محيط المدارس … تعلم “فنون البلية”

تغيب تلاميذ عن الدروس وإقبال على المخدرات والكالة الحديث عن ظاهرة إدمان الأطفال والمراهقين على المخدرات والانخراط في الفساد، يمكن أن يحظى إما بالتصديق أو التكذيب، لكن يكفي أن تقوم بجولة استطلاعية بمحيط المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية لتتضح لك الصورة الصادمة حول ظاهرة "تعاطي تلاميذ المدارس للمخدرات"، التي لا يمكنك تصديقها إلا إذا شاهدتها بأم عينيك، لأنه ليس من رأى كمن سمع. إنجاز: محمد بها / تصوير: (عبد الحق خليفة) "ولدي وبنتي مشاو يقراو"، عبارات تتكرر على مسامع كل من يسأل آباء وأولياء تلاميذ المدارس، فالاعتقاد السائد لدى الأسر أن فلذات أكبادها فعلا في مقاعدهم ينصتون للدروس، التي يلقنها لهم أساتذتهم، بينما الواقع يثبت عكس ذلك، فجنبات المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية تحفل بتجمعات بشرية لأطفال وشباب في عمر الزهور اختاروا مقاطعة شروحات أساتذتهم، مقابل الإقبال على تلقي دروس في "البلية" والفساد. بمجرد اقترابك من محيط المدارس الابتدائية ستصاب بالدهشة من هول الصدمة، كيف لا وصورة أطفال في سن الثانية عشرة والخامسة عشرة ومراهقين في الثانوية يجتمعون على شكل مجموعات، وهم منهمكون في استهلاك أنواع مختلفة من المخدرات، من بينها تقاسم تدخين "الحشيش" وتناول المعجون واستعمال "الكالة". بداية الحكاية اقترابنا من محيط عدد من المدارس الابتدائية والثانويات الإعدادية والثانويات التأهيلية بالمعاريف وأنفا والحي الحسني وليساسفة بالبيضاء، دون الكشف عن هويتنا ودواعي قدومنا، جعلنا نموه على الفئة المستهدفة بعلة طلب المساعدة في دلنا على عنوان مقهى قريب من المدرسة، قبل أن ننخرط في جس نبضهم بعد وقوفنا على تدخين شخص ل"الحشيش" وظهور رفيقه الثاني منتفخ الفم، ليبادر الطاقم بسؤاله "مال فمك منفوخ واش دارينك سنانك؟"، قبل أن ينخرط زملاؤه في موجه من الضحك ليجبوا في وقت واحد "أش من ضرسة الله يهديك وراها الكالة هديك أعشيري". وبمجرد تبادلنا الحديث مع التلاميذ المدمنين، استطاع طاقم "الصباح" اختراق عالمهم الخاص لنيل أكبر قدر من المعلومات المتعلقة بملفهم المثير، فحكاية إدمان تلاميذ المدارس والمؤسسات التعليمية بالعاصمة الاقتصادية، تبتدئ من باب الفضول، إذ أجمع المستجوبون أنهم وقعوا في فخ حب الاكتشاف. يقول أيوب تلميذ في سلك الإعدادي، إنه لم يكن يتخيل نفسه يوما سيصير مدمنا على تدخين السيجارة والمخدرات، إلا بعد وقوعه ضحية هوس الفضول. وأضاف المتحدث نفسه "سأجرب فقط، كلمة كانت سببا في دخولي عالم الإدمان من بابه الواسع، وتعود حكاية ذلك إلى خروجي من المدرسة بسبب تغيب أستاذ وخلال وجودي رفقة زملائي في القسم وأحد معارفي في المؤسسة أثارني تبادلهم تدخين السجائر ومخدر "الحشيش"، وهو ما جعلني أطلب منهم مدي برشفة واحدة، ومن سوء حظي أنهم وافقوا على طلبي، قبل أن أجد متعة في السلوك لأقرر دون شعور خوض التجربة وأصير واحدا من المدمنين". قصة مراد مع إدمان محيط المدارس، تختلف كليا عن حكاية أيوب، فمراد الذي يتابع دراسته بأولى باكلوريا، كشف أنه نتيجة لتشجيع بعض الرفاق الذين يحرصون على إدخال صديقهم إلى نادي المدمنين بأي طريقة كانت، وجد نفسه مدمنا فالأهم بالنسبة إلى رفاق السوء هو عدم ترك صديقهم خارج لائحة الضحايا. أما منير فأشار إلى رغبته في إثبات رجولته أمام زملائه في الثانوية، اعتقادا منه أن ممارسة البلية بمحيط المدارس ومقاطعة الحصص الدراسية رمز للرجولة، مضيفا "تجربتي الأولى مع تدخين السجائر زادت من حماسي في خوض تجارب أخرى من قبيل البحث عن تدخين الحشيش ومعاقرة الخمر وتناول المعجون والأقراص المهلوسة...وهكذا وجدت نفسي وسط دوامة يصعب علي الخروج منها، رغم أنني خائف من اكتشاف أمري من قبل والدي وعائلتي". تاء التأنيث لم يكن من السهل الإقرار بوجود "فتيات سلكن طريق الانحراف وأصبحن يتزعمن جلسات تناول المخدرات"، إذ اعتاد الآباء والجيران تداول حكايات تتعلق بأن فلان ابن فلان يتغيب عن الحصص الدراسية ويتخذ من محيط مدرسته مكانا دافئا للإقبال على استهلاك مختلف أنواع الممنوعات، إلا أن القيام بجولة سريعة بجنبات المدارس والمؤسسات التعليمية يجعل المشكك يكشف أن الأمر لم يعد متوقفا على العنصر الذكوري، بل دخلت تلميذات في عمر الزهور على الخط وأصبحن ينافسن التلاميذ في أدوار البطولة. تقول تلميذة تتابع دراستها بالثانية باكلوريا، إن زميلها والذي تربطها به علاقة عاطفية في الوقت نفسه، هو من كان سببا في دخولها عالم الإدمان ومقاطعتها لبعض الحصص الدراسية، إذ تارة تستغل إضرابات الأساتذة أو غياب أستاذ معين أو ما بين أوقات الفراغ للتوجه نحو مقاهي الشيشة، وتارة أخرى يكتفيان بالمرابضة قرب باب المدرسة وبالضبط بجنباتها الدافئة والمشجعة على كل الأنشطة المحظورة. وأضافت التلميذة التي تحفظت عن ذكر اسمها، "نجيك من اللخر أخويا، الوقت اللي خلاتنا هاكا، فالإدمان على المخدرات وتبادل القبل والحركات الحميمية بين التلميذات والتلاميذ وراء جدران المدارس ووسط أدراج العمارات السكنية، لم يكن وليد الصدفة، بل إن غياب وسائل تزجية الوقت، جعلنا نعيش فراغا قاتلا وهو ما دفعنا نحو الهروب إلى حل آخر". استقطاب الشركاء كشف مراد أنه مباشرة بعد إدمانه، بدأ هو الآخر في البحث عن شريك له في استهلاك المخدرات بهدف التخفيف من مصاريفه اليومية التي يصعب تدبرها في ظل الوضعية الاجتماعية التي يمر منها، مضيفا "وجدت صديقين لي وصديقة وبدأت أغريهم بركوب مغامرة استهلاك المخدرات من أجل إثبات رجولتنا وكذلك للتخفيف من مشاكل المراهقة التي يمكن أن تصادفنا مستقبلا، إلى أن اقتنعوا بالفكرة وبدأنا نستهلك المعجون وندخن الحشيش بمحيط الثانوية التأهيلية، وفي بعض الأحيان ندخنه خلسة إما في مراحيض المؤسسة أو في محيطها، نظرا لوجود عدة أماكن مؤمنة من أعين الشرطة والمارة، خصوصا أن انتشار التلاميذ على شكل تجمعات بمحيط المدرسة لا يبعث على الشك، لأن هناك من ينتظر قرع الجرس لاستئناف الدراسة". وأوضح مراد أن استقطاب شركاء جدد ليس رغبة في الإضرار بهم، وإنما هدفه بالدرجة الأولى تقاسم مصاريف الإدمان نظرا لكلفتها الكبيرة، وهو ما لا يستطيع توفيره في ظل حالته الاجتماعية. ساعة العثماني كشف عدد من التلاميذ الذين استجوبتهم «الصباح»، أن لجوء تلاميذ مجموعة من المدارس والمؤسسات التعليمية بالمغرب، إلى مقاطعة الدراسة، احتجاجا على التوقيت الصيفي الذي قررت حكومة العثماني اعتماده بشكل دائم، وما رافقه من إجراءات مصاحبة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي، للتكيف مع تداعيات وتأثيرات الساعة الإضافية، شكل فرصة للمدمنين والراغبات في قضاء وقت أطول مع عشاقهن، لاختلاق أعذار العودة إلى بيوتهم. وأضاف المتحدثون أنفسهم، أن التوقيت الجديد المعتمد من قبل المدارس سيزيد الوضع استفحالا، فصعوبة التحاق التلاميذ ببيوتهم لتناول وجبة الغداء لبعد المسافة، سيكون مناسبة للمتربصين بهم من المنحرفين لاستقطابهم إلى عالم الإدمان.

محيط المدارس … تعلم “فنون البلية”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نهاية مأساوية

الخيانة الزوجية ... شـروط صـارمـة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات