حديث الصباح: حزب العدالة والتنمية يتكلم بلسانين

انتهى زمن المتاجرة السياسوية بالقضية الفلسطينية ولم يعد أمام قيادة الحزب وذراعه الدعوية غير توحيد الخطاب نظمت هيأتان مدنيتان مناصرتان للقضية الفلسطينية (الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني ومجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين) وقفة احتجاجية، يوم السبت 24 مارس الماضي، أمام البرلمان للتنديد باستضافة ممثل الكنيست الإسرائيلي للمشاركة في أشغال الدورة الثامنة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط. وهذا أول حضور لوفد إسرائيلي في ظل الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الذي أسس إيديولوجيته، وأقام هياكله التنظيمية على معاداة اليهود ومناهضة سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني، أيا كانت مبرراتها ومستوياتها. وعلى امتداد التاريخ التنظيمي للحزب، وقبله الحركة الدعوية الأم "حركة التوحيد والإصلاح"، لم يكف إسلاميو الهيأتين عن التحريض ضد اليهود أيا كانت جنسيتهم ومواقفهم من القضايا الوطنية أو القومية. وقد نال الراحل إبراهام السرفاتي، المواطن والمناضل المغربي حظه من الكراهية والسباب، ولم تشفع له مواقفه الوطنية المشرفة ولا معاداته للصهيونية عند زعماء الحزب وخطباء الحركة الذين أصموا آذان المصلين بالدعاء على اليهود "حفدة القردة والخنازير" بكل الكوارث والمصائب. وفي كل الوقفات المساندة للشعب الفلسطيني، يرفع الإسلاميون شعارات الكراهية والحقد ضد اليهود كيهود، ومنها: "خيبر يا يهود جيش محمد سيعود"، "هذا عار هذا عار واليهودي مستشار" في دلالة على رفضهم تعيين الملك يهوديا مغربيا مستشارا له. كل هذا التهييج والاتجار بالقضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية، حتى باتت هذه القضية أصلا تجاريا لدى هيآت وأحزاب سياسية، أحدث ضجة أكبر واحتجاجا أقوى ضد حضور ممثل الكنيست الإسرائيلي، وها هو حزب العدالة والتنمية في موضع الاتهام ومحط الاحتجاج الذي تخوضه الهيآت الداعمة للقضية الفلسطينية على خلفية هذا الحضور، باعتباره الحزب الذي يقود الدولة والحكومة ويملك قرار طرد الوفد الإسرائيلي، الأمر الذي جعل عبد الإله المنصوري، عضو سكرتارية مجموعة العمل الوطنية لدعم العراق وفلسطين، يحمل كامل المسؤولية لحزب العدالة والتنمية بقوله "إن الذين سمحوا لهذا الصهيوني بدخول المغرب يتحملون المسؤولية، ولأن المفروض أن من يرأس الحكومة، والذي يعتقد أنه له سلطة فعليه أن يتحمل المسؤولية الأولى في هذا الأمر". ولعل الشعار الذي رفعه المحتجون "شكون استدعى الصهيوني لي خانوك أو خانوني" فيه من الدلالة ما يحرج الحزب والهيآت المرتبطة به والموازية له؛ وعلى رأسها الكتلة البرلمانية التي قرر أعضاؤها مقاطعة أشغال الدورة الثامنة للجمعية البرلمانية، بعدما فشلوا في الضغط على قيادة الحزب ورئيس الحكومة من أجل منع الممثل الإسرائيلي من الحضور، بل إن من أعضاء الكتلة إياها من شارك في الوقفة الاحتجاجية في محاولة لحفظ ماء وجه الحزب الذي اضطرته الواقعية السياسية إلى التصرف كحزب حاكم يقود دولة، وليس حزبا معارضا يناهض سياسة الدولة. إنه موقف محرج للحزب، وهو الذي ظل يعتبر دخول الإسرائيليين إلى أرض المغرب ومؤسسته التشريعية "تدنيسا" لها. لقد سبق للفريق البرلماني للحزب سنة 2006 وعلى لسان عبد القادر عمارة، البرلماني السابق والوزير الحالي، أن دعا كل البرلمانيين، أغلبية ومعارضة، إلى اتخاذ موقف متضامن ضد أي "تدنيس" إسرائيلي للبرلمان بالقول "هذه مناسبة لنا جميعا أغلبية ومعارضة، لنتضامن حتى لا تدنس أقدام الصهاينة مؤسستنا النيابية". ولا شك أن التهييج الذي درج عليه الحزب ضد الحكومات السابقة في قضايا جزئية تتعلق بمشاركة فنان يهودي في مهرجان فني أو حضور رجل أعمال إسرائيلي ضمن ملتقى دولي، هو الذي جعل الهيآت المساندة للشعب الفلسطيني تشدد تنديدها وانتقادها لحكومة بنكيران لدرجة أن أمين عام حزب الأمة، محمد المرواني، قال، في كلمة له باسم الهيآت، إن استدعاء ممثل البرلمان الإسرائيلي عمل "شنيع يأتي والشعب المغربي يعد لمسيرته الكبرى ليوم فاتح أبريل بالبيضاء من أجل القدس، كما أنه يأتي في وقت يستعد فيه أحرار العالم للزحف نحو القدس لكسر الحصار عنها، وإيقاف الجرائم الصهيونية ضد القدس وضد المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها في إطار مسيرة القدس العالمية يوم 30 مارس الجاري، وارتفاع حدة الجرائم الصهيونية ضد غزة وعموم فلسطين". وهذا اتهام صريح لحزب بنكيران وحكومته بأنهما يوجهان طعنات غدر وجحود للجهود التي تبذلها الهيآت الدولية والإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني، وتكسير الحصار الإسرائيلي الجائر ضده.لقد انتهى زمن المتاجرة السياسوية بالقضية الفلسطينية، ولم يعد أمام قيادة الحزب وذراعه الدعوية غير توحيد الخطاب وترك ازدواجيته لمن لم يعتلوا مراكز المسؤولية الحكومية بعد. والاستمرار في اعتماد ازدواجية الخطاب لن يخدم مصلحة الحزب ولا مصلحة الوطن؛ سواء تعلق الأمر بقضايا وطنية داخلية أو قضايا تهم علاقات المغرب الدولية ومصالحه العليا، ذلك أن المزايدة السياسية في موضوع فلسطين أو القدس لا مبرر لها منذ أن أجمع المغاربة على اعتبار القضية الفلسطينية قضيتهم الثانية بعد قضية الوحدة الترابية.واستمرار الحزب في نفاقه السياسي سيضعه دوما تحت سهام النقد والتنديد ممن كانوا حلفاءه ويقاسمهم المرجعية نفسها، إذ لم تترك جماعة العدل والإحسان الفرصة تمر دون أن تستغلها لسحب بساط الدفاع عن القضية الفلسطينية من تحت الحزب والتنديد به، ففي بيان للهيأة المغربية لنصرة قضايا الأمة التابعة للجماعة، اعتبرت أن "مشاركة الوفد الصهيوني استفزازا للشعب المغربي الذي كان وما يزال مدافعا عن القضية الفلسطينية ومنظما للمسيرات المليونية التاريخية المناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني والداعمة لخيار المقاومة". بالتأكيد لم يستفد الحزب من مواقف الإسلاميين والسلفيين في مصر الذين سبق أن أعلنوا أنهم لن يلغوا معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، فهم بهذا الإعلان لم ينافقوا قواعدهم التنظيمية، بل صارحوها بأن قيادة الدولة تقتضي مراعاة المصالح العليا وعدم تعريضها للخطر. بينما ظل حزب العدالة والتنمية يعلن المواقف نفسها التي كانت له أيام المعارضة، فيما ممارسته الحكومية خلاف ذلك. وهذا دليل على أن الحزب غدا يتكلم بلسانين ويظهر بوجهين، ليس فقط لعموم المواطنين، ولكن أيضا لقواعده وأطره، لأنه لم يستطع تأهيل مناضليه لمرحلة قيادة الدولة والحكومة والإكراهات التي تستلزمها هذه القيادة، ومن ضمنها حضور الملتقيات والمؤتمرات الدولية نفسها التي يحضرها الوفد الإسرائيلي. سعيد الكحل, كاتب

حديث الصباح: حزب العدالة والتنمية يتكلم بلسانين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الفريق الاستقلالي يصوب سهامه في اتجاه وزير الصحة

عزل مسؤول أمني بخريبكة وإعفاء رئيسي شرطة قضائية بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات