كواليس ليلة إدانة بوعشرين

لحظات ترقب طويلة ودموع واحتجاجات وشارة نصر وطرائف "اليوم الحكم على بوعشرين" "المتهم أنهى كلمته الأخيرة والملف أدخل للمداولة..." عبارات أصبحت متداولة أكثر من مرة بين المحامين والصحافيين الذين حجوا لتغطية حدث الإعلان عن الحكم في قضية بوعشرين التي أطلق عليها "محاكمة القرن".منذ الساعة الرابعة من عصر الجمعة الماضي إلى الساعات الأولى من صباح أول أمس (السبت) دقائق وساعات طويلة كانت كافية لجعل الأبصار مشدوهة والأعناق تشرئب والقلوب تخفق، في انتظار سماع ما قضت به هيأة الحكم بغرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالبيضاء في حق الصحافي بوعشرين. كريمة مصلي ومحمد بها - تصوير: (عبد الحق خليفة) لحظة صمت مطبق خيمت مساء الجمعة الماضي على القاعة 8 بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، في انتظار سماع منطوق الحكم الذي سيتلوه القاضي بوشعيب فريح، رئيس هيأة الحكم بغرفة الجنايات الابتدائية، على مسامع أعضاء هيأة دفاعي المتهم والطرف المدني ووسائل الإعلام الوطنية والدولية وعائلات وذوي الصحافي المعتقل. أكثر من ثماني ساعات من الانتظار والترقب الممزوجين بالقلق والأمل المسيطرين على عائلة توفيق بوعشرين وأصدقائه الذين حجوا إلى محكمة الاستئناف بالبيضاء من أجل الاستماع إلى منطوق حكم المحكمة، بعدما قررت هيأة الحكم رفع الجلسة بعد تخصيص ساعتين من الزمن للكلمة الأخيرة للمتهم، وإدراج الملف للمداولة. طرائف الجلسة دقت الدقيقة العشرون بعد منتصف الليل. ساد صمت داخل القاعة 8 التي كانت تشهد محاكمة توفيق بوعشرين المدير السابق لأخبار اليوم، بعدما انخرط عون المحكمة في وضع الملفات في المنصة إيذانا بانتهاء المداولة في الملف والقرب من النطق بالحكم. دلف عدد من المحامين والصحافيين والعموم إلى القاعة لحجز مكان لهم بداخلها. استمر الوضع دقائق قبل أن يرتفع صوت العون ليلج كاتب الضبط، ويطلب من الأمن إحضار بوعشرين إلى القاعة. استغل عون المحكمة تلك اللحظة ليعيد تنبيهاته السابقة بشأن منع التصوير أو حمل الهواتف. ساعتها انتفض في وجهه نقيب هيأة المحامين بالبيضاء، ليخبره أنه ليس من حقه توجيه ذلك التنبيه الذي يدخل ضمن اختصاص رئيس الهيأة، وهو ما جعل الحضور يهتز بالضحك. ساعة الحسم الدقيقة الثلاثون بعد منتصف الليل. دلفت إلى قاعة المحكمة الهيأة متأبطة بالحكم الذي طال انتظاره لأزيد من ست ساعات التي استغرقتها المداولة. تمت المناداة على بوعشرين ليقف داخل قفص الاتهام. بدت خطواته متثاقلة وهو يوزع ابتسامته على الحضور. ارتفعت أصوات داخل القاعة قبل أن يطلب منها الرئيس الهدوء. وشرع في سرد تفاصيل الحكم بالقول، تصرح غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، علنيا وابتدائيا وحضوريا في الشكل برد الدفع المتعلق بعدم الاختصاص وبرد كافة الدفوع الشكلية وبرفض طلبات إجراء الخبرة التقنية وطلب استدعاء الخبراء ورفض طلب استدعاء شهود لائحة النفي التي قدمت للمحكمة، وفي الدعوى العمومية ، بعدم مؤاخذة المتهم توفيق بوعشرين بجناية الاتجار في البشر، والتصريح ببراءته لترتفع أصوات التهليل والتكبير "الله أكبر الله أكبر يحيا العدل"، ظنا منهم أن المحكمة لن تؤاخذه بها ليقاطعهم الرئيس، بالقول "بلاتي بلاتي راه باقي الحكم"، ليواصل بخصوص الضحايا نعيمة الحروري وكوثر فال وأسماء گريمش وصفاء زروال وابتسام مشكور وآمال الهواري والتصريح ببراءته منها، وبإدانته من أجل الاتجار في البشر باستغلال الحاجة والضعف والهشاشة واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي باستعمال التهديد بالتشهير بطريقة اعتيادية، ضد شخصين مجتمعين بخصوص الضحايا أسماء الحلاوي وسارة المرس وخلود الجابري، وإدانته من أجل جناية الاغتصاب ومحاولة الاغتصاب وهتك العرض بالعنف ومن أجل جنحتي التحرش الجنسي وجلب واستدراج أشخاص للبغاء من بينهم امرأة حامل واستعمال وسائل التصوير والتسجيل. وقبل النطق بالمدة التي آخذته المحكمة بها ارتفعت أصوات داخل القاعة فتدخل القاضي، ولم تقطعها سوى المدة التي أدين بها بوعشرين بعد أن واصل القول "والحكم عليه بالسجن ب 12 سنة سجنا نافذا وغرامة نافذة قدرها 200 ألف درهم مع الصائر والإجبار في الأدنى وإتلاف الأقراص المدمجة وكافة الدعامات الإلكترونية المحجوزة التي لها علاقة بالجريمة. وبإرجاع الهواتف المحمولة المحجوزة وجهاز الكمبيوتر ولوحة المفاتيح ومفتاح التخزين وراديو... وجهازي أيباد لمن له الحق فيها، مع الأمر بنشر هذا القرار في إحدى الصحف الوطنية". شرع ساعتها بعض الحضور والصحافيين في الخروج من القاعة وتجمهر المصورون خارجها لالتقاط بعض الصور ليطلب الرئيس من رجال الأمن إغلاق الباب ومنع التصوير لمواصلة النطق بالحكم، بالقول وفي الدعوى المدنية التابعة، في الشكل بعدم قبول انتصاب آمال الهواري وابتسام مشكور طرفين مدنيين. وبعدم قبول المطالب المدنية من طرف المسمى امبارك لمرابط. المطالب المدنية في الموضوع بأداء المدان توفيق بوعشرين لفائدة المطالبات بالحق المدني، أسماء الحلاوي تعويضا قدره 500 ألف درهم، وتعويضا مدنيا لسارة المرس قدره 300 ألف درهم وتعويضا لخلود الجابري قدره 300 ألف درهم، وتعويضا مدنيا لنعيمة الحروري قدره 300 ألف درهم، وتعويضا مدنيا قدره 300 ألف درهم لوداد ملحاف. ولفائدة كل واحدة من المطالبات بالحق المدني وصال الطالع، وكوثر فال وصفاء زروال تعويضا مدنيا قدره 100 ألف درهم، مع تحميله الصائر والإكراه البدني في الأدنى وبرد باقي الطلبات. وأعلم رئيس المحكمة، المتهم توفيق بوعشرين بالقول "عندك أجل عشرة أيام في حال الرغبة في استئناف الحكم". احتجاج وسط المحكمة بمجرد شروع القاضي بوشعيب فريح، رئيس هيأة الحكم بغرفة الجنايات الابتدائية، في النطق بالأحكام التي تدين توفيق بوعشرين، قائلا "الحكم من أجل ذلك على المتهم ب 12 سنة سجنا نافذا ...." زلزلت القاعة 8 وصدحت حناجر عائلة المعتقل وأصدقائه وموظفيه والمتضامنين معه من الجمعيات الحقوقية بعبارات "حسبنا الله ونعم الوكيل" قبل أن تسقط النساء مغميات عليهن، إضافة إلى إغماء الناشط الحقوقي المعطي منجب، وشرع الشباب والرجال من عائلة المتهم في الصراخ "حرام هاد الحكم يكون فحق صحافي رفض المساومة على وطنه". وخرجت عائلة المعتقل والمتعاطفين معه والمنظمات الحقوقية وأعضاء لجنة دعم بوعشرين، إلى فضاء المحكمة للاحتجاج، منتقدين الأحكام ومعتبرينها مسا بحقوق الإنسان، ورفعوا شعارات من قبيل "يسقط الظلم وحسبنا الله ونعم الوكيل..."، قبل أن يواصلوا احتجاجهم أمام باب المحكمة، معلنين أنهم سيستأنفون الحكم وسيستمرون في دعم المعتقل. شارة النصر رغم دخول شقيقة وعائلة المعتقل وأصدقائه في نوبة بكاء هستيرية وإغماء على بعضهن وسط القاعة 8 بعد رفع القاضي الجلسة لإسدال الستار على ملف "بوعشرين"، إلا أن الصحافي المتهم قابل ما سمعته أذناه من حكم يدينه بالسجن النافذ 12 سنة، بابتسامة عريضة، إذ التفت إلى عائلته والمتضامنين معه ليرفع شارة النصر، التي دخل بها قاعة الجلسات أثناء مثوله أمام هيأة المحكمة. وقال أحد الشباب لخالة بوعشرين"مهما كان الحكم علينا الافتخار بتوفيق بوعشرين لأنه انتصر على من أرادوا قهره، ما دمنا مؤمنين ببراءته، علينا ألا نكترث لمن يرغب في المس بصورته النقية، ويكفينا فخرا أن المغاربة في الشارع لا يصدقون حكاية تورطه في هذه الجرائم الجنسية". "رأفة بنا" بصوت مبحوح كانت إحدى النساء اللواتي ينتمين إلى عائلة الصحافي توفيق بوعشرين تصرخ وتبكي أمام باب المحكمة " شدو الشفارة والمفسدين. هذه الأحكام قاسية ماذا صنع الصحافي حتى تتم إدانته بهذه العقوبة؟ ذنبه الوحيد أنه رفض المساومة وبيع نفسه، أما نتوما الصحافيين سيرو شوفو المتهمات اللواتي تم تسخيرهن لتوريط بوعشرين، باراكا ما تاجروا بمآسي العائلات باش تخلقو "البوز"". وأضافت المتحدثة نفسها، "12 سنة أعباد الله واحرام، لماذا هذا الحكم قبل أن تستسلم لدموعها وتسقط على الأرض، ليقوم أحد أفراد عائلتها بتكسير آلة تصوير تعود لمصور صحافي، احتجاجا على تغطيته لردة فعلهم وبكائهم. دفاع المشتكيات قال عبد الفتاح زهراش، عضو هيأة الدفاع عن المشتكيات، إنه تفاجأ للحكم الصادر في حق توفيق بوعشرين، مشيرا إلى أنه رغم الاحترام والتقدير اللذين يكنهما لهيأة المحكمة إلا أنه كان يتمنى أن يكون الحكم رادعا للأفعال المقترفة من قبل المتهم. وأضاف زهراش في تصريح لوسائل الإعلام بعد رفع جلسة النطق بالحكم، " من خلال منطوق حكم المحكمة نجد أنها برأت بوعشرين من جناية الاتجار بالبشر في ما يخص بعض النساء، وأدانته بها بالنسبة للأخريات، منهن أسماء الحلاوي التي كانت حاملا، في حين أن النص القانوني يقول إن العقوبة من 10 إلى 20 سنة". وفي ما يتعلق بالتعويضات التي أقرتها المحكمة لصالح الطالبات بالحق المدني، قال زهراش "لم تكن في مستوى الردع، ومما لا شك فيه أن الحكم سيكون موضوع الطعن في الاستئناف من قبلنا وسنتداول باعتبارنا في فريق الدفاع في هذا الأمر وسنعلن عن موقفنا الرسمي في ندوة صحافية سنعقدها في الأسبوع المقبل". بكاء الدفاع لم تكن شقيقة وعائلة وأصدقاء المتهم بوعشرين من سيطر عليهم القلق حول مصيره، فقبل سماع منطوق الحكم، الذي قضت به المحكمة في حق الصحافي المتهم بجناية الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي، وضع المحامي عبد المولى المروري عضو هيأة الدفاع عن المعتقل الصرامة ورباطة الجأش التي يتسلح بها أصحاب البذل السوداء لمؤازرة موكليهم، جانبا، وترك المواقف الإنسانية تسيطر على سلوكه بعدما دخل في نوبة بكاء، وهو يكشف مضامين كلمة موكله الأخيرة أمام هيأة الحكم. الحلاوي تثير الحدث استرعى انتباه بعض الحضور داخل قاعة المحكمة خروج أسماء الحلاوي من بوابة منصة الهيأة لتقضي حاجتها، مرفوقة بشرطيتين، ليخبر أحد الحضور محامي المتهم الحسن العلاوي الذي انطلق في الاحتجاج، مدعيا أن الضحية دخلت إلى قاعة المداولة، وأنه لا يمكن ذلك، لتنطلق أصوات مساندة له من عائلة المتهم وصلت حد توجيه بعض الكلام النابي في حق الضحية الحلاوي، وتدخل محامي الطرف المدني المحامي زهير ليؤكد لزميله أنها ذهبت لقضاء حاجتها، برفقة عنصرين من نساء الأمن، إلا أن المحامي واصل الاحتجاح وتم نقله إلى خارج القاعة ليعود برفقة النقيب زيان، الذي اقتحم المنصة وعبر البوابة التي تلج وتغادر منها الهيأة، ليتدخل النقيب حسن بيرواين، الذي عمل على تهدئة الوضع، مؤكدا أن قاعة المداولة لا يلجها إلا أعضاء هيأة الحكم. دفاع المعتقل قال المحامي عبد الصمد الإدريسي، عضو هيأة الدفاع عن توفيق بوعشرين، "للأسف المحكمة قضت بإدانة بوعشرين ب 12 سنة سجنا نافذا، هذا حكم في تقديري جد قاس ولا يتناسب مع الوقائع الموجودة في الملف". وأبدى المحامي الإدرسي، أسفه لإدانة بوعشرين بتهمة الاتجار بالبشر، مضيفا "هذا القانون نعرف الظروف التي جاء فيها وسياقه وعناصر جناية الاتجار في البشر، ونحن باعتبارنا دفاع المتهم قلنا إن توفيق بوعشرين منذ 23 فبراير كان يجب أن يعود إلى بيته والمغاربة لم يقتنعوا بالجرائم الموجودة في ملفه، واعتبرنا في هيأة الدفاع أن ملف موكلنا قضية وليست مجرد ملف". واعتبر دفاع المتهم المدان، أن الحكم لن يرهب المؤمنين ببراءة بوعشرين لأنه حكم ابتدائي غير حائز لقوة الشيء المقضي به، مضيفا "الاستئناف سيعرض الدعوى من جديد وسنبين الخروقات الكثيرة التي سجلناها في الملف، والتي للأسف المحكمة الابتدائية رفضت كل الدفوعات الشكلية وطلبات الخبرة المضادة، والحكم على بوعشرين ليس نهائيا فمازالت هناك مراحل أخرى سنذهب فيها بكل أمل وسنقنع هيأة محكمة الاستئناف وإذا طبق القانون فسيعود بوعشرين إلى بيته".

كواليس ليلة إدانة بوعشرين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تقويم ملكي بدأ بالأوقاف

ارتباك الحكومة ... مصالح حزبية ضيقة

مقالات ذات صلة