مقاربة العنف من منطلق القوة الفكرية الناعمة

ثقافة العنيف تشير إلى انتهاء صلاحية أفكاره ونفاد قدرة تمركزها في الزمان والمكان بقلم: كمال القصير (*) سوف يظلّ الفكر قاعدة ووجهة العملة المقابل الذي يتأسس عليه التعامل مع قضايا العنف والانحراف السلوكي ذي الجذور الفكرية. إذ يفترض في الفكر إيجاد حلول استباقية من جهة، وأخرى علاجية لاحقا من جهة أخرى، لما تعجز القوة الصلبة عن إيجاد حلول ومقاربات له. إن مهمّة المقاربات الفكرية هي تأمين التوازن الاجتماعي، وبشكل أكثر دقة تأمين مجال اشتغال الأفكار في علاقتها بالسلوك داخل المجتمع. ذلك أن منشأ الانحرافات السلوكية العنيفة متعلّق بمدى فقدان الأفكار نفسها عنصر التوازن، وبشكل خاص في مجال صلاحية الأفكار وتحوّلها إلى خطر على السلم الثقافي للمجتمعات. لقد أبدع المفكر الراحل مالك بن نبي في بسطه لخطورة تأثير الأفكار الميّتة والأفكار القاتلة ومدى تأثيرها على النسق الاجتماعي بأبعاده المختلفة، حيث تستمر راهنية تفسيراته في هذا السياق. إن العنف من حيث مصادره وبراهينه التي يوظفها من داخل النسق المعرفي يربط الاتصال بمجال الأفكار القاتلة الشبيهة بجرعة الدواء منتهي الصلاحية، فهو إن لم ينتج ضررا فهو بالتحقيق لا ينفع. ذلك أن مستندات الفكر العنيف من الأفكار والمفاهيم التي يعيد إنتاجها مشوّهة يشبه جرعة زائدة من دواء تحوّلت إلى سمّ فكري قاتل. إن ثقافة العنيف تشير إلى انتهاء صلاحية أفكاره ونفاد قدرة تمركزها في الزمان والمكان واستدامتها وتجدّدها. إن مقاربة العنف سلوكا وفكرا بحاجة إلى الاتصال بمفاهيم علمية حديثة وتوظيفها، مثل مفهوم الضبط الاجتماعي، وهو مفهوم متطوّر من المفاهيم الحديثة. ومجال يهدف إلى تحقيق التماسك الاجتماعي الذي يمنع طغيان فئة على حساب فئة أخرى، لدواعي واعتبارات الجنس أو العرق أو الدّين، داخل بنية مجتمعية واحدة. وهو أحد المفاهيم الرئيسة في معاجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، إذ أصبح محل اهتمام العديد من المجالات والأسس العلمية، ليشمل: النسق التربوي، ، ودولة الرعاية، والطب والعلاج النفسي، وأماكن العمل، وغير ذلك من مجالات واضحة في ضبط الجريمة، وهو كمفهوم ينبثق بصورة مؤكدة من علاقته القوية بقضايا النظام الاجتماعي". إن الضبط الاجتماعي ليس مجالا لتقييد أفكار المجتمعات وسلوكها، لكنه آليات تهدف إلى تنظيم تصرفات الناس بما يحفظ تماسك البناء الثقافي والمشترك الاجتماعي. فهو من الناحية المعيارية دالّ على الإجراءات التي تؤكد توافق الأفراد مع معايير الجماعة. وإذا كانت الاهتمامات والاتجاهات مختلفة داخل المجتمعات، فإن أدوات الضبط الاجتماعي تسهم إجرائيا في حلّ الصراعات القائمة بين اختيارات الأفراد والجماعات، وتحقق مستوى من القبول داخل نسيج المجتمع. ويمثّل العنف من الناحية الفكرية والسلوكية نموذجا للشذوذ عن المعايير، ذلك أن اللاّمعيارية - مفهوما تناوله دوركهايم- هي الخصم الأول لانضباط المجتمعات، وهي تعني ضعف وتدني مستوى الالتزام بالمعايير الاجتماعية المشتركة المجسّدة في تعاليم الدين وأحكام القانون، والأعراف، والرأي العام. فقد تشكّلت هذه المعايير المشتركة عبر تراكم زمني ومعرفي، لتدفع الأفراد والجماعات إلى أن تتقارب غاياتهم وأهدافهم وتصوراتهم، داخل منظومة معايير المجتمع التي صيغت عبر التفاعل بين مكوناته. إن حالة العنيف فكريا هي حالة اضطراب في علاقات أفكاره في ما بينها، وكذلك تجاه الأشخاص وعالم الأشياء، إذ تبلغ قطيعته مع النماذج الفكرية المشتركة في المجتمع إلى المدى الأقصى. وبإمكاننا في تحليل مسألة العنف وجذوره الاستمرار في توظيف تمييز مالك بن نبي المهم بين الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة، فالأفكار المطبوعة هي الأفكار المثالية والنموذج الأولي في ثقافة مجتمع ما. وعادة ما تكون عصيّة على التغيير بطول الزمن. بينما تمثّل الأفكار الموضوعة التعديلات التي تدخلها الأجيال على الأفكار المطبوعة (الأصيلة). وبتعبيره فإن عالم الأفكار أسطوانة لها أنغامها الأساسية ونماذجها المثالية، وهي الأفكار المطبوعة. ولها أيضا توافقاتها الخاصة بالأفراد والأجيال، وهي الأفكار الموضوعة. وهو تحليل ينطبق في حالة العنف على لحظة تنكّر فرد أو مجموعة للأفكار المطبوعة، وخروجه عن النماذج المتفق عليها إسلاميا وتاريخيا واجتماعيا، وإذا أردنا ضرب مثال على الأفكار المغربية المطبوعة، فسيأتي على رأسها النموذج الكلي الذي يتكون من العناصر المشكلة لوعي المغاربة الجمعي، وهي " أهل السنة والجماعة" و"الاعتقاد الأشعري" والمذهب المالكي" و"النظام الملكي". ذلك أن السلم والأمن والتسامح والوحدة والوسطية والاعتدال كلها عناصر ومحاور تنتمي إلى طبقة الأفكار المطبوعة والأصيلة. (*) كاتب وباحث في الفكرالإسلامي

مقاربة العنف من منطلق القوة الفكرية الناعمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تجاوزات في تحديد رسوم التمدرس

الحشد لـ20 فبراير جديدة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات