استسهال

تلتهم الجماعات الترابية (خصوصا المحلية)، سنويا، ملايين الدراهم من الجبايات والرسوم وأقساطا من الضريبة على القيمة المضافة، ومثلها من أموال الدعم والقروض المحلية و"الدولية"، دون أن تحدث أي فارق في التنمية المحلية والمجالية، ورفع العبء عن الدولة في تقديم خدمات، ذات جودة، إلى المواطنين في الاختصاصات الموكولة إليها على الأقل. وتتحول هذه الوحدات، بالتدريج إلى عبء مالي وسياسي ثقيل، إذ تضطر الدولة، في كل مرة، إلى التدخل عبر برامج ومخططات استعجالية ورصد ميزانيات قطاعية وتعبئة أطر وكفاءات لتصحيح "زمن الأخطاء"، كما وقع في البيضاء في 2013 حين عبر الملك عن امتعاضه الشديد مما يجري بالعاصمة الاقتصادية، ويقع بعدد من المدن الكبرى التي تسجل عجزا كبيرا في التنمية وتحقيق الحد الأدنى من حاجيات وأولويات السكان. وعكس المراحل السابقة التي كان رؤساء الجماعات يشتكون وصاية قاهرة للولاة والعمال ووزارة الداخلية، متعت القوانين المترتبة عن دستور 2011 هذه الوحدات باستقلال كبير، إذ أُنيطت بها اختصاصات في حجم التحولات التي حددها الباب التاسع من هذه الوثيقة الدستورية، أي الانتقال من مفهوم الوصاية إلى مفهوم المواكبة، تأسيسا على مبدأ التدبير الحر، الذي تم التنصيص عليه في الفصل 136. ومنحت القوانين التنظيمية الثلاثة للجماعات الترابية (الجماعات المحلية، ومجالس الجهات، ومجالس الأقاليم والعمالات) ومختلف القوانين الأخرى المعلقة بالجهوية الموسعة واللاتمركز هوامش تحرك كبيرة للرؤساء والمنتخبين وممثلي السكان، دون أن يترجم ذلك على أرض الواقع، بل إن عددا من المجالس (رغم مرور نصف الولاية الجماعية)، لم تنته من وضع تصورات وبرامج عمل وتقديرات حقيقية وموضوعية للميزانيات السنوية، ناهيك عن ترهل واضح واستسهال في تدبير الموارد البشرية. والحقيقة أن الموارد البشرية للجماعات الترابية، بالشكل الذي هي عليه اليوم، تعتبر "أم المعضلات" في المغرب: أولا، لاستنزافها ميزانية سنوية ضخمة تقارب 11.2 مليار درهم (50 في المائة من ميزانية التسيير). وثانيا، بسبب العدد الكبير للموظفين الذي يقارب 150 ألف موظف، أغلبهم من الأعوان، ذوي السلالم الدنيا. وثالثا، لانعدام رؤية واضحة، لدى أغلب الرؤساء، لاستثمار أمثل لهذه الكتلة الضخمة من الموظفين، بل إن بعضهم لا يعرف عدد الموظفين المشتغلين لديهم ودرجاتهم والمهام التي يقومون بها. ومن الطبيعي، أن يستغل بعض الموظفين هذا الفراغ، للتغيب المستمر عن العمل، أو إنجاز "بريكولات" لحسابهم الخاص، أو استغلال المنصب في السمسرة وتوسيع هامش الفساد الإداري. في ظل هذا الوضع، يصعب التفاؤل بمستقبل التنمية المحلية في المنظور القريب على الأقل، كما يصعب الوثوق بإمكانية تحقيق الجماعات للمهام المنوطة بها، وتقديم الخدمات إلى المواطنين بالجودة والفعالية المطلوبتين للحد من مستويات الاحتقان واليأس والتيئيس المنتشرة في مدننا. إن إعادة النظر في الموارد البشرية للجماعات، عبر التكوين والتكوين المستمر وحسن الاستثمار والمراقبة والتوظيف ووضع الهياكل التنظيمية الذكية ليست فقط مهمة استعجالية، بل حيوية لمستقبل بلد غير مسموح له بالتراجع عن التدبير اللامركز بكل رهاناته المالية والاجتماعية والاقتصادية. المهمة قد تبدو صعبة، لكنها ليست مستحيلة.

استسهال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قوارب نقلت الكوكايين إلى بونعايم

أخبار الصباح

مقالات ذات صلة