عـذريـة تحـت القـصـف

حقوقيون وشيوخ وأطباء يعرضون وجهات نظرهم في موضوع تضغط الأمم المتحدة على المغرب للحسم فيه عاد نقاش العذرية إلى الواجهة، بعدما أصدرت منظمة الصحة العالمية والمجلس الدولي لحقوق الإنسان تقريرا مشتركا يطالبان فيه المغرب بحظر اختبار البكارة للفتيات المقبلات على الزواج، موجها انتقادات عديدة لهذه العادة التقليدية التي يقترن فيها الشرف ببضع قطرات من الدم. وفي الوقت الذي يعتبر أطباء ونشطاء حقوقيون الأمر متجاوزا، خاصة أن القانون المغربي لا يشترط الحصول على وثيقة "شهادة العذرية" لتوثيق عقد الزواج،بل فقط شهادة طبية تثبت الخلو من الأمراض، لاتزال المعتقدات الاجتماعية تلزم الفتاة بالحفاظ على "الغشاء" إلى حين زواجها، "توثيقا" لشرف العائلة. إعداد: يسرى عويفي (صحافية متدربة) تفاعل العديد من الأطراف مع التقرير الأممي الصادر الثلاثاء ما قبل الماضي، الذي اعتبر أن "الفحص الطبي الذي يقوم به الأطباء المتخصصون لمعرفة ما إذا كانت الفتاة قد قامت باتصال جنسي مهبلي، يشكل صدمة نفسية لها، في هذا السياق، علق محمد رفيقي، الباحث في الدراسات الإسلامية، عن الطلب الأممي، مؤكدا أن "ما عرفه المغرب من تطور على مستوى حقوق الإنسان والمرأة على وجه الخصوص، يدعونا إلى أن نعيد النظر في مثل هذا الموضوع الذي تحكمه تقاليد قديمة ونظرة مختلفة للمرأة عن السياق الذي نعيشه اليوم، إذ تغيرت الكثير من الأشياء التي أثرت على نوعية القيم التي يتبناها المجتمع، فضلا عما يسببه هذا الأمر من أضرار نفسية للمرأة". عكس ذلك، أكد محمد الفيزازي، الشيخ السلفي، على "وجود ثوابت لا يمكن المساس بها، لأننا أمة مغربية لها قيمها ودينها وثقافتها، لذلك لا ينبغي أن نؤيد هذا القرار الخارج عن السياق العام للحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، أو أن نتلقى الإملاءات من الخارج"، مضيفا أنه من الواجب علينا"أن نؤثر ولا نتأثر"، واستطرد قائلا" إننا باعتبارنا أمة ومثقفين يجب أن نتخطى قضية البكارة، ونناقش قضايا أهم وأكبر". الفيزازي: البكارة ليست معيارا للشرف والواقع أن قضية العذرية والبكارة، في مجتمعات محافظة مثل المغرب، تطرح من زوايا أخرى، يحضر فيها الدين بشكل قوي، وإن بعض "الشيوخ" يتحفظون من الإفصاح عن ذلك علنا، ويغلفون ذلك بتعابير مختلفة. يقول الفيزازي، في تصريح لـ"الصباح"، إن "المرأة قد تولد بدون بكارة أو تفقدها بسقطة، لذا فالبكارة ليست معيارا للعذرية أو الشرف"، مشيرا إلى أن الفتاة قد تمارس أشكالا أخرى من الجنس لا تستلزم افتضاض بكارتها، معتبرا الأمر "غشا حينما يتعلق الأمر بزواج الفتاة على أنها بكر، وهي سبق وأن كانت لها تجارب جنسية سابقة". ويحسم محمد عبد الوهاب رفيقي، باحث في الدراسات الإسلامية، الأمر بقوله إن "موقف الدين في مثل هذا الموضوع، شأنه شأن أغلب القضايا الاجتماعية، هو غير محدد بقدر ما هو عائد إلى السياقات وإلى الاحتكاك المباشر بالحياة، بذلك فالحكم في هذه الأمور مرتبط بالظروف، بالتالي لا يمكن القول بأن هناك رأيا دينيا مستمرا زمانا ومكانا، بل يراعى في مثل هذه القضايا تغيرات المجتمع وما وقع فيه". من جانبه، عبر لحسن بن ابراهيم السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، عن موقف المؤسسة الدينية في موضوع شائك وغير محسوم، مؤكدا أن أمر الزواج بين الرجل والمرأة يجب أن يكون مبنيا على الصراحة والوضوح، مستخلصا أنه "من حق الرجل أن يعرف ما إذا كانت المرأة التي يريد الزواج منها بكرا أم ثيبا، دون الحاجة إلى اختبارات وتحليلات". ولمزيد من التوضيح، قال السكنفل إن "المرأة لها الحق في أن ترفض إجراء اختبار العذرية"، مؤكدا على أن قضية العذرية للفتيات المقبلات على الزواج "ليست مطلبا شرعيا"، مادام أن "الزواج في ديننا قائم بالأساس على المودة والرحمة والمكارمة، وليس على المشاحنة، والدليل قوله تعالى : "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة". تدليس طبي رغم تجاوز المغرب، ظاهريا، لعرف "السروال" أو "الشرويطة الملطخة بالدم" التي تقدم ليلة الدخلة دليلا على عذرية الفتاة وفحولة عريسها، لاتزال مسألة "العذرية" قضية حساسة غير متجاوزة في معظم الأوساط الاجتماعية، فإثبات صون المرأة لغشاء بكارتها من خلال الفحص الطبي، هو نسبيا الدليل القاطع على عفتها وتربيتها الحسنة، أما في حال عدمه فتصيرالفتاة وصمة عار أبدي لذويها، ويذهب شرف عائلتها في مهب الريح. ودفعت القيمة الاجتماعية لغشاء البكارة بالعديد من الفتيات المغربيات إلى اللجوء لأساليب وطرق بديلة من أجل "ترقيع عذريتهن"، وتصويب حادث، أو غلطة مراهقة أو نزوة عابرة قد تلحق بهن العار وتحولهن إلى "عاهرات". طبيب للتوليد وأمراض النساء، رفض الكشف عن هويته، قال لـ"الصباح" إن العديد من الفتيات المقبلات على الزواج يلجأن إلى عمليات ترقيع غشاء البكارة أو ما يسمى"التدليس الطبي"، الذي يقوم به بعض الممارسين الصحيين بالاتفاق مع ذوي الفتاة المفتضة بكارتها، والذي يمنح للمعنية "عذرية مؤقتة" تدوم 24 ساعة. علاوة على ذلك، هناك الشهادات المزورة والبكارة الاصطناعية التي يتم اقتناؤها بمبلغ بخس، ابتداء من 300 درهم، مقابل الحصول على بعض قطيرات من الدم، بل وصل الأمر ببعض الفتيات إلى وضع قطعة من كبد الدجاج في داخل المهبل، رغم الأمراض التي قد تلحق بهن وبعرسانهن نتيجة العدوى البكتيرية، فقط لأن نجاعة العملية تستحق عناء المخاطرة، مادام الأمر يضمن مرور ليلة العمر بسلام، دون أن يشكك أحد في عذريتهن أو خداعهن للزوج والعائلة، معللات فعلتهن بأنه "المجتمع لايرحم". الاختيار الصعب إضافة إلى ذلك، يرتبط موضوع العذرية بإجراء تقني، يتعلق بالاختبار، إذ أكد طبيب التوليد وأمراض النساء أنه "نادرا ما يستقبل، بعيادته الخاصة بأمراض النساء والتوليد، حالات كشف العذرية، زيادة على أن معظم الأطباء يرفضون منحها اليوم، لما فيها من تعقيدات، أنها قابلة للطعن قانونيا، و"انتقاصا من كرامة المرأة"، مستثنيا بعض الحالات الذي تدخل في إطار قانوني كحالات الاغتصاب أو قضايا التشكيك في العذرية. وأوضح المتحدث لـ"الصباح" بأن "شهادة العذرية" التي يمنحونها "لا تضم أحكاما نهائية عما إذا كانت الفتاة عذراء أو لا، بل فقط تقريرا لنتائج فحصها كنوعية البكارة وشكل الثقب وما إذا كانت بها جروح أو كدمات، أما القرار النهائي فيصدره القضاء بناء على التفاصيل الطبية المدرجة"، مؤكدا على استحالة معرفة ما إذا كانت للفتاة علاقات جنسية سابقة، لا تستدعي الإيلاج كالجنس السطحي مثلا. الرأي نفسه تقريبا عبرت عنه فوزية العسولي، الرئيسة الشرفية لفدرالية رابطة حقوق الإنسان، التي طالبت بتدخل وزارة الصحة لمنع هذا الاختبار الذي يقوم به بعض الأطباء، باعتباره انتهاكا صريحا لحقوق الإنسان ولا أساس له قانونيا، ناهيك عن المشاكل الاجتماعية المهمة المترتبة عنه. الوتر الحساس الأغلبية الساحقة من الرجال المغاربة والعرب بصفة عامة، مهما بلغوا من الحداثة والانفتاح ظاهريا، لا يقبلون بأن تكون عروسهم مفتضة البكارة، والمفارقة العجيبة تكمن في أنهم يرغبون في امرأة لها خبرة تسمو إلى استيهاماتهم، لكن بدون تجارب جنسية سابقة! كمثال على ذلك، نذكر "جريمة الشرف" التي عرفتها سطات في أكتوبر 2015، والتي راحت ضحيتها عروس شابة بعد أن اتهمها زوجها المقيم بإيطاليا "باطلا" بعدم العذرية، معنفا إياها رفقة أسرته لتلقى الضحية، ذات 19 ربيعا، حتفها بعد أسبوعين من حفل زفافها، ويُعتقل صهرها المتهم بالإيذاء العمدي المؤدي إلى الموت، بعدما لاذ الزوج بالفرار. هي إحدى القضايا التي أثارت ضجة على المستوى الحقوقي، وانتفضت إثرها العديد من الجمعيات المناهضة لحقوق المرأة، حيث أشارت العسولي، في تصريح لـ"الصباح"، إلى مرافعة الفيدرالية لهذه القضية ومتابعتها، على غرار العديد من القضايا المماثلة، داعية إلى التخلي عن هذه الممارسات التي تعد "انتهاكا للحقوق الإنسانية بالدرجة الأولى ولحقوق المرأة". في مقابل ذلك، نجد أن الحديث عن عذرية الرجل مسألة لا نقاش فيها، بل الأصح أنها تعتبر "عارا" وتمسه في رجولته ! ويعزى ذلك غالبا إلى سيادة العقلية الذكورية في المجتمعات العربية، التي تضغط على الرجل وتقنعه بأن يفقد عذريته خطوة أولى للنضج واكتساب صفة "الرجولة"، والدليل على ذلك أن الرجل الذي له مغامرات جنسية عديدة، قد يشار إليه بالرجل "العابث"، ولكن للغرابة فذلك يعتبر مديحا له وليس إهانة. إلى متى؟ بين مؤيدين لإلغاء "اختبار العذرية" احتراما لكرامة المرأة وحريتها الشخصية، ومعارضين ممن يرون في حظر هذه الممارسة تمييعا للزواج وتمهيدا للانحلال الأخلاقي وللعلاقات خارج إطار الزواج، يظل نقاش هذه القضية حاضرا بقوة في الوسط الحقوقي، خاصة بعد اعتزام الجمعية الوطنية للعلوم الجنسية تقديم مشروع قانون لإلغاء هذا "العرف" المغربي الذي بات متجاوزا في العديد من البلدان العربية، فهل المغاربة اليوم مستعدون فعلا للحذو حذو الأردن والجزائر، والتخلي عن مبدأ "العذرية"؟

عـذريـة تحـت القـصـف

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إفريقيا مهد اليهودية والمسيحية

الرجاء يعود بتعادل مثير من مصر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات