دراسة: الحريات النقابية والملف المطلبي بقطاع العدل (الحلقة الأولى)

الزيادات التي عرفتها أجور موظفي هيأة كتابة الضبط لم يكلف ميزانية الدولة فلسا يعرف قطاع العدل، في الآونة الأخيرة، انحرافا وتشنجا خطيرا في العلاقة التي تربط وزارة العدل والحريات مع النقابة الأكثر تمثيلية، وهي النقابة الديمقراطية، بدأت تداعياتها الأولى تظهر إبان سكوت الأخيرة عن مجموعة من الممارسات أريد بها تقوية نقابة داخل القطاع على حساب نقابة رسخت قوتها وكرست جهدها منذ مؤتمرها الأول ببوزنيقة سنة 2003 من أجل إنصاف موظفي هيأة كتابة الضبط ورفع المظلومية التاريخية التي لطالما عانوها. جندت وزارة العدل والحريات، في سبيل وأد العمل النقابي داخل القطاع وكسر شوكة النقابة الديمقراطية للعدل، جميع وسائل الإعلام السمعي والمرئي والمكتوب، بغية إعطاء صورة نمطية عن الإضرابات الحالية لهذه النقابة وتكريس عدم مشروعيتها، كما وظفت في سابقة خطيرة من نوعها المسؤولين القضائيين لدى جميع محاكم المملكة من أجل تلاوة بلاغها الأخير، والذي جانب الصواب في العديد من بنوده وفق ما سنعمل على تبيانه.لذلك، فقد وجب توضيح مجموعة من النقط التي ظلت غائبة أو بالأحرى مغيبة في ما آلت إليه الأوضاع بالمحاكم نسطرها حسب تقديرنا المتواضع في ثلاثة محاور رئيسية: محور أول يتعلق بالملف المطلبي، ومحور ثان يتمحور حول الحريات النقابية بالقطاع، ومحور ثالث يتناول تعسف وزارة العدل في استعمالها للاعلام كوسيلة لضرب العمل النقابي داخل القطاع.الملف المطلبيحاولت وزارة العدل والحريات، من خلال بلاغاتها الأخيرة، خاصة منها بلاغ 19 مارس الجاري أن تظهر للرأي العام الوطني، ومن خلاله لأسرة العدالة ومرتفقيها على أن وضعية هيأة كتابة الضبط تحسنت مقارنة مع الوضعية السابقة، وأنه لم يعد مقبولا خوض إضرابات في الوقت الراهن نتيجة لذلك، مختزلة بذلك هذا التحسن في الوضع المادي دون النظر إلى الوضع الاعتباري الذي ما زلنا لم نتقدم بشأنه خطوة واحدة.ولن نخوض من خلال هذا المحور في الأسلوب والمغالطات التي أتت بها صياغة البلاغات باعتماد اسلوب التهديد تارة وأسلوب التوجيه تارة أخرى، لأنها سوف تشكل موضوع المحور الثالث من هذا المقال، بقدر ما سوف نركز على المطالب التي تمت الاستجابة إليها وحجم المعاناة التي ما زال يعانيها موظفو القطاع خاصة ما تعلق منها بالجانب الاعتباري.نعم، لقد حققنا وبعد خوض معارك شرسة استدعت منا خوض أشكال احتجاجية فريدة من نوعها مكاسب مالية في ما يتعلق بزيادة أجور موظفي هيأة كتابة الضبط، ولكن لابد من الإشارة إلى أننا قد تحفظنا بخصوص الزيادة المخصصة للسلاليم الدنيا خاصة منها السلم 5 و6 خاصة لكونها تشكل أكثر من 60 في المائة من تشكيلة موظفي الهيأة وقد استطعنا من خلال مشروع الاتفاق المهرب الذي تمت صياغة، أخيرا، ورفضت وزارة العدل توقيعه أن نرفع نسبيا من هذا الحيف، إذ أكدت أحد بنوده على ضرورة:» جبر الضرر الحاصل للموظفين المرتبين في السلالم الدنيا وإقرار إجراءات اجتماعية لفائدتهم من خلال المؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية ومراجعة مرسوم الحساب الخاص».وإلى جانب هذا التحفظ ومن أجل التذكير فقط، فالزيادات التي عرفها قطاع العدل في ما يخص أجور موظفي هيأة كتابة الضبط قد تم اقتطاعها من الصندوق المخصص لدعم المحاكم وهو حساب خاص مرصود لتدبير وتجهيز محاكم المملكة، وبالتالي فالأمر لم يكلف ميزانية الدولة فلسا زائدا، بقدر ما أن هذه الزيادات استدعت إعادة تقسيم موارد هذا الصندوق بحسب أولوياتها والتي اعتُبِرَت أخيرا فيها إعادة النظر في الوضعية المادية لموظفي هيأة كتابة الضبط.الملاحظ كذلك من خلال القراءة التحليلية لبلاغات وزارة العدل والحريات الأخيرة أنها اختزلت وقزمت المطالب المهنية لموظفي هذه الهيأة وحصرتها في الوضعية المادية التي تم تحسينها، ونسيت أو تناست أن ذلك لا يشكل إلا جزءا من أرضية الملف المطلبي للنقابة الديمقراطية للعدل، والذي تتشكل محاوره الأساسية من الحقوق والحريات النقابية كدرجة أولى ومن المطالب ذات الصبغة القانونية والمؤسساتية، إضافة إلى تحديث النظام الإداري بمختلف مرافق وزارة العدل سواء منها المركزية أو الخارجية وأخيرا الحقوق الاجتماعية والتي ما زالت المؤسسة المحمدية لم تأخذها بعين الاعتبار، خاصة ما تعلق منها بالسكن والنقل والقروض والتي تحيل بشأنها على مؤسسات القروض الخاصة.كما أن وزارة العدل ما زالت رغم مرور أكثر من 14 سنة على العمل النقابي لم تعترف لموظفي هيأة كتابة الضبط بحقهم في الحصول على بطاقة مهنية تثبت صفتهم الإدارية والضبطية، رغم الاتفاقات المتكررة الموقعة في الموضوع ورغم كذلك من التزامها من خلال الاتفاق الموقع مع النقابة الديمقراطية للعدل بتاريخ 14 نونبر 2011 بتعميم البطاقة المهنية على كافة موظفي هيأة كتابة الضبط في متم شهر دجنبر.وفي جانب آخر يتعلق بحرية الولوج إلى المرفق العمومي اجتهدت وزارة العدل على غير عادتها في إقرار قاعدة جديدة من قواعد تدبير كيفية وفود موظفي محاكم المملكة لإدارتها المركزية حيث اشترطت فيهم ضرورة الحصول على إذن مسبق من رئيس المصلحة من أجل قضاء مآربهم الإدارية في سابقة من نوعها في باقي الوزارات، تضع موظفي هيأة كتابة في وضعية الابن العاق مقارنة مع باقي الوافدين لمقر وزارة العدل من المواطنين.الحريات النقابية إضافة إلى الملف المطلبي للنقابة الديمقراطية للعدل الذي ما زال يراوح مكانه في ما يخص النقط المشار إليها أعلاه، فإن القطاع بدأ يعرف مؤخرا تراجعا خطيرا على مستوى الحريات النقابية التي ضحى من أجلها مناضلوها وعلى رأسهم كاتبها العام بوظيفته في سبيل إقرارها وترسيخها كدعامة أساسية لممارسة العمل النقابي وكمدخل رئيسي للتفاوض الجاد والمسؤول.وهكذا، فقد سجلت الفترة الأخيرة مجموعة من الممارسات الهادفة إلى وأد العمل النقابي على عدة مستويات : فعلى مستوى وزارة العدل والحريات اعتمدت الأخيرة في خارطة عملها التضييق على الحريات التي ارتضتها تسمية لها في عقر دارها، إذ اعتمدت من خلال بلاغاتها الأخيرة أسلوبين متباينين: أسلوب المغالطة وأسلوب التهديد والترهيب، ودون الخوض في الصياغة والسياق التي أنتجت هذه النوعية من البلاغات لأنها ستشكل المحور الثالث من هذا المقال، فإن الباعث الأساسي الذي كان وراء إصدارها يظهر من خلال قراءة تحليلية لخطاب الوزارة الإقصائي الجديد هو ضرب العمل النقابي وتضييق هامش الحريات النقابية داخل القطاع من خلال استهداف النقابة الديمقراطية للعدل واستهداف مناضليها، وخلق الفتنة في صفوف موظفي هيأة كتابة الضبط وإسباغ نضالاتها بصبغة عدم المشروعية والطابع السياسي وبالتالي تحميلها وزر تعطيل مرفق العدالة. بقلم: الجيلالي مكوط, عضو المجلس الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل

دراسة: الحريات النقابية والملف المطلبي بقطاع العدل (الحلقة الأولى)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الهاكا تصادق على دفاتر تحملات القطب العمومي

نقابة تحذر الرميد من انتهاج أسلوب الاقتطاع

مقالات ذات صلة