“لـيـسـمـاك”… مـشـروع يـبـيـض ذهـبـا

المهنيون يقولون إن تسريع تمرير مشروع غير مكتمل هدفه إخفاء اختلالات والظفر بمكاسب شخصية ملف شائك على طاولة مصطفى الخلفي، الذي وصل إلى وزارة الاتصال حاملا شعارات الشفافية والحكامة الجيدة. الملف يشكل أول امتحان حقيقي للخلفي المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية من أجل القطع مع إرث الماضي.القضية المتشابكة ليست وليدة اليوم، فمشروع المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما بالرباط أقدم من الوزير وعمر عدة سنوات قبل أن يأتي الخلفي للحسم فيه نهائيا. ماذا يجري إذن والمعهد قيد التشييد؟ ولم كل هذه الصراعات الخفية والمعلنة؟ ومن المستفيد من تمرير مشروع غير مكتمل وغير واضح المعالم؟ يعد المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما من بين المطالب الملحة للمهنيين والمشتغلين في مجال السينما والسمعي البصري منذ سنوات. ويشكل حلقة أخرى مكملة لسيرورة رفع مستوى المجال وتأهيله، خصوصا مع الطفرة الكبيرة التي يعرفها الإنتاج السينمائي وما حققه المغرب منذ وصول نور الدين الصايل إلى المركز السينمائي المغربي قادما من القناة الثانية “دوزيم”. لذلك، يعتبر المعهد خطوة مهمة للسير بالسينما والتكوين السمعي البصري عموما إلى مستوى أبعد. كما يشكل أيضا أحد المشاريع التي يريد الوزير الانخراط فيها وجعلها ورشا من أوراشه الإصلاحية.وضع شاذالمعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما، الذي وصلت نسبة إنجازه 60 في المائة، شابته العديد من الاختلالات، جعلت من المستبعد الالتزام بموعد الافتتاح السنة المقبلة، فالمتتبعون يرون أن “الدخول في منطق الاستعجال، الهدف منه تمرير مشروع غير مكتمل أو مشوه”. فـ “بعض الأشخاص” داخل وزارة الاتصال وخارجها، تقول مصادر “الصباح”، تستأثر بالمشروع وتستفرد به، مع إقصاء أطراف أخرى مساهمة في الحقل ومشتغلة في المجال السمعي البصري والسينما بغية تحقيق “مكاسب شخصية”.وذكرت المصادر ذاتها أن ميزانية المشروع، التي قدرت بـ 86 مليون درهم، ساهمت فيها الوكالة الفرنسية للتنمية بـ 45 مليونا، فيما تضيف الدولة الجزء المتبقي (41 مليون درهم)، وهو ما يطرح الأسئلة حول مآل هذه الملايين وطريقة صرفها، مشيرة إلى الضبابية التي مازالت تلف هذا المشروع على مستوى التمويل والبرامج والبيداغوجيا والبنيات والتدبير والتجهيزات. وتساءلت عن جدوى إحداث معهد للتكوين في مجال السمعي البصري في وقت يضطلع فيه المعهد العالي للإعلام والاتصال (جار المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما بالرباط) بالدور نفسه.ونبهت مصادرنا إلى أن الدراسة الاستشارية عهد بها إلى مدرسة لوي لوميير الفرنسية منتقدة أداءها، إذ تمنح المدرسة الخبرة نفسها إلى مختلف الدول دون مراعاة الخصوصية المغربية، ووضعية البلاد، وحاجة المجال وتطلعاته، والسياسات المتبعة. وهو ما يطرح تساؤلات موازية عن نجاعة مثل هذه الخبرات، والأسباب الكامنة وراء إقصاء الأطراف المغربية مقابل تشجيع الدراسات الخارجية التي تجهل الواقع السمعي البصري ومشاكله ورهاناته وتطلعاته؟بين الأمس واليومفي 1998، تشكلت الجمعية المغربية لمهنيي السمعي البصري والسينما التي تضم المركز السينمائي المغربي والقناة الثانية والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون والغرفة المغربية لمنتجي الأفلام، هدفها الأساسي إخراج معهد للتكوين في السمعي البصري والسينما إلى الوجود.يقول صارم الفاسي الفهري، رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام، "كانت "لامباك" يسيرها مدير القناة الثانية آنذاك، العربي بلعربي، ثم جاء بعده نور الدين الصايل. وفي سنة 2005 ثم منح الرئاسة إلى غرفة المنتجين التي أترأس".ويضيف الفاسي الفهري، "من المنتظر أن يفتح المعهد أبوابه في أكتوبر المقبل أي السنة الدراسية المقبلة وسيضم 66 طالبا، وسيعين وزير الاتصال المسيرين قريبا"، مؤكدا على أن وجود المهنيين في بنية التسيير ضروري "لأنه يمنح مقياسا لحاجة السوق.. فالمعهد ليس من مصلحته تكوين العاطلين".نهاية الغرفةتطبيقا لأوامر الوكالة الفرنسية للتنمية التي فرضت وضع تسيير المعهد في يد القطاع الخاص، قررت وزارة الاتصال اللجوء إلى الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام، إلا أن الكثير من المنتجين يشككون في شرعية الغرفة وأحقيتها بهذا التمثيل، بل يسير بعضهم أبعد من ذلك ويتحدث عن "فضيحة".وفي هذا السياق، يقول المخرج والمنتج إدريس اشويكة، أن الصراعات داخل الغرفة قديمة جدا، وأصبحت إرثا للرئيس صارم الفاسي الفهري الذي قضى على رأسها 16 سنة. ورغم احتجاج العديد من "أصدقائه وزملائه القدامى" مثل سعد الشرايبي، وحسن بنجلون، وعبد الكريم درقاوي ... ومطالبتهم بضرورة تنحي الرئيس، وتطعيم المجال بالشباب وضخ دماء جديدة، رفض المعني أي تغيير وتشبث بمنصبه.كعكة ليسماكالغاضبون من الرئيس وغرفته يستعدون أسسوا في 7 مارس الماضي إطارا بديلا، يقول شويكة "قررنا منذ مدة تكوين غرفة جديدة تضم أكثر من ثلاثين منتجا لأن الغرفة القديمة لم تعد تمثل المهنة".لكن الملاحظ أن الحالة المزرية داخل الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام استمرت على مدى 16 سنة، لماذا الانفجار الوضع اليوم بالذات؟الإجابة نجدها، مرة أخرى، في "ليسماك"، يقول شويكة إن المنتجين المنخرطين في الغرفة اكتشفوا أخيرا أن رئيسهم "مرر صفقة تسيير المؤسسة الجديدة لشركة أسسها حديثا بشكل سري". وأضاف أنه لم يعلن عن طلبات عروض كما تفرض ذلك القوانين الجاري بها العمل، وأن الصفقة تمت "حسي مسي" لشركة محدودة المسؤولية بشريك واحد، "أنا أعتبر نفسي غير معني بهذا الأمر لكن هناك زملاء منتجين يهمهم المشاركة في طلب العروض ولم لا الظفر بالصفقة التي تقدر بالملايين".الديمقراطية إذن ليست هي الهاجس الوحيد لانتفاضة الغرفة بل ل"ليسماك" وملايينه دورا كبيرا في تصدعها فإدريس اشويكة وزملاؤه متفائلون، "غرفتنا ستكون لها تمثيلية أكبر لأنها تضم منتجين أكثر، وبالتالي ستكون لنا شرعية الحوار مع المؤسسات والهيئات يجب أن لا ننسى أن عدد منخرطي الغرفة بلغ 24 منتجا في حين أن لوائح المركز السينمائي المغربي يضم 753 شركة إنتاج".سطو عرف مشروع المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما تجاوزات منذ بدايته، إذ تم "السطو" على ملك تابع للمعهد العالي للإعلام والاتصال في ظروف غامضة وبشكل أحاطته السرية والضبابية.بعض الأصوات تقول إن مسؤولون (سابقين) في وزارة الاتصال استقلوا فراغ منصب مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال "وداروا شرع يديهم".تغيير الملكية وهو ما احتج عليه أساتذة المعهد في حينه وأصدرت نقابتهم بلاغا في الموضوع، إذ أن تطوير المعهد اليوم غير ممكن كما لا يمكن لأي جهة تقديم إجابة عن "من" قام بتغيير الملكية؟ ومن المسؤول عن إنشاء مؤسسة على حساب معهد عمره 42 سنة؟تشاؤمالتشاؤم ذاته يطبع رأي المخرج عبد الرحمان التازي الذي اشتغل منسقا على مدى سنوات بين مكونات "لامباك"، "منذ 1998 والمعهد في دوامة لا تعرف نهايتها. وأظن أن الهدف المنشود في البداية، الذي ينبني على تكوين عالي وراقي، لن يتحقق في ظل الأوضاع الحالية خصوصا أن رئيس "لامباك" ورئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام (منذ 15 سنة !) هو من يتحكم في كل الأمور في حين يجب أن تكون قضايا التكوين في يد أكاديمي عارف بتخصصه... نكتفي فقط بذر الرماد على العيون من خلال اللجوء إلى الخبير الأوربي العارف بكل شيء وتهميش الطاقات والخبرات المغربية». ويضيف التازي، «لا أعرف كيف تطورت الأمور بهذا الشكل، وأصبح رئيس «لامباك» ورئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام مسؤولا عن تكوين شركات مكلفة بالبناء والتكوين وكل شيء ... هذا ما أثرته في «ندوة صحافية» عقدت بطنجة ترأسها ثلاثة أشخاص هم صارم الفاسي الفهري، وموظفان من وزارة الاتصال هما: محمد بلغوات وفؤاد صويبة ... بهذا الشكل لا أرى أن الأمور تبشر بالخير».وتجدر الإشارة هنا إلى أن وزارة الاتصال عقدت ندوة «سرية» بمدينة طنجة في يناير الماضي على هامش المهرجان الوطني للفيلم. وفي الوقت الذي تشير «التقارير» إلى حضور «ممثلي الصحافة الوطنية واستدعاء الشركاء»، ضرب صمت مطبق حول الاجتماع ولم يتم استدعاء أحد رغم وجود جميع ممثلي الصحافة الوطنية (والعربية والدولية) لتغطية فعاليات المهرجان الوطني للفيلم!استمرار أم قطيعة؟أسئلة كثيرة يطرحها المهنيون بخصوص معهد وضعت فيه آمال كبيرة من أجل النهوض بالقطاع، لكنه حاذ عن مساره وسط ضبابية وبحث عن المصالح: شركات ذات ارتباطات «خاصة»، تصميم المشروع أوكل إلى شقيق وزير سابق في الاتصال، الاعتماد على الخبرات الأجنبية، تفويت غامض لأرض في ملك معهد آخر، تهميش مؤسسات عمومية تشتغل في المجال نفسه، استفراد بالقرارات ... كلها مظاهر انحراف تجعل تحذيرات المهنيين بأن «التسريع بتمرير مشروع غير مكتمل هدفه إخفاء اختلالات والظفر بمكاسب شخصية» سؤال مشروع يفرض التفكير والتمحيص. جمال الخنوسي

“لـيـسـمـاك”… مـشـروع يـبـيـض ذهـبـا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرياضات والشقق المفروشة تؤرق مهنيي السياحة

بطاقة "رميد" تخنق المقاطعات بالبيضاء

مقالات ذات صلة