الرميد والقضاة … نهاية السلم

غضب بسبب تدوينة الوزير حول محاكمة حامي الدين ومطالب بمتابعته لم يكن مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان يظن للحظة أن تدوينته المساندة لزميله في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين على خلفية متابعته من قبل قاضي التحقيق بالمساهمة في القتل العمد في قضية أيت الجيد، ستجر عليه غضب القضاة، وتحيي خلافا قديما بينه وبينهم، حينما كان يحمل حقيبة العدل، وأشرف على إصلاح منظومة العدالة، والنصوص القانونية المنظمة لاستقلال السلطة القضائية، ليجد نفسه من خلال تلك التدوينة متهما بخرق واجب التحفظ الحكومي، ومتهما أيضا باحتقار مقرر قضائي والإساءة إلى القضاة. تدوينة الرميد استنفرت الجسم القضائي لعقد اجتماعات بين الجمعيات المهنية لأجل الخروج بموقف محدد من تلك التدوينة، التي لن ينحصر صداها على الواقع الافتراضي، وحتما ستكون لها تداعيات على أرض الواقع، فهل سيجر القضاة الرميد إلى القضاء بتهمة الإهانة،؟ وهل سيشهد المغرب محاكمة وزير دولة مكلف بحقوق الإنسان؟ أسئلة ستتم الإجابة عنها في الساعات المقبلة، بعد اجتماع الائتلاف المهني للجمعيات القضائية. كريمة مصلي الهيني: تصريحات الرميد جريمة المحامي بهيأة تطوان قال إنها مؤشر خطير على الانقلاب على الدولة ومؤسساتها وإضعاف القضاء قال محمد الهيني، المحامي بهيأة تطوان، إن التصريحات الصادرة عن مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، بشأن متابعة حامي الدين والاتهامات التي وجهت إلى القضاء، تشكل جريمة معاقبا عليها قانونا. واعتبر الهيني أن التشريعات الدستورية المقارنة والقواعد الدولية ارتقت بحماية استقلال القضاء مؤسساتيا وفرديا الى مستوى القاعدة الدستورية، باعتبارها تقع في هرمية التشريع فمن واجب جميع التشريعات الأدنى التقيد بها، وهو التزام يقع احترامه على جميع مؤسسات الدولة، بل إن القضاء نفسه ملزم بحماية استقلاله وبالذود عنه، إذ أن القواعد الدستورية على أهميتها ومكانتها وقوتها تبقى غير كافية وغير ذات فعالية، إن لم يتم تنزيل الحماية الجنائية لقواعد الاستقلالية لحماية الاستقلال المؤسساتي للقضاء وحماية الاستقلال الفردي للقاضي الذي يخول له البت في القضايا المعروضة عليه وفق ضميره والقانون فقط دون أي تدخلات أو تعليمات أو ضغوط من أي جهة كانت، مشيرا إلى أن المشرع المغربي لم يشذ عن باقي التشريعات في إقرار الحماية المذكورة من خلال تجريم الثأثير على قرارات القضاء وتحقيرها مساسا بسلطة القضاء أو استقلاله، والعقاب عليها من خلال الفصل 266 من القانون الجنائي الذي نص على أنه "يعاقب بالعقوبات المقررة في الفقرتين الأولى والثالثة من الفصل 263 على الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها التأثير على قرارات رجال القضاء، قبل صدور الحكم غير القابل للطعن في قضية ما. الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها تحقير المقررات القضائية، ويكون من شأنها المساس بسلطة القضاء أو استقلاله». وأشار المحامي والقاضي السابق إلى أن المشرع الجنائي المغربي جرم نوعين من الأفعال الجرمية التي تستهدف استقلال القضاء وحرمته وفقا لما تم التنصيص عليه دستوريا، فالفقرة الأولى تجرم وتعاقب على التأثير على قرارات القضاء والفقرة الثانية تجرم وتعاقب تحقير المقررات القضائية وكلاهما تستهدفان ردع الأفعال التي من شأنها المساس بسلطة القضاء واستقلاله وحرمته وحرمة القضاة المشكلين للسلطة القضائية ورد الاعتبار لأحكام القضاء. وأكد الهيني أنه لاعتماد الفصل 266 من القانون الجنائي، يتعين أن تصدر عن الجاني أقوال أو أفعال من شأنها المساس بحرمة القضاء، إذ اعتبرت محكمة النقض في قرار صادر بتاريخ 26/7/1990 في الملف الجنائي عدد 89/16567، أنه من الواضح أن الفصل 266 من القانون الجنائي الذي يعاقب تحقير المقررات القضائية، الغاية منه هي الضغط على محكمة ما كي تعدل وجهة حكمها تحت التهديد والتخويف بفعل ما أو بقول أو كتابة أو إثارة ضد قرار أو حكم بأقوال وكتابات ازدراء للقضاء ونيلا من قيمة قراراته. واعتبرت المحكمة في قرار آخر تحت عدد 6699 صادر بتاريخ 14/9/1989 في الملف الجنحي عدد 19750/88 أن مقتضيات الفصل 266 من القانون الجنائي لا يمكن تطبيقها إلا في نطاق ما نص عليه الفصل المذكور في ما يتعلق بتحقير مقررات قضائية أي المساس بالاحترام الواجب للقضاء وسلطته. وفي قرار آخر عدد 979 صادر بتاريخ 21/4/1998 في الملف الجنائي عدد 4102/97 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، أكد أنه يتعين للإدانة توضيح المحكمة للأفعال والأقوال التي قصد منها تحقير مقرر قضائي. تأثير على القضاة قال الهيني ما حاولنا الربط بين هذه المقتضيات القانونية والاجتهادات القضائية المتعرض لها آنفا وتصريحات مصطفى الرميد، وزير حقوق الإنسان، نجدها تنطوي على أفعال جرمية تدخل في إطار مقتضيات الفصل 266 من القانون الجنائي، لأنها تشكل بحق تأثيرا بصفة غير مشروعة على القضاء وتحقيرا لقرار قاضي التحقيق بوصفه" بالأخرق"، الذي يعني في اللغة (أحمق،غبي، سخيف، أهبل، أبلد، أبله، أرعن، أنوك، بليد، تافه، جهول)، زد على ذلك وصفه للقرار ب"المنحرف وانقلاب عن مسار العدالة وأن القرار صادر عن قوى الردة والنكوصية التي تجر الى الخلف ولن نسكت عليها أبدا"، وهي تصريحات حسب الهيني، تعد إجرامية بكل المقاييس وتشكل تحقيرا للسلطة القضائية ولدولة الحق والقانون، وتأثيرا على القضاء وتخويفه وترهيبه وتصنيفه ضمن قوى الردة والنكوصية ويتعين مواجهتها بالقانون وعدم التعاطي معها بسلبية لأن إهانة القضاء إهانة للمشروع الديمقراطي ولدولة الحق والقانون من قبل وزير يفترض فيه التحفظ الحكومي الذي يمنع عليه إبداء أي رأي بشأن أحكام القضاء لا سلبا ولا إيجابا، لكنه تغاضى عن كل ذلك وانتصر لمتهم بالقتل على حساب ضحية هالك وهو الشهيد آيت الجيد، وكأن الشهيد ليس بمواطن وفي ذلك تمييز بين المواطنين وانتصار للعشيرة والجماعة والحزب على حساب وحدة الوطن والمواطنين، فهو يتقاضى أجره من المال العام مال الشعب المغربي وكان من المفترض عليه أن يقف على مسافة من الجميع وأن يحترم منصبه الحكومي الوطني وليس الحزبي، فهذه التصريحات مؤشر خطير على الانقلاب على الدولة ومؤسساتها وإضعاف القضاء وإهدار الثقة فيه وبث الخوف والرعب في نفوس الناس، بأن القضاء مؤسسة سياسية وليست مؤسسة مستقلة تنشد العدالة، بصرف النظر عن المتحاكمين أمامه، وفي ذلك تأسيس لحصانة أفراد حزبه وجماعته من المسؤولية والعقاب. وكأنهم فوق القانون، ولا يمكن أن تطولهم يد القانون والقضاء، وهو عنوان انحلال الدولة. نرفض تسييس القضاء *عبد الحق العياسي < لماذا أثارت تصريحات مصطفى الرميد، وزير الدولة وحقوق الإنسان، حول متابعة حامي الدين، غضب القضاة؟ < في البداية لابد من التأكيد على أننا نشجب هذه التصريحات التي تشكل تدخلا سافرا في استقلال السلطة القضائية، والخطير في الأمر أنها صدرت عن رجل قانون سبق له أن تقلد مهمة وزير العدل، والآن هو وزير دولة وحقوق الإنسان، وتضمنت تهديدا ووعيدا، في حق القضاة بصفة خاصة والسلطة القضائية بصفة عامة، ولو أنها صدرت عن شخص عاد لكان الأمر غير ذي أهمية على اعتبار أنه جاهل بالقانون، لكن أن تصدر عن وزير دولة فالأمر لا يقبله لا العقل ولا المنطق، ولا يمكن السكوت عنها، لأن المشرع المغربي عندما أقر استقلال السلطة القضائية وضع ضمانات لتلك الاستقلالية، في الدستور المغربي وأولاها حماية القاضي من جميع التأثيرات والتصريحات التي جاءت في تدوينة وزير الدولة تدخل في خانة التأثير. < لكن وزير الدولة اعتبر قرار القاضي غير صائب لوجود سبقية البت؟ < يجب أولا الإشارة إلى نقطة مهمة هي أن قضاء التحقيق هو مؤسسة مستقلة مثله مثل النيابة العامة، والشك فيه يؤدي إلى المتابعة، كما أن قراراته تكون موضوع طعن إذا ما ظهر أنها مخالفة للقانون، وبشأن قرار قاضي التحقيق باستئنافية فاس الذي هو موضوع تدوينة الوزير الرميد، فإن القاضي عندما ظهرت له أدلة ووقائع جديدة سطر بناء عليها المتابعة، في حق المتهم، وهي متابعة ستنشر أمام الغرفة الجنائية التي لها الحق في القول بسبقية البت من عدمها والقول بالإدانة أو البراءة، أما أن يتم التهجم على القضاء بتلك الطريقة فهو أمر غير مقبول. < في ظل هذه التطورات ما هي الخطوة المقبلة التي سيتم اتخاذها من قبلكم؟ < كما سبق القول، فإن قضاة المملكة بدون استثناء متذمرون مما جاء على لسان وزير الدولة من تهديد ووعيد، ومن محاولة تسييس القضاء، الذي هو بعيد كل البعد عن السياسة، ونقول لهم إن السلطة القضائية مستقلة بروح الدستور، وإذا كنتم تثقون في القضاء فدعوه وشأنه بدون محاولة التأثير عليه، خاصة من قبل من يفترض أنه كان راعي إصلاح منظومة العدالة. وبشأن الخطوات العملية فإن ائتلاف الجمعيات المهنية القضائية عقد مساء أمس (الخميس) اجتماعا لتدارس الموضوع والخروج ببلاغ مشترك على أن يتم عقد ندوة صحافية اليوم (الجمعة)، لإخبار الرأي العام الوطني بما سيتم اتخاذه على ضوء تلك التصريحات. * رئيس الودادية الحسنية للقضاة تدوينة الرميد تلقيت باندهاش كبير إحالة عبد العالي حامي الدين على الغرفة الجنائية من أجل المساهمة في القتل العمد من قبل قاضي التحقيق. العجيب هنا هو أن هذه التهمة سبق أن حوكم من أجلها سنة 1993 في قضية بنعيسى آيت الجيد، وقد برأته غرفة الجنايات منها وأعادت تكييف الأفعال على أساس أنها مساهمة في مشاجرة أدت إلى القتل. الأمر هنا لا يتعلق بوقائع يمكن الاختلاف حولها ويبقى القضاء هو صاحب الكلمة الفصل بشأنها، ولا يتعلق الأمر باجتهاد في تطبيق القانون يخضع لقاعدة الصواب والخطأ الذي يمكن أن يتلبس بأي اجتهاد.. كلا، الأمر يتعلق بقاعدة تعتبر من النواة الصلبة لقواعد المحاكمة العادلة ومبدأ أصيلا من مبادئ دولة الحق والقانون، والتي يعتبر خرقها خرقا خطيرا لقاعدة قانونية أساسية يوجب المساءلة طبقا لمقتضيات القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة. تكفي الإشارة هنا إلى المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي نصت صراحة على أنه لا يجوز تعريض أحد مجددا للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي وفقا للقانون والإجراءات الجنائية في كل بلد. إن هذه القاعدة الراسخة التي درج عليها القضاء المغربي واستقر اجتهاده عليها مكرسة في العديد من نصوص القانون، سنتعرض لها بالتفصيل في مناسبة قادمة. والغريب العجيب، أنه سبق للنيابة العامة في مرحلة سابقة ان دفعت بسبق البت، كما سبق لقضاء التحقيق في القضية نفسها أن اتخد الموقف ذاته، فماذا وقع حتى تنحدر الأمور إلى هذا المستوى الذي لايشرف بلدنا ابدا، بل يخدم العدمية ويزكيها ويمنحها حجة قاطعة على صواب موقفها؟ يبدو أن تكريس حقوق الإنسان والقواعد الأساسية للمحاكمة العادلة في هذا البلد تحتاج إلى نضال مرير ومكابدة لا حدود لها ضد كل قوى الردة والنكوص التي تجر إلى الخلف والتي لن نسكت عليها أبدا... وقبل أن أختم، فإنه واهم من يظن أن هذا الموقف نابع من العلاقة الشخصية أو السياسية مع ضحية هذا القرار المنحرف عن جادة القانون. الأمر يتعلق بقرار لو قدر له أن يصمد أمام القضاء في مراحله المقبلة فسيكون انقلابا في مسار العدالة في المغرب، وسيؤسس لاجتهاد يمكن أن يؤدي إلى نشر كل القضايا التي حسمها القضاء لينظر فيها من جديد، إلا إذا كان هذا الاجتهاد سيبدأ بقضية حامي الدين وينتهي بها، وهو أمر لا تخفى خطورته أيضا. وبقدر الغضب الذي يساورني بسبب هذا الاجتهاد الأخرق، بقدر ما استشعر الأمل في الإنصاف وإعادة الأمور إلى نصابها والانتصار للقانون، ووضع حد لهذا الانحراف الجسيم الذي أشر عليه هذا القرار في المرحلة القضائية المقبلة. حامي الدين ... حيثيات المتابعة استند محمد طويلب قاضي التحقيق باسئنافية فاس، في متابعة حامي الدين على الحيثيات التالية، إذ أفاد "حيث إنه ومراعاة لما ضمن بالملف من وثائق ولما أسفر عنه التحقيق الإعدادي بعد استنطاق المشتكى به أعلاه ابتدائيا وتفصيليا والاستماع إلى المطالب بالحق المدني الحسن أيت الجيد والشاهد الخمار الحديوي، تبين أن المشتكى به عبد العالي حامي الدين كان حاضرا وقت الاعتداء على الضحية بنعيسى أيت الجيد، وهو من وضع رجله على عنقه، وهو ساقط على الأرض ويصرح بعبارة ‫(‬أخويا الخمار أنا مشيت‫)‬، وأن كل من محب عمر والكادي توفيق وكريول عبد الواحد حملوا ‫(‬طروطوار‫)‬ وأسقطوه على رأس الضحية وهو ساقط على الأرض نتجت عن ذلك وفاته، وأن التشريح الطبي المجرى على جثة الضحية أسفر على أن إصابة قوية كانت برأسه وأنها هي التي أدت إلى وفاته، وبذلك تبقى العلاقة السببية بين فعل الاعتداء الناتج عنه وفاة الضحية أيت الجيد والذي تعرض له من طرف المتهم أعلاه الذي وضع رجله على عنقه وهو ساقط على الأرض ورمي آخرين بحجرة من نوع ‫(‬طروطوار‫)‬ على رأس الضحية قائمة بينهما". و ذهب القاضي إلى القول "إن أنية المتهم رفقة أخرين انصرفت إلى قتل الضحية وذلك من خلال الدور الذي قام به كل واحد منهم وقت الاعتداء عليه، كما سبق ذكره سلفا وأن هذه الوقائع تشكل في حق المتهم أعلاه أفعالا تختلف عن تلك التي سبق أن حوكم وأدين من أجلها بمقتضى القرار الصادر في حقه في الملف عدد 229-1993 والذي كان موضوع متابعة من أجل المساهمة في مشاجرة أدت إلى وفاة". و"بذلك يبقى ما أسفر عنه التحقيق الإعدادي من أفعال يستوجب المتابعة من جديد، في حق المتهم أعلاه إعمالا لمقتضيات المادة 369 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص في فقرتها الثانية على أن ‫-‬ كل متهم حكم ببراءته أو بإعفائه لا يمكن أن يتابع بعد ذلك من أجل نفس الوقائع ولو وصفت بوصف قانوني آخر ـ وعلى هذا الأساس القانوني يبقى أثر مبدأ عدم جواز متابعة نفس المتهم عن نفس الوقائع ولو اتصفت بوصف قانوني آخر محصورا تحديدا في الأحكام الصادرة بالبراءة، أو الإعفاء فقط، دون الأحكام القاضية بالإدانة مما قررنا معه متابعة المتهم أعلاه من أجل جناية المساهمة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد طبقا للفصول 128 و392 و393 و394 و395 من القانون الجنائي"‫.‬

الرميد والقضاة … نهاية السلم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كولونيل بالبحرية ودركيون في كوكايين الجديدة

ارتفاع أسعار الخضر والفواكه

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات