الرشد والغي

ظهر الرشد من الغي في قرار تسقيف هامش ربح شركات المحروقات، الذي دافع عنه لحسن الداودي، وزير الشؤون العامة والحكامة، بعد صدور رأي مجلس المنافسة، الذي وضع النقاط على كثير من الحروف. وأكد المجلس أن قرار التسقيف لا تتوفر فيه الشروط القانونية مجتمعة، إذ أن المادة 4 من قانون حرية الأسعار والمنافسة الذي أتاح للإدارة التدخل لتحديد الأسعار، اشترطت أن يكون هناك ارتفاع، أو انخفاض فاحش في الأسعار تعلله ظروف استثنائية، أو كارثة عامة، أو وضعية غير عادية تتجلى بشكل واضح في السوق داخل قطاع معين. واستنتج أعضاء المجلس أنه إذا سجلت أسعار المحروقات ارتفاعا، فإن الشروط التي تعلل اتخاذ قرار الحد من ارتفاعها غير متوفرة، وعليه فإن القرار يفتقر للأسس القانونية. إضافة إلى ذلك، فإن القانون يسمح للإدارة بالتدخل بشكل ظرفي، ستة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، أي أن التسقيف لا يجب أن يمتد لأكثر من سنة، في حين أن قطاع المحروقات السائلة يعاني مشاكل هيكلية تحد من المنافسة، فلا يمكن، من وجهة نظر المجلس، حل إشكالات هيكلية بتدابير ظرفية أبانت التجربة عن عدم جدواها. في المقابل، طرح المجلس مقترحات وتوصيات من شأنها أن تدعم المنافسة داخل القطاع وأن تضمن أسعارا تنافسية دون أي تدخل خارجي، وتضمن شروط حكامة رشيدة للقطاع دون حاجة إلى الحكومة، إلا أن صاحب طلب الاستشارة، لحسن الداودي، لم ترقه مشورة المجلس، واستمر في غيه. فمباشرة بعد صدور رأي المجلس، كال الوزير الاتهامات المجانية للمجلس، معتبرا رأيه سياسيا ويعبر عن موقف المعارضة، راسما للمؤسسة الدستورية حدود عملها. والمتأمل لرأي مجلس المنافسة سيجد أنه لم يزغ عن اختصاصات المؤسسة، التي حددها الدستور والقانون الخاص بها، إذ يتعلق في مجمله بمسألة المنافسة داخل القطاع. لكن ما أثار حفيظة الوزير، هو أن المجلس كشف أن الاختلالات التي يعرفها القطاع مردها إلى المقاربة التي اعتمدتها الحكومة في تحرير السوق، دون توفير الشروط المطلوبة لضمان منافسة حقيقية بين مختلف المتدخلين. وتبين، من خلال تحليلات خبراء المنافسة، أن قرار التسقيف لا يستند إلى معطيات موضوعية وليست له أي جدوى اقتصادية أو اجتماعية. إن إصرار الوزير على غيه، يعني أن الغرض الحقيقي من القرار هو توظيفه السياسي، إذ يسعى المسؤول الحكومي من خلاله إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، أولا، دغدغة العواطف بالاصطفاف إلى جانب المحتجين على ارتفاع أسعار المحروقات والانتصاب في موقع المدافع عن مصالحهم لاستعادة شعبية حزبه، التي تأثرت سلبيا بسبب ممارسات أعضائه، وثانيا، تصفية حسابات مع منافسين سياسيين بإلقاء اللوم على شركات توزيع المحروقات وإقرار حد لهوامش ربحها الفاحش، كما يراد الترويج لذلك. لذا من الطبيعي أن يثور في وجه مجلس المنافسة لأنه كشف خطته، وأبان عن الأهداف غير المعلنة من اتخاذ قرار التسقيف. ولله في خلقه شجون!

الرشد والغي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لزوج حاول قتل زوجته بالجديدة

الجمارك تحقق في فواتير تركية مزورة

مقالات ذات صلة