أسباب تبرير الجريمة والإعفاء من العقوبة

المشرع أضاف أخطار أخرى محددة جعلها مماثلة للاعتداء بالقتل (الحلقة الرابعة) بقلم: الحطاب أبو مسلم* سبق لنا أن قسمنا الدفاع الشرعي إلى نوعين: دفاع شرعي حقيقي، ودفاع شرعي اعتباري، نظرا لاختلاف الشروط المتطلبة في كل منهما، وأهمها "شرط التناسب" الذي يعد توفره في الدفاع الشرعي الحقيقي شرطا أساسيا وواجب الإثبات، في حين أن هذا الشرط (التناسب) يفترض توفره في حالتي الدفاع الشرعي الاعتباري. ولعل هذا الافتراض هو ما دفع إلى القول باعتبار التناسب قائما وثابتا، وأن ما يقوم به المعتدى عليه، ضد من يعتدي على منزله، أو ضد مرتكب السرقة أو النهب بالقوة، يشكل حالة دفاع شرعي. وأن هذه الاعتبارات هي التي دفعت بعض فقهائنا إلى تسمية هذا النوع من الدفاع الشرعي بـ "الحالات الخاصة (الممتازة) للدفاع الشرعي". بيد أننا نفضل أن يطلق عليه الدفاع الشرعي الاعتباري، توظيفا للقواعد النحوية التي تعتبر "الفعل" أصل المشتقات، لنأخذ من كلمة "تعتبر" التي عبر بها المشرع في بداية الفصل 125، وصف هذا النوع من الدفاع الشرعي بالاعتباري، يضاف إلى ذلك أن كلمة " تعتبر" لا تدل على المماثلة الحقيقية، وأنه لو أريد التعبير عن هذه المماثلة (الحقيقية) في النص لقيل " تعد". وقد نص على هذا النوع من الدفاع الشرعي الفصل 125 من القانون الجنائي بقوله: "تعتبر الجريمة نتيجة الضرورة الحالة للدفاع الشرعي في الحالتين الآتيتين: 1- القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب ليلا لدفع تسلق أو كسر حاجز أو حائط أو مدخل دار أو منزل مسكون أو ملحقاتهما. 2- الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل أو نفس غيره، ضد مرتكب السرقة أو النهب بالقوة". ويستفاد من ظاهر صيغة الحالة الأولى، أن المشرع أضاف أخطارا أخرى محددة، جعلها مماثلة للاعتداء بالقتل. لأنها مظنة له، وأباح درأها بالقتل أو الجرح أو الضرب، وجعل فاعلها في حالة الدفاع الشرعي، غير آبه بشرط التناسب الذي يشترط في الدفاع الشرعي الحقيقي، والذي يعتبر حكما وبقوة القانون متوفرا في هذه الحالة، شريطة توفر الشروط الآتية: 1- أن يكون الاعتداء على دار أو منزل مسكون بالتسلق بمفهومه الوارد في الفصل 513 (ق.ج)، ويوضح الفقه المنزل المسكون بأنه "المكان الذي يقيم فيه شخص أو أكثر بالفعل"، مضيفا إلى هذا التوضيح"، أن مظهر الإقامة فيه هو تخصيصه للنوم، ومظاهر الحياة التي جرى عرف الناس على حجبها على إطلاع الناس عليها"، لكن لا يشترط وجود سكانه به وقت الاعتداء عليه. وإنما اشترط في المنزل أن يكون مسكونا (لا معدا للسكنى)، لأنه إذا كان لم يسكن بعد، فلا محل للقول بأن المعتدي يريد الاعتداء على ساكنيه، وبالتالي بوجود حالة الدفاع الشرعي. 2- أن يكون التسلق (وما معه) قد وقع ليلا. وفي غياب تحديد تشريعي لمفهوم الليل ولبدايته ونهايته، حاول بعض الفقه تحديده، إلا أن هؤلاء لم يتفقوا على مفهوم موحد. فمنهم من تبنى مفهومه الفلكي وحدده في الفترة التي تبدأ من غروب الشمس وتنتهي بشروقها، وبعضهم حدده – طبقا لمدلوله العرفي– بأنه الفترة التي يخيم فيها الظلام، وبعضهم حدده بغير هذا أو ذاك. وحسما لهذا الخلاف، ينبغي للمشرع الجنائي، أن يحدد مفهوم الليل، ووقت بدايته ونهايته (في القانون الجنائي المرتقب) حتى يتضح الفرق بينه وبين النهار الذي يسري على تسلق حائط المنزل المسكون أو كسر مدخله فيه، الفصل 417 (ق.ج)، الذي يعتبر التسلق أو الكسر، سببا مخفضا للعقوبة في حدود ما ينص عليه الفصل 423. 3- أن يكون صاحب المنزل جاهلاً للغرض الذي وقع التسلق أو الكسر من أجله، أما إذا كان عالما به و ارتكب لدرئه قتلا أو جرحا أو ضربا، فإن فعله لا يعتبر دفاعا شرعيا، كما في الحالة التي اعتاد فيها شخص معين أن يتسلق جدار منزله ليمر إلى دار بجواره للقاء فتاة يحبها، أو الحالة التي يحاول فيها شخص التسلق لأخذ بعض الفواكه من حديقته الملحقة بمنزله، فإن فعله لا يعتبر مبررا. والأخطار التي اعتبرت الفقرة (1) من الفصل 125 صـدها دفاعا شرعيا، وإن كانت – ظاهريا- تهدف إلى الدفاع عن المنزل المسكون، فإنها في الواقع تهدف، وبصفة غير مباشرة، إلى الدفاع عن النفس، لأن صاحب المنزل يخشى أن يمتد الاعتداء على المنزل إلى الاعتداء على النفس. أما الحالة الثانية، فهي التي ترتكب فيها الجريمة (بالقتل، أو الجرح، أو بالضرب) دفاعا عن نفس الفاعل أو عن نفس غيره، ضد مرتكب سرقة أموال منقولة، أيا كان نوعها، وفي أي مكان كانت، وفي أي وقت من الأوقات، أو ضد مرتكب ناهبها بالقوة، وذلك كمثل ما يقع من السرقات لأهل البوادي الذين يتركون بهائمهم بمزارعهم لترعى في دائرة محدودة، أو ضد من يرتكب سلب، أو نهب ممتلكات المارة و مستعملي الطرق بالقوة، مما نسمعه و نقرؤه جميعا عبر وسائل التواصل، والجرائد اليومية، من أن هناك أفرادا أو جماعات من الشباب المنحرفين يعترضون سبل المارة جهرا (ليلا ونهارا) و يسلبونهم ما بحوزتهم من ممتلكات ويلوذون بالفرار، ودون أن يتدخل أي أحد لإنقاذ ضحاياهم، أو للقبض عليهم وتسليمهم لأقرب ضابط للشرطة القضائية طبقا للمادة 76 من قانون المسطرة الجنائية. ولعل هذه الأفعال هي ما يطلق عليها في الشريعة الإسلامية "الحرابة"، وعلى فاعلها " المحارِب"، والمحارب هو من يعترض سبل المارة للاستيلاء على ما يحملونه من أموال وأمتعة، بالقوة أو بالتهديد بالسلاح الأبيض. ويلاحظ أن السرقة المشار إليها في هذه الحالة (الثانية) هي التي ترتكب من خارج المنزل وملحقاته، أو من داخله عن طريق إحداث ثقب أو خرق لحائطه. أما إذا كانت من داخله وبدون خرق لحائطه، فإن تسلق حائط المنزل أو كسر مدخله كاف لتبرير فعل صاحب المنزل، ضد مرتكب السرقة. القـــسم الثاني: أسباب الإعفاء مــن العقـوبة إذا كانت أسباب التبرير أو الإباحة تزيل عن الجريمة الصفة الجرمية وتجعلها فعلا مباحا، أي لا يعتبر جناية، أو جنحة، أو مخالفة، فإن أسباب الإعفاء من العقوبة، أو الأعذار القانونية (كما يسميها المشرع)، تحقق شيئا من التوازن بين إباحة الجريمة ومحوها، وبين الإعفاء (كليا أو جزئيا) عن بعض العقوبات الواردة في القانون على سبيل الحصر. ويعد هذا الحصر أحد الفروق بين أسباب الإعفاء، وظروف التخفيف المنصوص عليها في الفصل 55، متى توفرت شروطه. * دكتور في الحقوق رئيس غرفة (سابق) بمحكمة النقض قــــــــــاض شرفي من الدرجة الاسـتثنائية مـــــــحام بهيأة البيضاء

أسباب تبرير الجريمة والإعفاء من العقوبة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخبار الصباح

مشروع القانوني المالي 2019 ... هدايا الحكومة لـ"الباطرونا"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات