قصوري: الورقة المزعجة

< وجه خطاب العرش انتقادات إلى الأحزاب ودعاها إلى استقطاب الشباب وتجديد آليات العمل. لماذا ينفر الشباب من العمل السياسي؟ < أظن أن وضعية الأحزاب في علاقتها مع الشباب باتت تشكل مظهرا من مظاهر أزمتها في العلاقة مع المجتمع، لدرجة أنها تعاني اليوم تكلسا وجمودا انعكس على دورها في التأطير، وانغراسها في أوساط المجتمع، خاصة من النخب الجديدة. وشكلت قضية الشباب موضوع العديد من الخطب الملكية، آخرها خطاب العرش الذي ركز على أهمية تجديد النخب وتحديث آليات العمل، وملاءمتها مع انتظارات الشباب. وفي هذا الصدد، وجب التذكير بأن شباب اليوم المتشبع بالتكنولوجيات الحديثة، والمنفتح على مستجدات العالم، لم يعد يجد في الفضاءات السياسية التقليدية، ما يغريه للالتحاق بالحزب، لأنه لا يجد قضاياه ولا اهتماماته على جدول أعماله، ناهيك عن هيمنة "الزعامات التاريخية" و"القيدومين" من محترفي العمل السياسي على مراكز القرار. < هل يمكن الحديث عن نهاية شكل من أشكال الحزب، وباتت الحاجة إلى حزب من طراز جديد، يدبر بمنطق آخر، ويشتغل بآليات حديثة؟ < الأكيد أن التطورات العميقة التي طرأت في المجتمع تفرض على جميع المؤسسات، وضمنها الأحزاب، تغيير آليات اشتغالها وتجديد خطابها وبرامجها، وتوسيع مجال المشاركة في اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية أمام نخب جديدة، ليست لها بالضرورة تجربة تنظيمية طويلة في الحزب، لكن لها من الكفاءات ما يجعلها قادرة على المساهمة في التأطير، وتقديم اقتراحات في مجال تدبير السياسات العمومية، وفي مقدمتها السياسات الخاصة بالشباب، لأنها الأدرى بمشاكلها. والحال أن وضعية الأحزاب اليوم، وطبيعة الخطاب السياسي السائد لا يشجعان الشباب على الانخراط، أمام الرتابة التي تعيشها المؤسسات السياسية والهيآت التابعة لها، بل لم يصبح الحزب، كما كان في السابق، مدرسة للتكوين السياسي، وتعلم قيم المواطنة، حين كانت الجمعيات المدرسية والمنظمات الشبابية تقوم بدورها كاملا، في تنشيط الحياة السياسية، إذ كان الشباب نموذجا للدينامية والمواقف الجريئة، وهو ما كان يزعج في بعض الأحيان القيادات الحزبية المتشبثة بمواقعها ومصالحها الضيقة. صحيح، أن الوضع اليوم يفرض تجديد الأحزاب لتصوراتها وآليات اشتغالها، لبناء تجربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار التحولات العميقة في المجتمع، وتسمح للشباب بتحمل المسؤولية، أحزاب تشتغل بشكل دائم، وليس في المحطات الانتخابية، وببرامج عملية تجيب على أسئلة الواقع، وليس بالشعارات العامة، وعبر هيآت تعتمد التواصل المفتوح بين القيادة والقواعد، وتكسير نمط "الزعيم" و"المريدين". < تعرضت تجربة التشبيب من خلال "الكوطا" إلى التحريف، وكرست توريث أبناء القيادات. أين يكمن الخلل، وما هي مسؤولية الشباب؟ < استعملت الكوطا لتشجيع مشاركة الشباب في مراكز القرار الحزبي والهيآت المنتخبة، إلا أن هذه الآلية استعملت بطريقة خسيسة من قبل بعض الأحزاب لتوريث أبناء القيادات، والوصول بهم إلى البرلمان والمجالس المنتخبة، في الوقت الذي كان الهدف من المبادرة المساهمة في تجديد النخب وإدماج فئات من الشباب تتوفر فيها معايير الكفاءة وقيم النزاهة والمواطنة في العمل السياسي. والحال أن التجربة لم تسجل إضافات نوعية باستثناء حالات معدودة، وحملت شبابا، بعيدين عن مفهوم النخب الجديدة الحاملة لرؤى بديلة، لدرجة أصبحنا أمام عائلات داخل البرلمان، وفي قيادات الأحزاب، اعتمادا على المحسوبية والقرابة العائلية، أكثر من الارتكاز على الكفاءة والاستحقاق، وهي الوضعية التي عمقت من نفور الشباب من العمل السياسي.إن الخوف من التغيير هو الذي يقف ضد فتح الباب أمام الشباب لاقتحام مواقع المسؤولية في الأحزاب والمؤسسات، وللأسف انتقل هذا التوجس حتى إلى الأحزاب التقدمية، إذ أصبح "الزعيم" يبحث عن ولايات عديدة في قيادة الحزب، والحيلولة دون وصول شباب إلى القيادة، كما هو معمول به في الأحزاب الأوربية التي يقودها شباب دون الأربعين. أجرى الحوار : ب . ب *باحث ومحلل سياسي

قصوري: الورقة المزعجة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أحلام: واقعة غرق أصابتني بفوبيا

مـرض "الـزعـامة"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات