تاريخ المخدرات … “الدوخة من بكري”

الخمور والتبغ والكيف انتشرت في المغرب منذ القدم ابتكر المغاربة منذ القدم أساليب خاصة بهم في تعديل المزاج أو تحسينه، بعضها وجد طريقه إلى الانتشار عن طريق القوافل التجارية العابرة من المغرب، والتي لم تكن فعلا تجاريا محضا بل تخلله أيضا بعد تثاقفي يتم فيه نقل عادات وتقاليد الحضارات المجاورة. كما أن الغزاة والحملات العسكرية كانت تحمل معها أيضا أنماط عيش أخرى تلقفها السكان المحليون وانضافت إلى الرصيد المحلي والتراكم الثقافي الذي تطور مع مرور الزمن ليتفاعل مع المؤثرات الخارجية، لتفرز أشكالا مختلفة وعادات في التعاطي مع المنبهات ومحسنات المزاج أو مخدراته. وتحدثت العديد من الكتابات التاريخية عن نماذج عديدة حاول من خلالها المغاربة الرفع من النشاط الوظيفي للجسم أو الذهن باللجوء إلى تعاطي الخمور التي يعد نمط إنتاجها متجذرا عبر تاريخ المغرب، إذ أن زراعة الكروم تعد إحدى الزراعات القديمة بالمغرب، إذ تشير بعض المصادر إلى أنه سادت ببعض الجبال خلال فترة سيطرة الفينيقيين على السواحل المغربية، ثم توسعت زراعتها في العصر الروماني. كما تؤكد المصادر ذاتها أن الفاتحين المسلمين وجدوا سكان البلاد يتعاطون زراعة الكروم ويحولونها إلى خمور، معززة ذلك بروايات تاريخية من مصادر معلومة لدى الباحثين ك"البيان المغرب" لابن عذاري المراكشي و"الروض المعطار في خبر الأقطار للحميري" و"فتوح افريقية" للواقدي. كما عرف المغرب في فترات لاحقة خاصة خلال العصر الوسيط دخول عشبة التبغ عبر القوافل القادمة من السودان التي اعتاد أهلها بعث هدايا ثمينة إلى السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي، قبل أن تنتشر في أوساط عامة الناس، وهو الأمر الذي أثار نقاشا فقهيا حادا لم يحل دون توسع رقعة المتعاطين لها. أما أكثر الأعشاب المخدرة انتشارا فتبقى هي نبتة "الكيف" الذي انتشر خلال القرن التاسع عشر، إذ أشارت بعض الكتابات إلى أن السلطان العلوي الحسن الأول (1873- 1894)، أصدر ظهيرًا يسمح لدواوير بني خالد، وكتامة، شمال المغرب، بزراعة الكيف للاستهلاك المحلي، في محاولة لتهدئة القبائل الثائرة في شمال المغرب، أثناء هذه الفترة، إلا أن استهلاك نبتة الكيف كان محدودا ومحصورا في تلك المناطق فقط. ومع بداية القرن العشرين، أصبح من العادات اليومية لسكان الريف، شيوخا وشبابا، تدخين الكيف عبر "السبسي"، وقد حاول حينها عبد الكريم الخطابي في ثورته بين 1920 و1925، منع زراعة الكيف واستهلاكه، لكنه لم يفلح. ثم حاولت السلطة المغربية خلال مرحلة الاستقلال، استئصاله، إلا أنها جوبهت برفض قبائل الشمال، التي رفعت في وجهها ظهير الحسن الأول، الذي رخص لها زراعة واستهلاك نبتة الكيف، لتتراجع السلطة عن خطوتها تلك. مع منتصف الستينات، حين ظهرت حركة الهيبيين في العديد من البلدان الغربية، قدم بعض أعضاء هذه الحركة إلى طنجة ثم تسللوا إلى الصويرة والشواطئ المحيطة بها، وأبدعوا طريقة مبتكرة في تحضير نبتة القنب الهندي، لاستخلاص مادة مخدرة جديدة، أشد تأثيرا من الكيف، كانت هذه المادة هي الحشيش، التي شاع استهلاكها بسرعة محليا وعالميا. وسمح الطلب العالمي المتزايد لهذا المخدر في السبعينات، بنشوء سوق تجاري جديد يدر أموالا خيالية على سكان الريف وشمال المغرب، الذين يئنون تحت وطأة التهميش التام لأسباب سياسية في تلك الفترة. أمام هذا الوضع البائس اتجه الكثير من سكان المنطقة نحو زراعة نبتة القنب الهندي، كمورد رزق لقوتهم اليومي، لتتسع رقعة زراعة هذه النبتة في شمال المغرب بأكمله وتصل إلى مدن أخرى، بعد أن كانت هذه الزراعة محصورة في بضعة دواوير. عزيز المجدوب

تاريخ المخدرات … “الدوخة من بكري”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الغيطة والكالة والمعجون ... الثلاثي التقليدي

إيقاف مضرم النار في منزل والدته

مقالات ذات صلة