“خانز وبنين”… الأكلة المفضلة بالأحياء الشعبية

ككل مساء، يستعد فؤاد للقاء زبنائه الأوفياء. يذهب إلى السوق لتبضع ما يحتاجه، ثم إلى المنزل ليأخذ باقي مستلزماته. وقبل أن تغيب الشمس وتسدل أشعتها الحمراء، يزيح فؤاد الغطاء البلاستيكي عن عربته، ويشرع في تنظيفها من شوائب النهار ويخلصها من عبث المارة. في تلك الأثناء تقترب ساعة الحسم. ساعة لقاء الزبناء. ساعة الإفراج عن تلك البضاعة. هناك في إحدى زوايا الحي الشعبي، اختار فؤاد وضع عربته، وهناك، سيشرع في جلب زبنائه. ولكن قبل ذلك، عليه تهييئ المكان ووضع الكراسي حول عربته. ومن أجل أن يكون كل شيء كما يريده، لابد له من الاستعانة بالموسيقى، وإذا كانت من التراث الشعبي، ستكون أفضل. مباشرة بعد ذلك، يُخرج فؤاد من حقيبة زرقاء اللون، حبات من الطماطم وأخرى من البصل، ويشرع في تقطيعها إلى شرائح صغيرة. في تلك الأثناء يضع الفحم الأسود على جزء من العربة ويحاول إشعال النار. يبدو أن العملية لن تكلف فؤاد جهدا كبيرا، ربما لأنه تعوّد على ذلك، باعتبار أنه يوميا يعيد العملية نفسها. عملية إشعال النار نجحت، ونحج أيضا في تقطيع البصل والطماطم، والأهم أنه قطعهما بطريقة سريعة وماهرة، كأنه طباخ قضى سنوات طويلة في مطبخ في أفخر الفنادق. ولكي تكون العملية ناجحة، وضع قطعة شحم فوق الفحم المشتعل محدثا لهبا كبيرا، تحوّل إلى سحابة من الدخان بعد أن رشه بالماء. رائحة الشحم، ملأت المكان، والدخان الكثيف انتشر هو الآخر. فرح فؤاد بالوضع الجديد وبالسحابة التي خلفها شحمه، وشرع في إخراج نقانق كان لونها أحمر داكنا وتظهر منها قطع بيضاء، ربما هي شحم. كما أخرج بحماسة كبيرة كانت تبدو على وجهه البيضاوي، قطعا من كبد وأخرى من اللحم المفروم. ووضع الكل على الجانب الآخر للعربة، واضعا عليها قطعا من البصل وأخرى من البقدونس، محاولا تزيينها. قبل أن ينتهي صاحب «خانز وبنين» من العملية، بدأ الزبائن يتجمعون عليه، مطالبين بتذوق تلك البضاعة. ربما رائحة الشحم التي ملأت المكان حمّستهم لتذوق وصفات فؤاد، وأثارت جوعهم. ومن أجل تحقيق مطلب زبائنه، كان على صاحب العربة وضع جزء من بضاعته على النار. وفي انتظار أن تكون جاهزة، أخرج الخبز من علبة كارطونية كانت بجانبه. وبعد بضع دقائق كان للأشخاص الذين من حوله ما يريدون.إنه بائع «خانز وبنين»، تلك الأكلة المفضلة لدى الكثير من المغاربة، سيما الذين يقطنون في الأحياء الشعبية. أكلة رسخت عند الكثيرين، وظلت حاضرة رغم كل المشاكل التي عرفها بعض الباعة. لم تفلح أخبار ضبط بعض الأشخاص يبيعون لحم الكلاب والحمير على عرباتهم المتنقلة، في الحد من انتشار هذه المهنة، ولم يفلح ضبط العشرات من الكيلوغرامات من اللحم الفاسد الذي كان مقررا أن يتحول إلى نقانق بعد إضافة بعض المواد الكيماوية، في تراجع إقبال المغاربة على هذه الأكلة المفضلة. إنهم أشخاص يؤمنون بأن ليس كل من باع «خانز وبينين» يمكن أن يخون زبناءه ويقدم لهم لحما لا يحترم الشروط الصحية. يؤمنون أن هناك فئة قليلة فقط، تخدع زبناءها وتشتري تلك البضاعة الفاسدة على أساس أن «العافية كتقتل الميكروبات». إنهم زبناء أوفياء، لا تهمهم تلك «الخرافات» التي تكتب على صفحات الجرائد، ولا الصور التي تنشر على الأنترنيت. المهم عندهم، تذوق وجبتهم المفضلة «اللذيذة»، والاستمتاع بطعم النقانق التي يجهلون مصدرها مع «الهريسة» والبصل والطماطم، شعارهم «موت وحدة في الدنيا». إيمان رضيف

“خانز وبنين”… الأكلة المفضلة بالأحياء الشعبية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الأطعمة لايت... الخدعة التجارية

السمنة تنعش مراكز الحمية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات