جنايات فاس … العقاب والنصيحة

دير عقلك أبلغ وأنفع أحيانا من عقاب يزيد من انحراف المتهمين بارتكاب جنايات إنجاز: حميد الأبيض (فاس) قد يكون تقديم النصيحة أحيانا أبلغ وأنفع وأجدر لمستقبل جانح مذنب، من عقوبة حبسية ترهن عمره في زنازين باردة، ينسج فيها علاقات تتوطد مع مجرمين بتجربة وخبرة أكبر، قد توطد مساره الإجرامي المفتوح على انعراجات قد لا تنفع في إعادة إدماجه وسط المجتمع. لذلك يحرص قاضي الجنايات على مخاطبة ضمير وعقل وقلب المتهم خاصة من حديثي العهد بالجريمة أو الذين سقطوا فيها صدفة أو لجهل، قبل مساءلة أفعاله، محاولة لإعادته إلى السكة الصحيحة، أملا في إصلاح ما يمكن إصلاحه من سلوكيات جانحين محتاجين للنصيحة قبل العقاب. في جلسة غرفة الجنايات بفاس، اختار رئيسها النصيحة لمحتاجيها، ممزوجة بالعقاب لمن يستحق من الماثلين أمامه، داعيا متهمين إلى التعقل وعدم المجازفة وارتكاب الحماقات التي قد يندمون عليها، ما استشف من عبارته المكررة "ديرو عقلكم" رسالة واضحة لمن يتقبل تلقفها. "ديرو عقلكم" استوى القاضي في جلسته، محاطا بستة من زملائه نصفهم نساء، بعدما أذن بجلوس متهمين وقفوا احتراما للمحكمة كما كل الموجودين بالقاعة 1 الشاهدة على جلسة "مبنية على التخفيف" في مدتها وعدد الملفات المدرجة وحضورها الأقل مع الأيام العادية. "ديرو عقلكم، وحاولوا تندمجو فالمجتمع".. تلك نصيحته للمحكوم عليهم في أربعة ملفات جنائية مختلفة ناقشتها غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية فاس، نطقها رئيس هيأة الحكم قبل أحكام متفاوتة في حق متهمين بالسرقة الموصوفة المقترنة بظروف التشديد وهتك العرض. 12 سنة حبسا واحدة منها موقوفة التنفيذ، وتبرئة متهمين أحدهما غيابيا فصل ملفه عن ملف سابق، حصيلة تلك الجلسة الأخف، تقبلها المدانون بصمت مطبق دون دموع مألوفة، كلما نطق بالأحكام، وقد خفضوا البصر وطأطؤوا رؤوسهم. ندمهم لم ولن ينفع في رد عقوبة سترهن شهورا من أعمارهم خلف أسوار السجن الحاجبة حريتهم ولقائهم اليومي بعائلات بدت مصدومة خارج بناية المحكمة، أثناء تلقيها منطوق الأحكام الصادرة ضدهم، بعضها انخرطت في بكاء وعويل حسرة على أبناء أضاعهم تهورهم. متهم بالسرقة "دير عقلك" عبارة كررها رئيس الهيأة، شارحا منطوق حكمه لعشريني جهل تفاصيله وكبت ابتسامة رضى على قرب الإفراج عنه، بعدما بسط القاضي عبارات القرار. سنتان حبسا في حدود سنة واحدة موقوفة التنفيذ، والباقي نافذ، عقوبة تقبلها دون غضب أو دموع ندم. "محاولة السرقة الموصوفة المقترنة بظروف الليل والكسر واستهلاك المخدرات" تهم حوكم بها بعد اعتقاله من قبل الضابطة القضائية إثر شكاية من صاحب متجر حاول التسلل إليه ليلا، لكن يقظة الحارس الليلي بالحي أفشلته. عبثا حاول المتهم الأقصر بين باقي المحكوم عليهم، إنكار تهمة السرقة أو محاولتها، متراجعا عن تفاصيل اعترافاته التمهيدية، رغم ضبطه متلبسا بتكسير قفل المحل. لكنه لم ينكر إدمانه شم مادة السيلسيون التي تجعله في أحايين كثيرة، غير دار بعواقب ما يقدم عليه من أفعال. حالته الاجتماعية رمت به بين براثين الإدمان المحتاج ل"ميزانية" يتدبرها ولو بالسرقة، خاصة في غياب معيل رسمي للأسرة أمام وجود الأب وأخيه الأكبر بالسجن، معطى ارتكز عليه محام معين في إطار المساعدة القضائية، لطلب تمتيعه بظروف التخفيف في الحكم ضده. براءة مسرح في الكرسي الأمامي على يمين القاعة قرب مدخلها، جلس متهم عشريني المسرح الوحيد في جميع الملفات الجاهزة للمناقشة، شاردا في انتظار حكم دارت في خلده كل احتمالاته دون براءة من صلته بسرقة 40 مليون سنتيم من دولاب في منزل بائع حلويات. كان المتهم الذي ألغيت المسطرة الغيابية في حقه بعدما بثت في الإذاعة، بعد حضوره واعتذاره ودفاعه، مع المتهمين الرئيسيين في الملف الموزعة عليهما 8 سنوات حبسا نافذا مناصفة، في مقهى بالحي لما أخبراه بعزمهما سرقة منزل قريب أحدهما بطريق عين الشقف. لم يقبل الشاب بهذا العرض المغري، ولم يرافقهما إلى المنزل، كما كشف عن ذلك وأكده المتهمان اللذان قضيا 15 شهرا بالسجن، في جوابهما عن سؤال ممثل الحق العام، الذي كان حاسما في تبرئته من المنسوب إليه دونهما، رغم محاولاتهما إبداع حيل ماكرة للإفلات من العقاب. لكن اعترافاتهما التمهيدية وما توفر للمحكمة من أدلة وقرائن، جعل التهم ثابتة في حقهما وبرر الحكم بإدانتهما بعقوبة اعتبرت الأشد في تلك الجلسة، كما إدانة عشريني بسنتين حبسا نافذا وتعويض مدني لفائدة ولي أمر قاصر غرر بها وهتك عرضها بدون عنف. اندفاع أم اضطر رئيس هيأة الحكم، في أكثر من مناسبتين، للتدخل لكبح اندفاع أم قاصر دون 15 سنة، مهتوك عرضها دون عنف، بعد تدخلها دون استئذان أو طلب منه، لشرح حيثيات وظروف علاقة ابنتها بالمتهم الذي ارتدى قميصا أبيض كما لو كان عريسا في ليلة زفاف. بدت غاضبة ومتسرعة في محاولاتها الكلام دون أن يطلب منها، أثناء مناقشة الملف في جلسة سرية حفاظا على الأخلاق العامة، قبل أن ينبهها القاضي ويطالبها بالتراجع لمكان قريب من القفص، ليفسح المجال لابنتها للجواب عن أسئلته، بكل يسر وبعيدا عن أي تأثير منها. "سرك محفوظ لدى المحكمة" هكذا طمأنها لإقناعها بسرد تفاصيل علاقتها بالمتهم والطريقة التي مارس عليها الجنس بالعنف أو بدونه، طيلة شهور أعقبت تعارفهما الإلكتروني، وإن كان افتض بكارتها، قبل أن يواجه المتهم بتصريحاته التي كذبت إنكاره. لكن إنكاره لم يكن إلا وسيلة للتملص من المسؤولية بعدما حول جسد الصغيرة لمفرغ لنزواته الجنسية، ولم يقنع المحكمة ببراءته وكونت قناعتها بثبوت الأفعال ضده باعترافاته التمهيدية والشهادة الطبية المسلمة للضحية التي جلست وسط مسنات من أقاربها، أحطن بها دعما لنفسيتها. جرائم المال بدت القاعة الأولى شبه فارغة عكس المألوف من اختناقها في عدة جلسات سابقة، وكما في تلك لغرفة الجنايات الابتدائية صباح كل اثنين وخميس من كل أسبوع، وتلك الاستئنافية صباح الثلاثاء، ما عجل بانتهائها مبكرا، بعدما كانت تمتد أحيانا ساعات متواصلة إلى الليل. ولم تكن تلك الملفات المحكومة وحدها المدرجة فيها، بل أجل البت في اثنين منها متعلقين بتبديد واختلاس أموال عامة والتزوير في محررات رسمية واستعمالها، أحدهما خاص بمسبح تازة، والمتابع فيه في حالة سراح مستشار بجماعة تازة وقريبه، من العدالة والتنمية.

جنايات فاس … العقاب والنصيحة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اختطاف طفلة بالبيضاء

تزوير رسوم عدلية للسطو على عقارات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات