عشور … رجل سلطة بحس إذاعي

رحيل مدير الإذاعة سابقا والعلبة السوداء لأسرار البصري الإعلامية في غمرة ضجيج معرض الكتاب، ووسط صخب زواره الذين يغشون الأروقة، اختارت زمرة من الإعلاميين والصحافيين، أول أمس (الخميس)، الالتئام برواق الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، للاحتفاء بإصدار، شكل خروجه إلى الوجود، الصيف الماضي، حدثا بامتياز لما حواه من أسرار ومعطيات عن تدبير الإذاعة المغربية في واحدة من أكثر المراحل حساسية من تاريخ المغرب. يتعلق الأمر بكتاب "رجل سلطة في الإذاعة" لعبد الرحمن عشور، المدير السابق للإذاعة الوطنية خلال المرحلة ما بين 1986 و2003، ولم يكن المحتفون بكتابه سوى مجموعة من الإعلاميين الذين اقتربوا، بشكل أو بآخر، من عشور وكتابه منهم صباح بنداود والإذاعي رشيد الصباحي والزميلان المختار الغزيوي وحسن البصري، قبل أن يلتحق بهم آخرون منهم مليكة الملياني الشهيرة بـ "السيدة ليلى" والحسين بنحليمة. كانت لحظة الاحتفاء أشبه بـ "صلاة غائب"، خاصة أن مؤلف الكتاب لم يكن بمقدوره الحضور، بحكم ظروفه الصحية المزرية التي جعلته طريح الفراش لعدة أشهر، قبل أن يختار الموت وضع نقطة النهاية في مسار حياته، خلال اللحظة نفسها التي كان فيها أصدقاؤه يتحدثون عن سيرته ومنجزه المهني والإذاعي والتوثيقي. ألجم خبر الرحيل المفاجئ الحاضرين، وخيم الوجوم على الرواق برهة كانت بلا شك لتأمل هذه الصدفة القدرية، التي تجعل الموت يصطحب شخصا خلال لحظة الاحتفاء به، حتى ولو كان على فراش موت مؤجل للحظة مثل هاته. انسابت دموع من المآقي، وقاوم البعض قسوة القدر ليُستأنف اللقاء والشهادات التي تحولت إلى عبارات تأبين. عادت بي الذاكرة إلى بضعة أشهر خلت، حين توصلت بنسخة من كتاب عبد الرحمن عشور، هذا الاسم الذي كان بوقع خاص في ذهن أكثر من جيل ممن عايشوا المرحلة التي كان فيها على رأس الإذاعة، لحظة قرر إدريس البصري ضم قطاع الإعلام إلى الداخلية، ووضع رجاله على رأس المؤسسات المتحكمة في هذا القطاع، ما جعل هاته المسألة أشبه بنكتة ساخرة تتداولها الألسن في الكواليس، لكن لا أحد من صناع هذه المرحلة كانت له الجرأة ليصف ما جرى من موقع المسؤولية. وحده عبد الرحمن عشور استجمع قواه وشجاعته، بعد أن غادر موقعه على رأس الإذاعة، وجلس ليستعيد خيوط وتفاصيل مرحلة لم يكن ليتحرج من أدواره فيها، ويتحدث بكل موضوعية عن العديد من التفاصيل والملابسات التي كانت طي الكتمان، فسمى الأشياء بمسمياتها، ووضع كل شخص في مكانه بإيجابياته وسلبياته، كما نفذ إلى تفاصيل إنسانية عميقة أماطت اللثام عن طريقة تدبير واحد من أكثر القطاعات حساسية خلال مرحلة إدريس البصري ونهاية حكم الحسن الثاني، والمرحلة التي تلته. كل هاته المعطيات جعلت كتاب عشور مغريا بأن نقتبس منه بضع حلقات نشرت على يومية "الصباح". ورغم أن الكتاب لم يكن قد خرج إلى العموم بعد، بل وزعت بضع نسخ منه على بعض المؤسسات الإعلامية، إلا أنه خلال اللحظة التي طلبت من الراحل عبد الرحمن عشور الفكرة، قبل الأمر بصدر رحب وهو يعلق مازحا "وغير ضرب وقيّس آولدي" حتى لا "نحرق" مضمون الكتاب قبل نزوله إلى عموم القراء. بعد غمرة الانتشاء بالصدى الطيب الذي خلفه كتاب "رجل سلطة بالإذاعة"، كشف لي عشور أنه بصدد إعداد كتاب آخر عن تاريخ الإذاعة الوطنية باللغة الفرنسية وأنه بلغ فيه مراحل متقدمة، فاقترحت عليه أن أزوده ببعض الوثائق والأعداد القديمة لمجلة "راديو المغرب"، كنت أحتفظ بها، وهو الأمر الذي أفرحه، وجعله متحمسا أكثر لإتمام ما بدأه. كان الوهن قد دب إلى صوته وهو يحدثني عبر الهاتف، وكان يغالب نفسه لكي ينهي مشروعه، فحددنا موعدا بعد عودته من رحلته العلاجية، إلا أنني فوجئت بعدها بهاتفه خارج التغطية لعدة أسابيع، قبل أن ألتقي الإذاعية فاطمة أقروط في إحدى المناسبات، دجنبر الماضي، وأسألها عنه، فكان جوابها مرفوقا بدموع حارة ذرفتها وتقول لي إن عشور يحتضر ووضعه الصحي قد تدهور أكثر، قبل أن تنعي خبر الرحيل بعد أن تمكن المرض والموت من رجل سلطة عشق الإذاعة والإعلام. عزيز المجدوب

عشور … رجل سلطة بحس إذاعي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بركة يدعو إلى تعديل الدستور

رهائن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات