل ، في عين أنثى بقد ممشوق تعانق مصيرها في شجرة صبار جف جوفها وعلى هامتها تقف أشواك تقتلها في كل لحظة مرات . مسكينة تعانق الألم فيها وتمني نفسها بتساقط الشوك من على ربوعها . دموع تسيح وصقيع يقتل في دواخلها كل ذرة أنوثة . تعيسة من عشقت الصبار وسط بيد الجفاء تبرعت بقلبها لمن لا يستحق متأبطة إنتظاري تنزل من حافلتها . ترقب حضوري . تلتفت يمنة ويسرة باحثة عني بين زحام الحضور . فجأة تلتقي أعيننا . مد بشري يفصل بيننا . على شفتيها قرأت إسمي في ضجيج الفوضى . حقيبة على ظهرها ويد تدفع بها الحضور سعيا نحوي . أمد يدي لألتقط أطراف أصابعها وأنقذها من دوامة الفوضى . تيار الشوق يسري في بقايا أرواحنا . صرخة اللقاء آخذتني لعوالم التيه عناق وحضن الدفء . ونظرات الشتيمة تلفنا . وسط القطيع صرخنا في حضن بعضنا البعض فرحا باللقاء . فلا ملامة للعشاق في حضور أرواحهم بعد طول الغياب . سفر من جديد . بعد قاتل يعيد سمفونية الغياب كديدن إعتادته الروح منذ الأزل . آه لو كان بالإمكان دفن الغيرة بشكل كلي ، بعيدا عن ذاكرتنا ، كأنها لم تكن يوما لنا ، وأن نقوم بواجب الزيارة والترحم عليها كل جمعة ، كأنها قريب فقدناه ولن يعود ، فنتوقف بذلك عن إيذاء من نحب لحظة جنون .... هناك على بعد مسافات تجلس في قلبي بألم ، وتحرك مشاعري في غيابها كأنها معي ، هنا في البعد أموت في إنتظار لحظة لقاء تروي الظمأ الذي يفتت كبدي شوقا لها . هناك في البعد نتخاصم عبر رسائل عتاب ، وفي الحضور تكفي نظرة في عينيها لننسى كل النكد .